تُظهر بيانات صادرة عن البنك المركزي التركي ووكالة التوجيه والتفتيش المصرفي أن أسعار فوائد الاقتراض سجلت انخفاضا حادّا منذ تحرك البنك المركزي، في 25 من يوليو الماضي لخفض تكاليف الاقتراض.
قد يبدو أن ذلك حقق هدف الضغوط الشديدة، التي مارستها حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان من أجل إعادة تنشيط الأسواق المحلية، لكن بقية الأرقام تُظهر أن الفوائد المنخفضة لم تُترجم في ارتفاع حجم الاقتراض.
وجاء ذلك بعد تحرك مماثل في فبراير الماضي لتشجيع الاقتراض من خلال البنوك التي تديرها الدولة، بهدف تحقيق مستويات من شأنها إتاحة الفرصة لإعادة الاقتصاد المنكمش إلى النمو.
وكانت الإجراءات تهدف بشكل خاص إلى تحفيز قطاع البناء، في أعقاب الأزمة الاقتصادية التي مرّت بها البلاد في أغسطس عام 2018 والتي أدّت إلى انهيار قيمة الليرة التركية وفقدانها لنحو 30 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار.
محاولة فبراير فشلت في الشهر اللاحق وارتفعت أسعار الفائدة في البنوك بشكل عام، مع ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية، رغم توجه البنوك لتقديم قروض بأسعار فائدة منخفضة وممارسة العديد من الجهات لضغوط على البنوك الخاصة.
القروض المسبّبة للمشاكل زادت بنسبة 6.5 بالمئة في الربع الثاني من العام الحالي، وهي نسبة تساوي ثلاثة أضعاف النمو في قيمة القروض الممنوحة
التزمت الحكومة الصمت لبعض الوقت، ثم قرر الرئيس أردوغان، في تحرك مفاجئ، إقصاء محافظ البنك المركزي مراد جيتين كايا من منصبه.
التحرك التالي من قِبل البنك المركزي كان في يوليو عن طريق المحافظ الجديد للبنك المركزي مراد أويسال، الذي حل محل جيتين، وقرر خفض أسعار الفائدة بواقع 4.25 نقطة لتصل إلى 19.75 بالمئة، وهو خفض فاق كل توقعات السوق.
وأكد أويسال أيضا أن سياسته المالية ستعطي أولوية لتحقيق النمو وكذلك للتصدي للتضخم، وهي إشارات تثير توقعات بإجراء مزيد من الخفض في أسعار الفائدة خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية في سبتمبر الحالي.
البنوك العامة، مثل بنك زراعات وبنك خلق استجابت لتحرك البنك المركزي فخفضت أسعار الفائدة لديها بنسبة وصلت إلى ثماني نقاط مئوية على قروض الرهن العقاري والقروض التجارية.
غير أن البنوك الخاصة لم تتبع نفس الطريق، فلجأت السلطات الاقتصادية في البلاد لتطبيق ضوابط جديدة.
وبموجب تلك الضوابط الجديدة فإن البنوك التي تزيد القروض الصادرة منها بنسب تتراوح بين 10 إلى 20 بالمئة تحصل على مكافآت في صورة خفض المبلغ المستحق على الودائع الموجودة فيها.
أما البنوك التي لا تحقق ذلك الهدف فتجري معاقبتها بأسعار فائدة مرتفعة على الاحتياطيات الموجودة لديها، ورسالة واضحة من الحكومة مفادها: خفضوا أسعار الفائدة.
لكن في الشهر اللاحق لخفض البنوك أسعار الفائدة، ظل نمو الائتمان سالبا. وأكدت بيانات وكالة التوجيه والإشراف المصرفي أن القيمة الإجمالية للائتمان بالليرة التركية انخفضت بواقع 4 مليارات ليرة لتصل إلى 1.508 تريليون ليرة في أغسطس الماضي مقابل 1.512 تريليون في يوليو حين قرر البنك المركزي التدخل.
ويعود السبب في هذا التراجع بشكل أساسي إلى انخفاض قروض الرهن العقاري والقروض التجارية. وتشير التوقعات الخجولة لنمو هذا النوع من القروض عقبة حقيقية أمام خطط الحكومة لتحفيز الاقتصاد.
ورغم تراجع الائتمان، فإنّ أيّا من البنوك غير التابعة للدولة لم يتحرك نحو خفض أسعار الفائدة، ولو حتى بشكل نظري.
وأظهرت أرقام البنك المركزي تراجع أسعار الفائدة السنوية إلى متوسط 12.95 بالمئة على قروض الرهن العقاري و15.85 بالمئة على القروض التجارية.
وبذلك بلغت أسعار الفائدة على قروض الرهن العقاري، التي تحظى بأهمية خاصة لدى لحكومة الساعية لتحفيز قطاع البناء، أدنى مستوياتها منذ سبتمبر 2017. كما بلغت أسعار الفائدة على القروض التجارية أدنى مستوياتها منذ ديسمبر 2017.
لكن الفارق الكبير هو أن الاقتصاد التركي كان ينمو بقوة في الربع الرابع من عام 2017 وقد سجل حينها نموا في حجم الائتمان، رغم المستويات المرتفعة لأسعار الفائدة.
وقال أحد المسؤولين المصرفيين طالبا عدم ذكر اسمه “يمكن للبنوك الآن خفض أسعار الفائدة وبوسعها السعي لتقديم قروض. لكن من دون وجود زبائن راغبين في الحصول على هذه القروض، فإن خفض أسعار الفائدة سيبقى بلا معنى”.
وأضاف أن امتناع الزبائن عن الاقتراض يرجع بالأساس إلى تراجع الثقة في النظرة المستقبلية للاقتصاد، وتوقعات باستمرار تراجع قيمة الليرة في مواجهة الدولار، إضافة إلى عدم رغبة القطاع الخاص في الاستثمار بسبب ضعف الأداء الاقتصادي.
هناك بعض الطلب على الاقتراض، لكن الشركات ترغب في الحصول على قروض لاستخدامها كخيار في عملياتها وليس للاستثمار أو النمو.
ويقول المصرفي أيضا إن الزبائن يجدون أنفسهم في موقف مالي أشد ضعفا. ويشير إلى وجود “200 ألف شخص يواجهون خطر الإفلاس كل شهر، إذ يجدون صعوبة في سداد مستحقات بطاقات الائتمان الخاصة بهم أو في سداد القروض الشخصية”.
ووفقا لمسؤول مصرفي متقاعد، فإن البنوك التركية تجد صعوبة في العمل في البيئة الحالية بسبب عدم قدرة زبائنها على سداد قروض حالية مستحقة، وهو أمر يُبطل أثر خفض أسعار الفائدة ويجعل الحوافز الجديدة التي أقرّها البنك المركزي عديمة النفع.
وأضاف أن البنوك لا ترغب في المزيد من القروض السيئة، هذا مؤكد.
وتأثّرت البنوك أيضا بشكل أساسي بمشاكل حصلت مؤخرا تتعلّق بتحصيل الديون، وأصبحت تلجأ للتشدد في طلباتها من المتقدّمين للحصول على قروض.
وتشير البيانات الصادرة عن البنوك العشرة الكبرى في تركيا، التي تمنح 80 بالمئة من القروض في البلاد، إلى أن القروض المسبّبة للمشاكل زادت بنسبة 6.5 بالمئة في الربع الثاني من العام الحالي، وهي نسبة تساوي ثلاثة أضعاف النمو في قيمة القروض الممنوحة.
وفي ظل محدودية قدرة البنوك على ضخ الأموال من خلال الإقراض، تولّدت مشاكل في السيولة، الأمر الذي يؤدي إلى تشديد الشروط المفروضة على المُقرضين.
العرب