شهدت المنطقة في الأسبوع الأخير تطورات مهمة على صعيد المواجهة بين إسرائيل وإيران، إذْ وجَّهت إسرائيل ضربات متتالية إلى عدد من الأهداف المرتبطة بالجماعات المواليَّة لإيران بالمنطقة في لبنان والعراق وسوريا. فقد قامت إسرائيل بتوجيه ضربات إلى مستودعات الأسلحة التابعة إلى الحشد الشعبي بالعراق، وسبقتها في الشهر الماضي ضربات مماثلة على قواعد مخازن أسلحة شمالي بغداد، ثم تلاحقت الضربات الإسرائيلية في سوريا، وقُتل اثنان من أعضاء حزب الله اللبناني، التي اعتبرت إسرائيل أنها استباقيَّة لإحباط ضربة إيرانية خُطط لها للهجوم على شمالي إسرائيل من خلال طائرات دون طيار، ثم لحقتها بأخرى ضد أحد مقرات حزب الله اللبناني جنوبي بيروت.
يرى البعض أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ترتبط بالسياق الداخلي في إسرائيل والانتخابات المقبلة، إذ يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يبين كونه قادراً على حماية أمن إسرائيل، والبعض يربط بكونها مدفوعة من عدم الثقة الإسرائيلية بالموقف الأميركي تجاه إيران، لا سيما أن هناك أحاديث حول احتمالات للقاء الرئيس الأميركي والرئيس الإيراني على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) المقبل، خصوصاً أن الاثنين أبرزا وجود مساحة مشتركة يمكن التوافق عليها، وذلك حينما قال ترمب “لا مانع من الحوار مع إيران، ولن يُسمح لها بامتلاك السلاح النووي”، وكان رد الرئيس الإيراني بأن “إيران لا تسعى إلى امتلاكه”، وذلك انطلاقاً من عقيدتهم وفتوى المرشد الإيراني علي خامنئي.
وبررت إسرائيل الضربات على الأهداف سالفة الذكر بالمدن العربية الثلاث بأنها كان لديها معلومات حول قيام إيران بنشر أنظمة صاروخيَّة وصواريخ باليستية متطورة في الأراضي العراقيَّة، بعضها متمركزٌ بها بشكل دائم، والبعض الآخر يُرسَل براً إلى سوريا ولبنان، عبر قيام إيران بإنشاء خط إمداد بري بالأسلحة عبر العراق وشمالي سوريا إلى لبنان. كما أنها نفَّذت الغارة الجوية في سوريا لمنع إطلاق طائرة دون طيار محمَّلة بالمتفجرات على إسرائيل.
وبعيداً عن مبررات إسرائيل ودوافعها، فإن لتلك التطورات دلالات عدة مرتبطة بتغيير قواعد المواجهة بين إسرائيل وإيران ووكلائها بالمنطقة. بل أيضاً ترتبط بالخطوط الحمراء التي وضعتها الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه التحرّكات الإقليمية الإيرانية. فعلى صعيد قواعد المواجهة والاشتباك غيَّرت إسرائيل من تلك القواعد التي كانت استقرت لا سيما مع حزب الله بعد حرب يوليو (تموز) 2006، فهنا أظهرت إسرائيل استعدادها لتنفيذ ضربات عسكريَّة داخل الأراضي اللبنانية، وليس الاكتفاء بضرب بعض أهدافه في داخل سوريا، كما وسَّعت إسرائيل المسرح العسكري من حيث استهداف هجماتها.
لم يعد الأمر يتعلق بالوجود الإيراني في سوريا، بل أصبح يتعلق بشبكة وكلاء إيران بالمنطقة. ففي السنوات الأخيرة كان تركيز الهجمات الإسرائيلية لعرقلة التوسّع الإيراني على سوريا، إذ نفَّذت إسرائيل أكثر من 200 غارة جوية منذ أوائل عام 2017 على قوافل الأسلحة المشتبه بها والقواعد والمواقع الأخرى المرتبطة بالقدرات العسكرية الإيرانية، لكن مع قيام إيران بنقل مجموعة من الصواريخ الباليستية في العراق وسَّعت إسرائيل من الخطوط الحمراء تجاه إيران، لتشمل اتباعها سياسة لمنع ترسيخ ونقل الأسلحة الإيرانية بالقرب من حدودها في سوريا ولبنان، وقد سبق أن أشار وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مع رئيس وزراء العراق إلى “وجوب تفكيك البنى التحتية العسكرية الإيرانية وقدرات الصواريخ في العراق”.
لذا فإسرائيل التي حددت الخطوط الحمراء التي تمثل تهديداً لأمنها القومي منذ وقوع الحرب في سوريا عام 2011 بأنها ستعمل على إحباط ترسيخ الوجود الإيراني عسكرياً وتنظيمياً في سوريا، وهو الملف الذي كثيراً ما تتناوله في علاقتها بروسيا، خصوصاً عند أي تسوية سياسية ستتم في مرحلة ما بعد الحرب، فضلاً عن منع انتقال الأسلحة والصواريخ الإيرانية إلى حزب الله، اتسعت تلك الخطوط الآن لتشمل منع ترسيخ، ونقل تلك الأسلحة الإيرانية في يد أي من الوكلاء الإيرانيين ولتشمل المواجهة ساحات أخرى خارج سوريا.
هذه التطورات تشير من جهة إلى تغيّر طبيعة حرب الوكالة بين إيران وإسرائيل في جميع أنحاء المنطقة، ما يثير تهديدات برد فعل انتقامي من الميليشيات المسلحة تجاه إيران أو اندفاع حزب الله نحو الرد على إسرائيل، بما يعني جر لبنان إلى مواجهة عسكريَّة على غرار حرب يوليو (تموز) 2006، ويذكّر هذا بما حدث في أثناء تلك الحرب، التي قيل وقتها إنها وقعت في وقت كان الملف النووي الإيراني على طاولة البحث أمام قمة مجموعة الثماني، وهو ما دفع إيران والحزب إلى التصعيد من أجل تشتيت الانتباه عن الملف النووي حينها.
أيضاً تنبع خطورة تلك التطورات من كونها قد تجر العراق إلى معركة التصعيد بين كل من الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل، خصوصاً أن العراق يعمل خلال الفترة الأخيرة على إعادة تشكيل تحالفاته، وذلك بعيداً عن التجاذبات الأميركية والإيرانية عبر تنويع تحالفاته والاقتراب من الدول العربية الخليجية، والإعلان مراراً أن العراق لن يكون منصة لإطلاق هجمات على أي من دول المنطقة.
حتى الآن لا يبدو كيف سيكون الرد الإيراني على تلك الهجمات، خصوصاً أن إيران سبق أن أعلنت رفضها انضمام إسرائيل إلى القوة البحريَّة التي أعلن الرئيس الأميركي تشكيلها لحماية الأمن في الخليج. أمَّا الرد على الهجمات فقد يكون عبر إحدى الميليشيات أو عبر استمرار ترسيخ إيران نقل الأسلحة والصواريخ في جميع أرجاء المنطقة، كما يخلق حالة من الفوضى والاضطراب، التي أصبحت سماتها حروب الطائرات المسيرة، التي قد تشتعل إلى حرب كبرى رغم تأكيد كل الأطراف عدم رغبة اندلاع حرب في المنطقة.
اندبندت العربي