يبدو أن المملكة المتحدة تتجه لتوسيع عملياتها العسكرية في الخليج، إن لم يكن وجودها العسكري ككل، بغرض تأمين الناقلات البحرية التي تتعرض للتهديد من قوات الحرس الثوري الإيراني. فصباح الاثنين، ذكرت قناة “سكاي نيوز” أن بريطانيا تدرس إرسال طائرات مسيرة إلى الخليج في ظل حالة التوتر مع إيران، وهذه الطائرات يمكن تكليفها بمهام أخرى، إذا جرى اتخاذ قرار نشرها”.
جاء القرار البريطاني متزامنا مع تقرير نشرته صحيفة “ذا تايمز” البريطانية، الذي كشف عن تعرض السفينة “إتش إم إس مونتروز HMS Montrose”، التابعة للبحرية الملكية البريطانية، لمناوشات من جانب الحرس الثوري الإيراني 115 مرة منذ بداية يوليو (تموز) الماضي. فبحسب ويل كينج، قائد السفينة الحربية، “فإن السفينة تعرضت بشكل شبه يومي لمضايقات من الحرس الإيراني في مياه الخليج باستخدام طائرات هجومية وطائرات مسيرة تم نشرها على مسافة 200 متر لتخويف سفينته”. وأضاف “أن طهران أبدت نية مستمرة لتعطيل أو عرقلة المصالح البريطانية في المنطقة”.
السلوك العدواني الإيراني تجاه الفرقاطة البريطانية ليس منفردا، بل يرتبط بشكل وثيق بتوترات بين البلدين تعود إلى الرابع من يوليو (تموز) الماضي، عندما احتجزت السلطات البريطانية في جبل طارق ناقلة النفط الإيرانية “غريس 1″، التي تم اعتراضها، بحسب لندن، لأنها كانت تنقل نفطا إلى سوريا في خرق لعقوبات أوروبية على هذا البلد، ورد طهران في 19 من الشهر نفسه باحتجاز ناقلة النفط “ستينا إيمبيرو”، التي كانت ترفع علم بريطانيا، للاشتباه بأنها “خرقت قانون البحار الدولي”. كما يرتبط الأمر بتوترات أكبر تشهدها منطقة الخليج منذ مطلع مايو (أيار) الماضي، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية قاسية على طهران للضغط من أجل إعادة التفاوض حول البرنامج النووي لإيران، ما حدا بالأخيرة لاستهداف الناقلات في الخليج والتهديد بغلق مضيق هرمز مما شكل تهديدا لحركة الملاحة الدولية.
قرار نشر سلاح الجو الملكي البريطاني لطائرات مسيرة هو جزء من الوجود العسكري البريطاني في المنطقة الذي يعود إلى القرن السادس عشر، بهدف تأمين المصالح التجارية البريطانية، ومع توسع الأراضي البريطانية في شبه القارة الهندية وأصبحت جزءاً حاسماً من النظام الإمبراطوري في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، زادت مصالح بريطانيا في المنطقة.
وعلى الرغم من هذا التاريخ الطويل، يرى الكثيرون أن الوجود البريطاني في الخليج لا يزال متواضع لاسيما الوجود البحري بالمقارنة مع الولايات المتحدة التي يتمركز الأسطول الخامس لها في البحرين والقاعدة الأمامية الرئيسية للقيادة المركزية الأمريكية في قطر، لتغطي 16 دولة من بينها العراق وأفغانستان وسوريا.
العملية كيبيون
ويوضح الموقع الإلكتروني للحكومة البريطانية أن منذ عام 1980 حافظت وحداث البحرية الملكية والأسطول الملكي المساعد على وجود في الخليج على مدار 24 ساعة في اليوم طوال أيام السنة من خلال العملية كيبيون (KIPION)، وهي الاسم التشغيلي لقوات المملكة المتحدة، البحرية في المقام الأول، في المنطقة التي تهدف لتعزيز السلام والاستقرار وضمان التدفق الآمن للتجارة ومكافحة المخدرات والقرصنة. وينطوي الوجود العسكري في الخليج على نشر ما يقرب من 1200 فرد عسكري بريطاني ملتزمون بخفض التصعيد والحفاظ على حرية الملاحة عبر المنطقة.
وتوجد لبريطانيا ست سفن متمركزة في ميناء البحرين؛ وهي “إتش إم إس مونتروز HMS Montrose”، وهي فرقاطة من النوع 23، والفرقاطة “إتش إم إس دونكان HMS DONCAN”، بالإضافة إلى أربع سفن مضادة للألغام (إتش إم إس ليدبيري، و إتش إم إس بليث، و إتش إم إس بروكلسبي، و إتش إم إس شورهيم) وهي ضرورية للحفاظ على أمن الممر المائي في الخليج؛ وسفينة دعم ناقلة. وبحسب الحكومة البريطانية ففي وقت لاحق من العام سوف يتم نشر الفرقاطة إتش إم إس كينت في الخليج لضمان وجود غير منقطع في المنطقة.
وتسهم المملكة المتحدة في القوة العسكرية المشتركة (CMF) المؤلفة من 33 دولة التي تدير عمليات للأمن البحري، ومكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات في المناطق البحرية ذات المسؤولية؛ كما تعمل مع الشركاء الإقليميين وغيرهم لتحسين الأمن والاستقرار بشكل عام؛ وتساعد في تعزيز القدرات البحرية للدول الإقليمية، وعند الطلب تتدخل للأزمات البيئية والإنسانية. ذلك فضلا عما يسمى عمليات التجارة البحرية البريطانية UKMTO وهي قدرة تابعة للبحرية الملكية تعمل كقناة معلومات بين القوات العسكرية وقوات الأمن والتجارة البحرية الدولية على نطاق أوسع، وتعمل بمثابة نقطة الاتصال الرئيسية للسفن التجارية، التي تقع في حوادث بحرية أو السفر داخل منطقة شديدة الخطورة.
ويبدو أن التهديد الإيراني وغيره من التهديدات الأمنية في تلك المنطقة التي ترتبط بشكل وثيق ومباشر بالمصالح البريطانية، كان دافعا لإعادة تأسيس الوجود العسكري البريطاني في الخليج. ويشير خبراء عسكريون إلى أنه بعد حوالي 4 عقود من التراجع، ستشرع بريطانيا في مقاربة جديدة. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2014، أعلنت حكومتا بريطانيا والبحرين أن البحرية الملكية ستعيد تأسيس قاعدة بحرية دائمة في ميناء سلمان، حيث بدأت أعمال الإنشاء أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، بتكلفة 15 مليون جنيه إسترليني. فوفقا لوزير الخارجية، آنذاك، فيليب هاموند، “فإنه تم التخطيط للقاعدة البحرية لضمان الوجود المستمر لبريطانيا شرق السويس والعمل بالقرب من الحلفاء البريطانيين لتعزيز الاستقرار في المنطقة”.
ويوضح بول روجر، أستاذ دراسات السلام لدى جامعة برادفورد والزميل الرفيع لدى مجموعة أوكسفورد للأبحاث، في ورقة بحثية بالشراكة مع ريتشارد ريف، المدير التنفيذي للمجموعة، “أن الوجود البحري البريطاني يتركز في الوقت الحالي في البحرين، حيث تتحكم قيادة عمليات المكونات البحرية البريطانية في العملية Kipion من قاعدة القوات البحرية الملكية البريطانية إتش إم إس الجفير، وهو مرفق قيمته 40 مليون جنيه إسترليني تم افتتاحه في أبريل (نيسان) 2018”.
وتشير الورقة البحثية إلى التكامل بين الوجود العسكري البريطاني ونظيره الأميركي في المنطقة إذ ينظر إلى سفن مكافحة الألغام البريطانيين الأربعة كجزء مهم من الوجود الأميركي الأوسع في الخليج، بما في ذلك حاملة الطائرات “يو إس إس أبراهام لنكولن”، لأسباب ليس أقلها الخبرة الواسعة لطواقم السفن في بيئة حيث تمثل الألغام البحرية نقطة مهمة.
ويشير روجر وريف إلى “أنه في حيث أن البحرية الأميركية بها أربع سفن من مكافحي الألغام في الخليج”، فمن المؤكد أنها سوف تعتمد بشدة على البحرية الملكية للانضمام إليها في حال تشتيت الألغام المزروعة من قبل إيران في الخليج أو مضيق هرمز. علاوة على ذلك، في حين تم الإعلان عن واجبات HMS Montrose بأنها مكافحة القرصنة ومكافحة المخدرات والصعود إلى الطائرات، فإن الوظيفة الأساسية لفرقاطة من نوع 23 هي الحرب ضد الغواصات (ASW). هذا يجعلها مناسبة لمواجهة القوات البحرية الإيرانية التي تشمل الغواصات التقليدية والصغيرة، خصوصا في المياه العميقة لخليج عمان، خارج هرمز.
ولا يقتصر الوجود البريطاني على البحرين، فيشير جيه. فيتور توسيني، الباحث في الشأن العسكري لدى جامعة ساو باولو، في مقال بموقع يو كيه ديفينس جورنال، إلى أنه في عام 2016، أعلنت الحكومتان البريطانية والعمانية أنه تم التوصل إلى اتفاق بين البلدين لتطوير مجمع ميناء الدقم وإنشاء منشأة بحرية بريطانية. وبعد عام واحد، في منتصف عام 2017 ، خلال اجتماع رسمي بين وزير الدفاع البريطاني آنذاك، السير مايكل فالون، ونظيره العماني، ضمن توقيع “مذكرة تفاهم واتفاقية خدمات” استخدام المرافق في الدقم قبل الانتهاء من “قاعدة الدعم اللوجيستي المشتركة البريطانية” (UKJLSB) الجديدة في الميناء. وستصبح القاعدة البحرية أول قاعدة بريطانية في البلاد منذ عام 1977.
سلاح الجو البريطاني
أخيراً، بعد القواعد البريطانية الجديدة في البحرين وعمان، تجدر الإشارة إلى وجود سلاح الجو الملكي في قاعدة العديد في قطر. وتتشارك القوات الجوية للولايات المتحدة والقوات الجوية لقطر، ومنذ عام 2006، أصبحت القاعدة الجوية مقر مجموعة القوات الجوية رقم 83 التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني والعمليات الجوية البريطانية في الخليج العربي. تشمل الأنشطة دعم عملية Kipion وعملية Shader، الاسم الرمزي للعمليات العسكرية البريطانية المستمرة ضد تنظيم داعش.
وبحسب تقرير للمعهد الملكي للخدمات المتحدة بعنوان “هل هي عودة لشرق السويس؟ الانتشار العسكري للمملكة المتحدة في الخليج”، “يستخدم سلاح الجو الملكي البريطاني (جناح جوي استكشافي رقم 906) قاعدة المنهاد الجوية في دبي إذ تم إنشاء الجناح في 2013 لدعم العمليات في أفغانستان وغيرها من القوات المنتشرة في المنطقة. وفي فبراير (شباط) 2018، كشف مايكل دافنبورت، السفير البريطاني في الكويت، في مقابلة صحافية، أن بلاده تدرس وجوداً عسكرياً دائماً في الكويت. ووفق تقرير قناة “سكاي نيوز”، “فإن سلاح الجو الملكي البريطاني لديه عدد من طائرات “ريبر” المسيرة متمركزة في الكويت للقيام بعمليات في أجواء العراق وسوريا. ويمكن لهذه الطائرات أن تساعد في عمليات الاستطلاع مع استمرار السفن الحربية البريطانية في مرافقة الناقلات التي ترفع علم بريطانيا في مضيق هرمز”.
ويشير الباحث توسيني إلى “أن الاتفاقات المبرمة بين بريطانيا ودول الخليج تأتي في وقت تبحث فيه الحكومة البريطانية عن طريقة لتحسين قدرات بريطانيا على الدفاع عن مصالحها وحلفائها في المنطقة. وتوفر المنشآت العسكرية الجديدة لبريطانيا الدعم اللازم لنشر قوات أكبر لفترات طويلة أكثر من ذي قبل. والنقطة الأخرى ذات الصلة هي التهديد الذي تمثله إيران للمصالح الاستراتيجية والتجارية البريطانية والأميركية في المنطقة. قد تؤدي العلاقة العدائية المتزايدة بين إيران والولايات المتحدة إلى تحويل القواعد الجديدة إلى أصول مركزية للاستراتيجية البريطانية تجاه تصاعد الأزمة في الخليج في نهاية المطاف”.
وفي هذا السياق، تلعب القاعدة البريطانية في البحرين وقاعدة الدعم اللوجيستي المشتركة في سلطنة عمان القدرة على زيادة استعداد بريطانيا للدفاع عن مصالحها وحلفائها الإقليميين القدامى.
اندبندت العربي