عاشوراء تتحول إلى منبر للاحتجاجات ضد الفساد في العراق

عاشوراء تتحول إلى منبر للاحتجاجات ضد الفساد في العراق

مثّل إحياء طقوس عاشوراء ذكرى وفاة الإمام الحسين في العراق، فرصة سانحة للعراقيين ليعبروا عن استيائهم وغضبهم من استشراء الفساد في البلاد عبر تحميلهم للسلطتين السياسية والدينية مسؤولية غرق العراق في الفساد في مختلف المجالات، لتتحول بذلك المواكب والمآتم التي تقام بالمناسبة إلى منصة لإطلاق الانتقادات اللاذعة والنداءات للاحتجاج ضد الفاسدين في العراق.

بغداد – أحيا المسلمون الشيعة في العراق وفي مختلف بلدان العالم طقوس عاشوراء، ذكرى وفاة الإمام الحسين خلال شهر محرم من كل عام، بموقعة “الطف” التي قُتل فيها مع العديد من أهل بيته في كربلاء عام 61 للهجرة (680 ميلادي).

وأقام العراقيون الشيعة الاثنين، كعادة كل عام مآتما ومجالس عزاء في بغداد ومحافظات أخرى ذات كثافة سكانية شيعية.

وتحولت هذه المناسبة كما في السنوات الأخيرة من فرصة لإقامة طقوس دينية تحتفي بذكرى استشهاد الإمام الحسين واستذكار موقعة “الطف” إلى منبر للاحتجاجات والغضب الشعبي من الحكومة العراقية التي يقودها عادل عبدالمهدي وأحزاب دينية.

وأصدرت اللجنة المركزية المشرفة على الاحتجاجات الشعبية في العراق في هذا الصدد، الأحد، بيانا شديد اللهجة، اتهمت فيه السلطتين التنفيذية والتشريعية على حد سواء بالضعف والعجز، مستعرضة عددا من القضايا التي شهدتها البلاد مؤخرا.

وهددت في البيان نفسه بأن “الشعب قد يتولى إدارة البلاد بنفسه وإزاحة الفاسدين والعاجزين”، مقدمة أحرّ التعازي إلى الشعب العراقي، والأسرة الإنسانية، وإلى القوى الإصلاحية في العالم، بمناسبة ذكرى الملحمة الكبرى بين الإصلاح والفساد، ذكرى وفاة الإمام الحسين، وما تمثله من ثورة ضد كل أشكال الظلم ومستوياته، و”نستلهم منها الثبات على نهج الإصلاح، مهما طال الزمن أو غلا الثمن”.

ويعتبر العديد من المراقبين أن تحول ذكرى وفاة الإمام الحسين إلى احتجاجات شعبية مرده، الاستياء الشعبي من استشراء الفساد داخل أجهزة الدولة وتحديدا من قبل الأحزاب الدينية التي كانت تستغل المناسبة للاستقطاب.

واعتبر الباحث المتخصص في الإسلام السياسي رشيد الخيون أنه في الوقت الذي كانت فيه المواكب الحسينية والمجالس تُستغل ضد السلطة، من قِبل الأحزاب والجماعات، وتتعمد السلطات منعها بين الحين والآخر، غير أن في عاشوراء هذا العام، والأعوام القريبة السابقة، افترق الاحتفال بعاشوراء إلى ما تقيمه القوى والأحزاب الدينية، لإثبات وجودها، وكسب عاطفة الجمهور الشيعي، وما تقيمه شخصيات وقوى المعارضة.

وقال الخيون في تصريح لـ“العرب” إن “تحول المناسبة إلى الاحتجاج على السلطة، يترجمه ما سمعته على لسان أحد المنشدين (الرواديد)، في موكب كربلائي وما احتج به على حج المتنفذين ورمي الشيطان بالجمرات هناك، فقال ‘وكف(وقف) شيطان مكتهم استنكر/ خل بالعراق يصير الرَّجم الأكبر’، والمقصود أن يُرجع المسؤولين الذين وراء الخراب والفساد، وهم جميعا من الأحزاب الدينية”.

وأوضح احتفال حزن المواكب الحسينية نشأ، مِن الأساس، لشأن سياسي، فقد جعلها البويهيون، في منتصف القرن الرابع الهجري، مناسبة رسمية، أي أن بغداد كانت تلبس السواد، وكذلك فعل الفاطميون بمصر، مع أن لا البويهيين ولا الفاطميين شيعة إمامية، من دون إنكار أن العاشر من محرم، قبل رسمية، كان يتم إحياؤه بطريقة الندب والنواح المحدود، ثم جاء الصفويون وابتكروا المجالس الحسينية، أما الممارسات التي تمارس اليوم ويُبالغ فيها فهي حديثة المنشأ، ونرى في كل عام يزداد التطرف والغلو بها، بأساليب مختلفة.

وتترجم الشعارات المرفوعة لدى إحياء هذه الذكرى حجم الانتقادات اللاذعة للحكومة، حيث يعتبر العراقيون أن ساسة البلد وأحزابه الدينية يرفعون شعارات مستلهمة من الإمام الحسين بينما هم غارقون في الفساد وهو ما يتنافى مع مبادئ إقامة طقوس عاشوراء.

ويعد ملف سماح السلطات العراقية للإيرانيين بالدخول إلى البلد من دون تأشيرة من بين العناوين الكبرى للفساد المتهمة بها الحكومة العراقية وأذرع إيران في العراق من أحزاب دينية وميليشيات شيعية.

وتم الاتفاق بين الحكومتين العراقية والإيرانية منذ شهر مارس الماضي على إلغاء تأشيرة الدخول لمواطني البلدين، وبعد أن رفضت السلطات العراقية في بادئ الأمر مقترح الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلا أنها رضخت للأمر وفق العديد من المصادر السياسية في شهر أبريل الماضي بسبب ضغوط الأحزاب الشيعية، فتم الاتفاق على مجانية التأشيرة من قبل البلدين.

ويقدر العديد من الخبراء الاقتصاديين قيمة الخسائر المتأتية من هذه الخطوة الأخيرة بحوالي ربع مليار دولار سنويا ويصنفونها في خانة ملفات فساد الحكومة.

وقال بيان اللجنة المركزية المشرفة على الاحتجاجات الشعبية في العراق في هذا السياق “عام انقضى من عمر الحكومة الحالية أو أوشك، دون ان نرى منها موقفا حقيقيا من قضايا البلاد المصيرية، فلا محاربة فساد، ولا فرض هيبة الدولة داخليا وخارجيا، ولا نأياً بالعراق عن المشاكل الإقليمية، ولا خدمة للشعب، عام تقضّى والبرلمان في مهاترات، هي أبعد ما تكون عن دوره الحقيقي، وانشغالات بأمور لا تمسّ صميم حاجة المواطن، ولا تقترب من دوره الرقابي التشريعي المغيب بالمرة”.

وأشار البيان إلى أن “البرلمان أثبت عجزه وضعفه، بما أنتجه من حكومة عاجزة وضعيفة، متمسكة بمهزلة المحاصصة، تبعا للبرلمان الذي تمخّض عنها، وهو الآخر لا يريد أن يغادر مستنقع أسلافه”.

وبين “أن الوضع بات لا يطاق وأن المواطنين لا يجدون سوى الثورة الشعبية خيارا، بعد خيبة الأمل الكبيرة، إذ لم ينعكس شيء لا على حياتهم ولا على معيشتهم من كل اللغط السياسي، والاستعراض الإعلامي الفارغ”.

وأعلنت في هذا الصدد، هيئة الحشد الشعبي الاثنين، بفرض حظر التجول في سهل نينوى وقضاء تلعفر بهدف تأمين زيارة عاشوراء.

وقالت الهيئة؛ في البيان “تنويه إلى كافة المواطنين الكرام، نسترعي انتباهكم أن الاثنين سيكون هناك حظر للتجوال في سهل نينوى وقضاء تلعفر”.

وتبرر الهيئة إقدامها على هذه الخطوة بسبب وجود مخاوف من تعرض مواكب عاشوراء على أرض كربلاء لهجمات انتحارية، إلا أن بعض المراقبين يؤكّدون أن هذا القرار تم اتخاذه أيضا لتجنب حدوث أي احتجاجات ضد الحكومة في هذه المناسبة.

العرب