عند كتابة هذه السطور تظهر الساعة في ميدان “فلسطين” بطهران الأعداد 7607، وهو يمثل عدد الأيام لإبادة إسرائيل. المسألة ليست مسألة رغبة، بل مسألة قدرة. إيران معنية وكان يسرها، لو كان بوسعها، أن تشطب إسرائيل عن الخريطة في أقرب وقت ممكن. والعائق الوحيد هو أنها غير قادرة على أن تفعل هذا الآن. وهي بالفعل قادرة على الإضرار بإسرائيل، وهذا ما تفعله بثبات، سواء بشكل مباشر، من خلال الأدوات الطائرة التي تتسلل إلى المجال الجوي الإسرائيلي، أم بشكل غير مباشر، عبر أعمال إرهابية وإطلاق نار من المنظمات التي تحت رعايتها، برئاسة حزب الله. ففي الأسبوع الماضي، تبين لنا كم هي جاهزة جرائر إيران كي تعمل لصالح قادتها في طهران، حين أطلق حزب الله النار نحو أراضي إسرائيل.
كي تتمكن إيران من تنفيذ خطتها وتنتقل من إلحاق الأضرار الموضوعية إلى التدمير الشامل لإسرائيل، عليها أن تتزود بسلاح نووي. والحكم الإيراني بالفعل لا يضيع وقتاً ويعمل بنشاط للحصول على مثل هذا السلاح. يشتري أجهزة الطرد المركزي المتطورة، ويخصب اليورانيوم، ويكذب على العالم عن النوايا الحقيقية خلف برنامجه النووي. لقد اكتشفت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية نوايا الحكم الإيراني، وكشفها رئيس الوزراء بإسناد أدلة لا تقبل التأويل في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، في المؤتمر الصحافي في الكريا وفي جملة مناسبات أخرى.
كشف المعلومات الإضافية التي وصلت إلى الرئيس الأمريكي كانت كافية كي ينسحب من الاتفاق النووي الذي وقع بين دولته والاتحاد الأوروبي والصين من جهة، وإيران من الجهة الأخرى. ولم يكن الكشف كافياً بالنسبة إلى أعضاء آخرين في الاتفاق. وقرروا عدم الانسحاب ومحاولة إنقاذه بكل ثمن. إن المشكلة في الاتفاق النووي في 2015 ليست هذا الشرط أو ذاك، أو هذا العضو أو ذاك، بل حقيقة أن بوسعه، في أفضل الأحوال، أن يضيف أياماً إلى العدد بالساعة في ميدان فلسطين لا أن يوقف الساعة تماماً.
رغم الانسحاب الشجاع للرئيس ترامب من الاتفاق النووي، من المتوقع، حسب التقرير، أن يلتقي الرئيس الإيراني، حسن روحاني، كي يجري مفاوضات هدفها التوقيع على اتفاق نووي جديد. وهذا اللقاء قد يكون مشكلة لإسرائيل، ولكن قد يكون فرصة كبيرة. فإيران، تحت قيادتها الحالية، لن تحب إسرائيل ولن تعود إلى العلاقات الحميمة التي قامت بين الدولتين قبل الثورة. ولكن بوسع الرئيس ترامب أن يجعل ذلك مجدياً لإيران بأن تتوقف عن محاولة تصفية إسرائيل.
إسرائيل، برئيس الوزراء نتنياهو على رأسها، أثبتت أن بوسعها أن تؤثر على الرئيس ترامب في جملة مواضيع، ولا سيما الموضوع الإيراني. وعلينا الآن أن نتأكد من أن لقاء بين الزعيمين سيؤدي إلى اتفاق يوقف الساعة، لا أن يضيف إليها الوقت. مثل هذا الاتفاق يجب أن يتضمن تصفية القدرة النووية لإيران والرقابة على المفاعلات النووية في الدولة، ورزمة أمن شاملة أيضاً. على مثل هذه الاتفاق أن يتضمن انسحاباً للقوات الإيرانية من سوريا ووقف التمويل الإيراني للإرهاب في أرجاء الشرق الأوسط.
على الولايات المتحدة أن تفهم بأن عليها أن تعمل على تحقيق مثل هذا الاتفاق ليس بحكم صداقتها الشجاعة مع إسرائيل فقط، بل انطلاقاً من إدراك أن ضربة إيرانية لإسرائيل هي ضربة قاضية للمصالح الأمريكية في المنطقة. إن الولايات المتحدة هي الصديق الأكبر، ومن مثلها سيفهم بأنه إذا لم يؤد اتفاق حقيقي إلى ذلك، فإن إسرائيل لن تخشى الدفاع عن نفسها ضد التسلح الإيراني بسلاح نووي.
القدس العربي