أثار إعلان مقتدى الصدر نهاية الحكومة العراقية وتهديده بالبراءة منها جدلا واسعا في الأوساط السياسية العراقية، فبينما يرى البعض في الخطوة أنها تأكيد هام على تصاعد الخلافات بين الصدر وقادة الحشد الشعبي، يعتبر البعض الآخر أنها لا تعدو أن تكون سوى محاولة جس نبض للرأي العام العراقي تمهيدا لتدخل إيراني من نوع جديد.
بغداد – أعلن زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر نهاية الحكومة العراقية، مهددا بإعلان البراءة منها إذا لم تتخذ “إجراءات قوية”.
وقال مقتدى الصدر، في تغريدة على تويتر، الخميس إن “ذلك يعد إعلانا لنهاية الحكومة العراقية”.
وأضاف “يعد ذلك تحولا من دولة يتحكم بها القانون إلى دولة الشغب”، مشيرا إلى أنه “إذا لم تتخذ الحكومة إجراءاتها بقوة فإني أعلن براءتي منها”، دون توضيح طبيعة الإجراءات.
وللمرة الثانية في غضون أيام قليلة، يتدخل رجل الدين الشيعي البارز، في السجال السياسي، ردا على خطوات يتخذها الجناح المقرب من إيران في قوات الحشد الشعبي.
وفي وقت سابق، وجّه الصدر 4 نقاط “نصائح أخوية” إلى عبدالمهدي، مشيرا إلى عدم رؤيته أي تقدم بملف مكافحة الفساد.
ومثل الصدر، الصوت الشيعي الأهم، من بين المشككين بالفرضية التي تبناها الحشد الشعبي، بشأن تعرض مخازن السلاح التي يمتلكها إلى سلسلة تفجيرات، ووجه اتهامات لإسرائيل والولايات المتحدة بالمسؤولية عنها.
وبينما شن قادة الحشد هجوما على الحكومة، مطالبين إياها برد قوي على الاعتداءات الإسرائيلية المفترضة، حذر الصدر من “أي تصرف فردي”، يورط الدولة العراقية في أزمة جديدة.
لكن هذا الموقف، لم يكن أشد مواقف الصدر إثارة لغضب إيران، إذ مثل اعتراضه على خطة إنشاء قوة جوية خاصة بالحشد الشعبي ضربة لجهودها في تحويل الحشد إلى قوة تفوق بإمكاناتها الجيش العراقي.
وقال مراقب سياسي لـ”العرب” إن علاقة الصدر بالفصائل الشيعية الموالية لإيران لم تكن جيدة يوما ما، مؤكدا أن ذلك لم ينعكس على علاقته بإيران.
وأضاف أن السجال المتكرر بين الصدر وبين خصومه الشيعة لا يقترب من الخطوط التي يشعر أن إيران قد وضعتها لسياستها في العراق.
ويشدد على أنه يمكن النظر إلى مواقف الصدر من خطة أبومهدي المهندس لإنشاء قوة جوية نابعة للحشد الشعبي وهي الخطة التي لم تعلن إيران عن تبنيها رسميا.
وكان أبومهدي المهندس، المقرب من الحرس الثوري، قد أمر بتشكيل “مديرية قوة جوية خاصة بالحشد الشعبي”، ما شكل صدمة على المستوى السياسي.
مقتدى الصدر يتدخل في السجال السياسي، ردا على خطوات يتخذها الجناح المقرب من إيران في قوات الحشد الشعبي
وأصدر المهندس، بصفته نائبا لرئيس هيئة الحشد، أمرا بتشكيل مديرية القوة الجوية، التابعة للحشد الشعبي، وعين على رأسها صلاح مهدي حنتوش، وهو ضابط سابق، انضم إلى فصائل عراقية موالية لإيران، وورد اسمه على قائمة المشمولين بالعقوبات المالية الأميركية منذ عدة أعوام.
وقاد قرار المهندس إلى طرح مخاوف على نطاق واسع، حيث قال أمير الكناني، وهو سياسي مقرب من الصدر، إن نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي يجر رئيس الحكومة إلى صدام، محذرا من سيناريو مشابه للوضع اليمني.
وصدقت توقعات المراقبين بأن الحكومة لن تعلق على أوامر المهندس، رغم أنه يشغل منصبا كبيرا في هيئة الحشد الشعبي، التي تخضع وفقا للقانون إلى سلطات القائد العام للقوات المسلحة، وهو رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، ما دفع سياسيين إلى توجيه انتقادات لاذعة لرئيس الحكومة، متهمين إياه بالاختباء في هذه المواجهة.
واكتفى مكتب عبدالمهدي بتسريب وثيقة قديمة، تتضمن توجيها للحشد الشعبي بعدم استحداث أي قوة جديدة، إلا بموافقة القائد العام للقوات المسلحة.
وقال سعدون محسن ضمد، وهو إعلامي وباحث عراقي بارز، إن “إصرار رئيس الوزراء على انتهاج إستراتيجية الصمت المطبق، رغم شدة الأزمات وخطورتها، يوحي لك بأنه سفير لدولة أجنبية وليس رئيس وزراء العراق”. واحتفى أنصار الميليشيات العراقية بقرار المهندس، لكن الصدمة جاءت من الصدر بعد ساعات، حيث هدد بإعلان براءته من الحكومة، إذا لم تتدخل.
ولم تمر سوى ساعات على تهديد الصدر، حتى وزع مكتب رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض بيانا مقتضبا، نفى عبره صدور أي أوامر بتشكيل قوات جوية تابعة للحشد الشعبي.
ويقول ضمد إن موقف الصدر “الذي صدر بعد ما أشيع بخصوص الضربة الإسرائيلية”، وتهديده الأخير برفع يده عن الحكومة، “في سياق رفض تشكيل قوة جوية خاصة بالحشد” يكشفان عن اختلاف بينه وبين بقية قادة الحشد.
وكان الفياض قد أعلن الشهر الماضي أن موقف المهندس بالتصعيد ضد الولايات المتحدة، لا يمثل الحكومة العراقية، ما كشف عن خلافات كبيرة داخل الحشد الشعبي.
العرب