عرض كتاب: “لكي نفهم العراق”

عرض كتاب: “لكي نفهم العراق”

الكتاب يسلط الضوء على المسار الكامل للتاريخ العراقي قديما وحديثا ، ويعرض اهمية العراق بالنسبة للغرب وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية من خلال طرح تساؤلات مهمة عن العراق ، والاسباب التي جعلت العراق موضع اهتمام العالم ، وخصائصه التي يتميز بها عن غيره من دول العالم.
كيف يمكن لنا ان نفهم العراق ؟! سؤال غالبا ما يتبادر الى الذهن , حيث ان معرفة الاحداث والحوادث تأتي في سياقها التاريخي وتتابعها عبر الزمن ، يعد عاملا اساسيا في تصورنا للحاضر ، ولكي نفهم أبعادها الاجتماعية يجب الغور في أعماقها .
والسؤال … لماذا العراق مهم إلى هذه الدرجة ؟!
والجواب.. هنالك اسباب عديدة ، من بينها الموقع الجيوسياسي للعراق ، اضافة إلى ان العراق يمتلك ثروة نفطية هائلة ، وان انتاج النفط العراقي هو الاقل كلفة في العالم ، وضمان استمرار تدفق النفط من الشرق الأوسط بأسعار مقبولة , كان هدفا اساسيا للحكومة الامريكية طوال نصف قرن من الزمن ، حيث ان النفط كان من الاسباب التي أدت الى ان يحتل العراق موقعا بارزا.
ومن المثير فعلا ان تكون اولى حروب النفط في القرن العشرين قد دارت على ارض العراق , فمن أجل حماية شركة النفط الانجليزية الفارسية ومصفاة عبادان , ارسلت الامبراطورية البريطانية , في بداية الحرب العالمية الاولى , بالجيش الهندي الى المنطقة للاستيلاء على البصرة والعراق في الحملة التي عرفت ب (حملة بلاد ما بين النهرين) , التي دامت اربع سنوات ، وطبقا لما اورده المؤلف انطوني كييف براون) Antony Cave Brown (في كتابه: “النفط.. الله.. الذهب ” , فإن قوات الاستعمار البريطاني فقدت 252 ألف جندي بين قتيل وأسير ومصاب , الأمر الذي يعكس مدى الاهمية التي كانت توليها بريطانيا للخليج وثروته النفطية.
كما ان المثير فعلا , ان تكون آخر الحملات النفطية التي تشنها الامبراطورية الامريكية الجديدة في اوائل القرن الحادي والعشرين موجهة ضد العراق وعلى ارضه ، وكانت السلطات الامريكية قد اعدت خطة مفصلة للاستيلاء على النفط العربي في اوائل السبعينيات من القرن الماضي ، سواء من خلال الشركات النفطية او بالتدخل العسكري المباشر ، بل ان الحديث عن هذا الامر يعود الى قبل ذلك بكثير ، ففي الحرب العالمية الثانية ، كتبت قيادة الاسطول الامريكي مذكرة مرفوعة للرئيس الامريكي روزفلت , تتضمن اقتراحا بالاستيلاء على حقول نفط أرامكو في السعودية , باعتبار ان الحصول على احتياطات نفطية خارج الاراضي الامريكية اصبح من المصالح الحيوية للولايات المتحدة ، وقبل ذلك في الحرب العالمية الاولى ، حصلت البحرية البريطانية على الجزء الاكبر من ملكية الشركة الانجليزية الفارسية للنفط ، والتي أعيد تسميتها بـ”رتش بتروليوم” (BP) .
الواقع ان الغرب وخاصة الولايات المتحدة تسعى الى إقامة وجود أمريكي دائم في الشرق الاوسط ، اعتقادا بأن النفط هذا هو الذي يحرك القوة العسكرية ويدعم الميزانية القومية ، ويثير السياسات الدولية ، فالنفط لم يعد مجرد سلعة تباع وتشترى ضمن حدود موازيين العرض والطلب في السوق التقليدية للطاقة ، بل تحول الى عامل حسم في قضايا الأمن القومي والقوة العالمية.
وفي أبرز ما جاء في مقالة للكاتب روبرت دريفوس (Robert Drefuss): ان المفتاح الرئيس للأمن القومي في التصور السياسي وراء السياسة الامريكية الحالية تجاه العراق , يكمن في الهيمنة العالمية والسيطرة على جميع المنافسين المحتملين ، وفي سبيل تحقيق ذلك , فإنه لا يكفي ان تكون الولايات المتحدة قادرة على نشر قوتها العسكرية في كل مكان وفي اي زمان وحسب , بل ان عليها السيطرة على المصادر الرئيسة , ومنها النفط ونفط الخليج والعراق بوجه خاص..
وفي ظل تراجع الإنتاج النفطي في آلاسكا والمحيطات , فإن الادارة الامريكية ترى في نفط العراق مصدرا متاحا ورخيصا ، حيث لا يكلف إنتاج برميل واحد أكثر من 1.5 دولار , الأمر الذي يجعل النفط العراقي الأرخص انتاجا والأكثر جودة على المستوى العالمي.
ان السبب في الاندفاع المفاجئ نحو العراق ، واستعجال بوش في اتخاذ قرار الحرب ، على الرغم من معارضة اكثر دول العالم له , يتعلق بما اطلق عليه الخبراء اسم “الذروة النفطية ” ، ويعود التوقيت وسرعة اتخاذ القرار بالحرب الى الصدمة القاسية التي تلقتها الخطط السياسية الامريكية الخاصة بنفط بحر قزوين , حيث انتهت الاحلام الامريكية بالعثور على احتياطات نفطية هائلة تعوضها عن الاعتماد على نفط الشرق الاوسط ولو مؤقتا .
وفي الحقيقة ، ان بعض الصقور في البنتاغون تحدثوا صراحة عن أن الحرب على العراق هي من أجل النفط وليس نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة ، فهذ نائب وزير الدفاع “بول وولوتز” يقول في مقابلة في سنغافورة بتأريخ 31 حزيران 2003 “دعونا ننظر الى الامر ببساطة … لم يكن أمامنا خيار آخر غير العراق, فتلك بلاد تطفو على بحر من النفط ” .
ويقول الكاهن “جي تي بارفيت” ، وهو أحد هؤلاء الرجال الانكليز الذين انجذبوا الى الشرق , وصف العراق بقوله: “انه مفتاح الشرق الأوسط ” .
ويقول السير “مارك سايكس” , أبرز مستشاري الحكومة البريطانية في شؤون الشرق الاوسط – في ذلك الحين – “لاشك في ان ارض العراق هي الأغنى في العالم “.
ويرى الباحثون الانكليز ان العراق يستطيع ان يحقق درجة من الخصوبة غير مسبوقة ، وليس لها مثيل في التاريخ ، لهذا فإن العراق يقف في مفترق تاريخي ومنعطف حاسم ، حيث تتجه جميع انظار العالم إليه سواء كان ذلك في الماضي او في الحاضر الآن ، ولا مفر من ان يلعب دوره التاريخي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي ، وان الولايات المتحدة والغرب ، وعلى رأسهم بريطانيا ، اول من يدرك هذه الحقيقة ، ويفهم اهمية العراق إقليميا وعربيا ودوليا , حيث اصبح العراق في عام 1955 واسطة العقد في حلف بغداد الانكلو- أمريكي ، ومطالبة “جون فوستر دالاس” المصيرية بأن العراقيين ينبغي” ان يحسب لهم ألف حساب” في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي ، وقد كانت هذه الخطوة التي هيأت المسرح للانقلاب الذي وقع سنة 1958 .
والسؤال الآخر الذي طرحه الكاتب: فما هو العراق؟ العراق مثل شعبه , يتميز بالتنوع والتباين ، ولكنه موحد ، وهذه الوحدة الاقليمية تقوم على عاملين اثنين هما: حقيقة النظام النهري لنهري دجلة والفرات ، وحقيقة انه لولاهما لكان العراق كله تقريبا قد اصبح صحراء قاحلة جرداء باستثناء الشمال من الشرق والمساحة الكلية للبلاد عند تأسيس الدولة في سنة 1921 تقرب من 172000 ميل مربع ، وهذه المساحة اكثر قليلا من مساحة كاليفورنيا واقل قليلا من مساحة تكساس.
والخلاصة ان العراق والعراقيين كائناً من تكون الظروف والاحوال ، كانوا وسيبقون عاملا مهما لاقتصاد العالم كله واستقراره وسلامته ، ويبقى موحدا كما كان .
ما الذي يميز العراق؟ او بعبارة اخرى ،ما الذي يجعل العراق مختلفا عن المكسيك او فرنسا او روسيا ، وغيره من الدول ؟ والجواب يوجد في تأريخه والخصائص التي تميزه بوجه خاص هي أصداء من أقدم الأزمنة تنطوي على توجهات ومواقف ومخاوف وآمال ، وحتى عندما لا يعرف العراقيون تاريخهم , فإنهم مسيرون به ومتجاوبون معه.
إن العراق كان طوال آلاف من السنيين على نحو متقطع ، مجتمعا غنيا وخلاقا ، إلا ان فوراته من الازدهار الحضاري العظيم كانت تتخللها كوارث مأساوية ، وغزوات اجنبية ، ودمار هائل ، ونظم استبدادية محلية ، وانفجارات سكانية ، وأوبئة ومجاعات وإبادة للجنس والشعب العراقي ، أظهر مرونة فائقة وقدرة متميزة على التكيف في مواجهة الشدائد ، ولكنه تعرض الى الإنهاك والاستنزاف حاليا بفعل هجمات شرسة ، والعراق اليوم هو مجتمع جريح.
والسؤال الذي يطرحه الكاتب في هذا السياق: بلاد من سيكون العراق ؟ هل سيكون امريكيا في شكل من اشكال الهيمنة تحت زعيم عراقي تنصبه امريكا ؟ هل سيكون شيعيا تحت حكومة اسلامية اصولية؟ ام سيكون سنيا عربيا بنظام علماني؟ هل سيكون ديمقراطية موجهة او تحت سلطة ديكتاتورية تحت لجنة عسكرية مسيطرة ، او تحت قيادة لرجل واحد ؟ ام سيكون دولة خاضعة الى انتداب “الأمم المتحدة” ؟ هل سيكون دولة واحدة ام دولتين ام ثلاث دول ؟ جميع هذه الاحتمالات واردة وممكنة ، والاحتمال الذي سيكون الأقوى هو ذلك الذي سيقرره الامتداد الطويل للتجربة العراقية والتيارات التي بدأت تتشكل والتي تشكلت فعلا الآن.
الأيام المقبلة هي من ستحدد ذلك ….

تأليف: وليام بولك

ترجمة: عبدالحي يحيى زلوم 

عرض: مظفر القصيري

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية