حسين العادلي
• إن أردنا حكماً رشيداً ومعارضة صالحة، فعلينا أن نعلم، أنَّ أخطر ما يواجههما معاً، هو، ممارستهما أدوارهما وسط التمرد والتحايل والتضارب
واختلاف المعايير التي تعتمدها الدولة بتأسيس وإدارة سلطاتها ومسؤولياتها،.. هذا يُنتج نظاماً سياسياً غير معياري لا يمكن التأسيس عليه والإحتكام إليه وجعله ميزاناً وضابطاً. إنَّ النظام غير المعياري يُنتج بنية تلفيقية وهجينة ستقود إلى بنية متداخلة ومضطربة للحكم والمعارضة معاً، فتختلط الأدوار وتضيع المسؤوليات ولا يمكن عندها فرز الجبهات وتحمّل نتائج ممارسة الحكم والمعارضة معاً. عدم حسم بنية النظام يعني عدم حسم معاييره وهويته ومرجعيته ومسطرته بدوائر الممارسة والإلتزام والمسؤولية والإنضباط وتحميل وتحمّل النتائج.
• أخطر ما يواجه الحكم والمعارضة، هو، الخلط المتعمّد والمعتمد بين الحكم (المتحرك) والدولة (الثابتة) ضمن بنية النظام وممارسات قوى الدولة، وعدم الإتفاق على (المحرمات الوطنية) التي لا خلاف فيها وعليها والتي تمثل كينونة الدولة ومصالحها وسيادتها. وأي نظام سياسي يدمج بين الحكم والدولة ويفتقد لائحة المحرمات الوطنية أو يختلف فيها وعليها يشي بوجود أزمة وحدة وهدف وبوصلة ذاتية للنظام، عندها لا يمكن تمييز الثابت من المتغير بممارسة الحكم والمعارضة ضمن بنية النظام والدولة، فيصبح كل شيء محل تنافس وصراع في مزاد الرغبات والأمزجة والأجندة.
• أخطر ما يواجه الحكم والمعارضة، هو، إحتكار لعبة السلطة (بداخلها وخارجها) من خلال التّحكم بالأنظمة المنتجة للحياة السياسية في الدولة (كالأنظمة الإنتخابية المفصّلة وفق أقيسة الأحزاب). إنَّ احتكار السلطة وإعادة تدويرها سيقتل عنصر المشاركة السياسة الفاعلة للجمهور، وسيضر بمخرجات التغيير المؤمّل من أي عمليات مشاركة سياسية دورية (الإنتخابات)، وسيفرز أحزاباً وفئات حاكمة تحتكر السلطة وتمنع من تداولها، فيزيد الفصام بين الجمهور والنظام السياسي، ويقود إلى ابتلاع السلطة من قبل الحاكمين وإلى (معارضات) غير محسوبة النتائج للنظام السياسي برمته.
• أخطر ما يواجه الحكم والمعارضة معاً، هو، (التضحية) بالنواة الصلبة للنظام السياسي التي تقوم على ثلاثي: الشرعية واحتكار القوة وسيادة السلطة على الجميع. إنَّ التضحية بالنواة الصلبة ينتج عن صراع وتضارب رؤى وإرادات ومصالح وأجندات قوى الدولة في تعاطيها مع النظام السياسي، وسيكون هذا التضارب على حساب وحدة النظام وقوته وإلزاميته، فيتحول التضارب إلى صراع داخل نواة النظام مضحياً بوحدته وضبطه لإيقاعات الدولة. إنَّ الإفتقار إلى نواة صلبة متراصة وموحدة يقود لا محالة إلى انحلال النظام العام وسيادة الفوضى وتغوّل الجماعات وشيوع التمرد وذهاب هيبة الدولة، عندها يكون الحكم باهتاً والمعارضة صورية، ويكون مدار تنافسهما الحكم كامتيازات وليس الدولة كوظائف.
• أخطر ما يواجه الحكم والمعارضة معاً، هو، الإفتقار إلى ثقافة الدولة بالممارسات السياسية، وعدم استحضار القوى الممارسة لفعل الدولة قداسة الحكم وثقل المعارضة ولزوم طهوريتهما، والأخطر شيوع الإستهانة بالمسؤوليات والإستخفاف بالمواقع واللامبالاة بالنتائج!! والنظام برُعاته وسدنته صلاحاً وفساداً.
• من الخطير أيضاً ممارسة الحكم والمعارضة دونما وعي عميق لبنية الدولة وإمكاناتها ونمط التحديات التي تواجهها، ولواقعها الجيوسياسي ووضعها الدولي، ولمكامن قوتها وضعفها، واقعها والطموح،.. وكما أنَّ الدولة تُنحر بالإستبداد والشمولية والتمييز، كذلك، تُقتل الدولة بالجهل والتحلل والاستخفاف والمغامرة وانتفاخ الذات.