كشف تقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية في 4/9/2019 أن “إسرائيل” تتهيأ منذ سنوات وبشكل فعال لشن هجوم ضد منشآت إيران النووية، وأنها كانت سنة 2012 على وشك إعطاء جيشها ضوءاً أخضر لتنفيذ هذا الهجوم. بنيامين نتنياهو أكّد للصحيفة في مقابلةٍ أجرتها معه في أغسطس/آب الماضي خلال التحضير لنشر التقرير، على أنه وافق من دون أي تردد على شنّ الهجوم، لكنه لم يحصل على الدعم الضروري من حكومته.
كما أورد التقرير اقتباسات لعشرات المسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين، أكدوا فيها على قيام نتنياهو بتهديد إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بتنفيذ الهجوم، ما دفع الأخير إلى تسريع المفاوضات مع طهران وبالتالي إلى إبرام الاتفاق النووي معها سنة 2015.
وفقاً للتقرير كانت واشنطن تراقب أنشطة “إسرائيل” في ذروة التوتر بينها وبين إيران في عهد أوباما، وأن أقمارَ تجسسٍ اصطناعية كشفت في صيف 2012 مجموعات من الطائرات الإسرائيلية تقوم بما بدا أنه تجهيزات واستعدادات أولية للهجوم على إيران، بينما دأب قادة إسرائيليون طوال أكثر من سنة على إطلاق تحذيرات بأنهم في حال شنّوا الهجوم لن يبلّغوا واشنطن ولن يعطوها فرصة لوقفه. من الواضح اليوم أن نتنياهو ما زال متمسكاً بتصميمه على ضرب إيران. ففي أول جلسة لحكومته بعد جولة الأيام الثمانية الأخيرة لتبادل الضربات بينه وبين حزب الله، أعلن تحديد ثلاثة أهداف للجيش والأجهزة الأمنية: “وقف المشروع النووي الإيراني، منع إيران من تزويد أعدائنا بصواريخ دقيقة تشكّل خطراً علينا، ومنع تموضع إيران وأذرعها عند حدودنا”.
إلى ذلك، لا يخفي نتنياهو تخوفه من أن تتطور دعوات ترامب المتكررة للرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني للقائه إلى مفاوضات تنتهي باتفاق يكون على حساب “إسرائيل”. لذلك أطلق تصريحاً لحظة شروعه في جولة على عواصم دول القرار، بأن الوقت الحالي غير ملائم لإجراء مباحثات مع إيران وإنما لزيادة الضغط عليها.
نتنياهو متخوف من تطور دعوات ترامب للقاء الرئيس الإيراني روحاني إلى مفاوضات تنتهي باتفاق يكون على حساب “إسرائيل”
في سعيه المتواصل لجرّ الولايات المتحدة إلى حربٍ ضد ايران، يراهن نتنياهو على صعود التيار اليميني العنصري فيها نتيجةَ عاملين: مزاج البيض المتعصبين ضد الملوّنين والمهاجرين عموماً، وتزايد تأثير الإنجيليين المتصهينين المعادين للمسلمين خصوصاً، كما المؤيدين للتمييز ضدهم. فضلاً عن رهان “إسرائيل” التاريخي على تأييد ملايين اليهود الأمريكيين الستة وتأثير اللوبي السياسي اليهودي (ايباك) في الانتخابات، وفي قرارات الكونغرس.
في المقابل، ثمة عاملان يلجمان نتنياهو وترامب، فالأول يواجه انتخابات نيابية قاسية في 17 سبتمبر/ايلول الجاري، والثاني انتخابات رئاسية لولاية ثانية في خريف العام المقبل. في الانتخابات يسعى المرشحون في معظم الدول، غالباً، إلى تلطيف لهجتهم السياسية، بغية عدم إقلاق الناخبين واجتذاب أكثريتهم، لكن، ماذا بعد الانتخابات؟ ثمة إجماع، أو أقلّه شبه إجماع، بين كثرةٍ من الباحثين والمعلّقين السياسيين والعسكريين في أمريكا و”اسرائيل” على أن ترامب سيتمسك بسياسته الراديكالية الكفيلة، في ظنّه، باستعادة عظمة امريكا، وأن هذه الغاية تستوجب مواجهة الصين، اقتصادياً وحتى عسكرياً، ومواجهة إيران وإسقاط نظامها الإسلامي، وأن نتنياهو مُترع بخوفٍ من إيران، وممتلئ اقتناعاً بوجوب مهاجمتها وتدميرها، بالتعاون مع الولايات المتحدة أو من دونها، قبل أن تتنامى قدراتها وتتعاظم، فيستحيل التغلب عليها، وأنه كثيراً ما يردد في اجتماعاته العامة، وفي لقاءاته مع الإعلاميين مقولته، “إذا ما لاحظت أن شخصاً ما ينوي قتلك، يبادر فوراً إلى قتله. بإختصار، إن الهجوم الاستباقي على إيران بات قناعة راسخة لدى كثرة من القادة السياسيين والعسكريين اليمينيين، فضلاً عن جمهور المستوطنين في “إسرائيل”.
من هنا تنبع خشية عميقة ومقلقة لدى قيادات نافذة وأوساط سياسية واسعة في أوروبا وأمريكا من فوز ترامب بولاية ثانية، كما من فوز نتنياهو ومعسكر اليمين المتطرف في انتخابات الكنيست الوشيكة، لأن من شأن ذلك تعزيز احتمالات اندلاع حروب وصدامات ساخنة في الشرق الاوسط، وربما في الشرق الأقصى أيضاً. هذه الاحتمالات والتحديات المقلقة لا تغيب قطعاً عن تفكير وتقدير قادة الصين وإيران وقوى المقاومة العربية عموماً، وفي لبنان وفلسطين وسوريا خصوصاً. صحيح أن ترامب ونتنياهو لن يشنّا حروباً مفتوحة في زمن الانتخابات، ومع ذلك فإن الحرص على رصد الاحتمالات والتحديات المقلقة ومتابعتها، والتحسّب لمفاعيلها والعمل الجاد لبناء القدرات الكفيلة بصدّها ودحرها، تبقى موجبات وأولويات استراتيجية ضاغطة على عقول والتزامات واهتمامات القادة والمسؤولين، والاختصاصيين والمناضلين لدى كل الدول والتنظيمات، والجماعات المناهضة لقوى الاستكبار والاستغلال والعنصرية والتطرف الديني والهيمنة في العالم.
القدس العربي