بغداد – جسدت زيارة رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر إلى طهران، وظهوره متوسطا المرشد الأعلى علي خامنئي والجنرال في الحرس الثوري قاسم سليماني، وصية المرشد الإيراني للقوى والأحزاب الشيعية العراقية بأن وحدة الطائفة فوق أي اعتبار وطني آخر.
وبددت الزيارة الاعتقاد السائد بأن مواقف الصدر معادية للنفوذ الإيراني في بلاده. وربما تنهي مرحلة مثيرة من مسيرته السياسية.
واعتبر مصدر سياسي عراقي أن الصدر قد لا يرتاح للإيرانيين وقد يتهمهم بكل شيء، لكنه يدرك أن انهيار إيران الآن أو انحسارها هو انحسار لمشروع الإسلام السياسي الشيعي أيا كان القائم عليه.
ووصف المصدر في تصريح لـ”العرب” الصدر مثل نوري المالكي يدركان أن لا مستقبل لمشروع الإسلام الشيعي من دون إيران.
وكان رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي المدعوم من طهران، يتهم سوريا بالوقوف خلف التفجيرات في العراق، وعندما أحس بالخطر على المشروع الشيعي في المنطقة صار يشجع على إرسال الميليشيات للدفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد المدعوم من إيران.
وغادر الصدر إلى إيران إثر تغريدة نشرها عبر حسابه في تويتر تضمنت “وداعا للوطن”، بعدما أعلن نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبومهدي المهندس تشكيل قوة جوية خاصة بالحشد في العراق.
وطلب الصدر من رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي التصدي لخطط المهندس، وإلا فإنه سيرفع يده عن الحكومة، لكنه ذيل تغريدته بوداع الوطن.
وفي وقت لاحق، ظهر الصدر في مدينة قم الإيرانية وسط عدد من أنصاره في تجمع طقوسي لإحياء ذكرى عاشوراء، ما فتح الباب أمام تساؤلات عن خطوته القادمة.
وجاءت المفاجأة عندما بثت وسائل إعلام إيرانية صورا لمجلس حضره خامنئي، مساء الثلاثاء، في طهران بمناسبة عاشوراء، حيث ظهر فيه الصدر جالسا إلى جوار سليماني.
وشكلت الصور صدمة لأنصار الصدر في بغداد، إذ سارع عدد منهم إلى وصفها بالمفبركة، بينما قال آخرون إنها قديمة.
لكن انتشار الصور على نطاق واسع في وسائل الإعلام الإيرانية، ونقل مقاطع بثتها محطات فضائية للمجلس تثبت حضور الصدر فيه، دفعا أنصار زعيم التيار الصدري إلى البحث عن تبريرات عديدة، منها أن طابع الفعالية ديني، ولا صلة له بالسياسة.
واحتفل أنصار التيار الشيعي العراقي الموالي لخامنئي بهذه الصور، ووجدوا فيها دليلا يؤكد أن “الصدر حسم خياره السياسي”، وسط إشارات تتعلق بتوقيت هذا الظهور وظروف المنطقة التي تشهد تصعيدا كبيرا بين الولايات المتحدة وإيران، ما يستلزم “رص الصف الشيعي”.
وبنى الصدر شعبيته الكبيرة وتأثيره السياسي الحاسم على مناهضته لإيران ومشاريعها السياسية في العراق، بالرغم من التسريبات التي تؤكد أنه اتفق مع طهران على تسمية عادل عبدالمهدي رئيسا للحكومة العراقية الحالية.
ويقول مراقبون إن الثقل السياسي الذي يتمتع به الصدر في طريقه إلى التلاشي، بعدما أزال بنفسه الحدود المتخيلة بينه وبين المشروع الإيراني في المنطقة ووضعه إلى جانب تيار الولاء المطلق لخامنئي، الذي يقوده نوري المالكي، ويضم زعيم منظمة بدر هادي العامري وزعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي وزعيم المجلس الأعلى همام حمودي، وآخرين من صقور التطرف الشيعي في العراق، الذين طالما اختلف معهم زعيم التيار الصدري.
ويقول ساسة عراقيون إن ظهور الصدر إلى جانب خامنئي وسليماني ربما سيكون مقدمة لاعتزاله التعليق على التطورات السياسية، وهي عادة أثيرة لدى زعيم التيار الصدري لجأ إليها في أكثر من مناسبة خلال الأعوام الماضية.
ويذهب مراقبون إلى أن الصدر ربما استكمل دوره في رسم المشهد السياسي العراقي، الذي يستلزم حضور صوت معارض لإيران، لاسيما بعدما دخلت طهران مرحلة المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ما ينفي الحاجة إلى وجود صوت شيعي معارض لمشاريعها داخل العراق.
لكن مراقبين عراقيين عرفوا بقربهم من الصدر قدموا تفسيرا آخر لظهوره إلى جانب خامنئي وسليماني.
ويقول مهند نعيم، وهو قانوني ومحلل سياسي، إن هذا الظهور يتضمن “رسالة عراقية”، مشيرا إلى أن الصدر أراد أن يقول لإيران من خلال حضوره هذا، “جيراننا أصدقاؤنا وليسوا أسيادنا”، مضيفا أن “بساطة المجلس، رغم أن إيران تصنع أغلى أنواع السجاد كانت واضحة، على عكس مجلس عزاء حزب الدعوة، جناح المالكي، الرئاسي الذي اتسم بالبهرجة والبذخ الأموي”.
إلا أن الكاتب السياسي العراقي فاروق يوسف قلل من أهمية هذا التفسير، مؤكدا أن الصدر ظهر بوجهه الحقيقي كونه ينتمي إلى صنف من رجال الدين الشيعة الذين يقدمون الولاء لإيران على أي ولاء آخر إذا ما حانت لحظة الاعتراف بالحقيقة.
وأكد يوسف في تصريح لـ”العرب” بأن إيران لم تعد في حاجة إلى استكمال مسرحيتها في العراق والتي كان الصدر يلعب فيها دور المعارض. فبعد أن هيمن الحشد الشعبي على المفاصل الأساسية للدولة لم يعد مقبولا أن يتم طرح مسألة الوجود الإيراني في العراق للنقاش.
ولم يستبعد أن يكون ذلك اللقاء الذي سعى إليه الصدر بنفسه هو لقاء شكر متبادل لطالما انتظره الزعيم الشيعي ليرى ثمرة جهوده في عيني المرشد الأعلى.
بالمقابل، يرى الكاتب العراقي سرمد الطائي أن حضور الصدر في مجلس خامنئي “رسالة في وكر الذئب”، تطالب الإيرانيين بالابتعاد عن العراق.
وتابع الطائي، “في وكر الذئب، يجب أن يسمع الإيرانيون كلام جميع العراقيين”، عبر الصدر.
وبالرغم من أن الصدر ليس كبيرا في السن، غير أنه ينتمي إلى جيل سياسي سعى إلى تطبيع تداعيات الاحتلال الأميركي ومن ضمنها الهيمنة الإيرانية، وصار من الضروري استبداله بجيل جديد، مثله في ذلك مثل نوري المالكي وعمار الحكيم ومسعود البارزاني.
وقد يكون ظهوره إلى جانب سليماني في مجلس عزاء يرعاه خامنئي هو بمثابة الحلقة الأخيرة في حياته السياسية.
وعُرف الصدر في السنوات الماضية بمواقفه المتقلبة التي كان البعض يفسرها باضطراب مزاجه غير أن الوقائع أثبتت أن التفسير لم يكن صائبا. فكل النتائج التي أثمرت عنها مواقف الصدر المتقلبة كانت لصالح تكريس الهيمنة الإيرانية وليس هناك أي موقف يمكن التعويل عليه وطنيا. وهو في ذلك لا يختلف عن الموالين صراحة لإيران.
العرب