مرّ الجيش والسلطة في الجزائر بسرعة قصوى باتجاه فرض أجندة زمنية لانتخابات رئاسية تقرر إجراؤها قبل نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل، على الرغم من المواقف المعترضة من قبل الحراك الشعبي والمعارضة السياسية، التي تعتبر أن هذا المسار يتضمن مخاطر بسبب الاستعجال الذي أبداه الجيش، وقبل توفير الضمانات التي تسمح بإجراء انتخابات نزيهة، ووسط مخاوف من حدوث صدام مباشر بين الحراك والسلطة. ودفعت السلطة في الجزائر بقانون استحداث هيئة مستقلة عليا للانتخابات إلى البرلمان في يوم عطلة (العاشر من عاشوراء)، وطلبت الانتهاء من المصادقة عليه قبل اليوم الخميس، وعرض وزير العدل بلقاسم زغماتي، نيابة عن وزير الداخلية، مسودة القانون أمام لجنة الحريات والشؤون القانونية للبرلمان، وطلبت السلطة من رئيس البرلمان سليمان شنين، استدعاء النواب إلى جلسة عاجلة عُقدت أمس الأربعاء لمناقشة مسودة القانون والمصادقة عليها وتحويلها سريعاً إلى مجلس الأمة والمجلس الدستوري، على أن يتم ذلك قبل مساء الأحد المقبل.
”
إقرار قانون الهيئة العليا للانتخابات سيتبعه تعديل حكومي يتضمّن تنحي بدوي على أن تجري الانتخابات على الأرجح في 12 ديسمبر
“وقالت مصادر لـ”العربي الجديد” إن إخراج قانون هيئة الانتخابات، الذي سيعززه تعديل حكومي جزئي يتضمّن تنحي رئيس الحكومة نور الدين بدوي، استجابة للمطالب الشعبية والسياسية، سيتزامن مع إعلان رئيس الدولة عبد القادر بن صالح مساء الأحد المقبل استدعاء الهيئة الناخبة لتنظيم الانتخابات الرئاسية في حدود منتصف شهر ديسمبر المقبل، وعلى الأرجح في 12 ديسمبر. وأشارت المصادر إلى أنه تم توجيه تعليمات لبدء تحضير مقر رسمي للسلطة العليا للانتخابات وتجهيزه بالوسائل الفنية والتقنية الضرورية، ونقل مصلحة الانتخابات التي تتحكم في القائمة الناخبة إلى المقر الجديد، حتى قبل بدء مشاورات لتشكيل الهيئة التي تضم 50 عضواً، بينهم قضاة ومحامون وممثلون عن المجتمع المدني وشخصيات مستقلة يتم انتخابهم.
ويقف الجيش وراء هذا الدفع باتجاه مسار الانتخابات الرئاسية ووضع الجزائريين والقوى السياسية والمدنية الرافضة لهذا المسار أمام الأمر الواقع. ونجح الجيش في إحداث انقسام لافت داخل صفوف المعارضة، بما فيها كتلة مؤتمر السادس من يوليو، والتي أبدى جزء منها، قبوله الانخراط في المسار الانتخابي، باعتباره الحل السياسي الوحيد الذي يمكّن من إخراج البلاد من الأزمة الراهنة، خصوصاً أحزاب المعارضة التي تقودها شخصيات سبق أن شاركت في السلطة، كحزب “طلائع الحريات” الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، والذي أطلق مبكراً حملته الانتخابية، وحركة “البناء الوطني” التي يقودها وزير السياحة الأسبق عبد القادر بن قرينة، وحزب “الفجر الجديد” الذي يقوده الطاهر بن بعيبش أول أمين عام لحزب السلطة “التجمع الوطني الديمقراطي”، وحزب “جبهة المستقبل” بقيادة النائب السابق في “جبهة التحرير” بلعيد عبد العزيز.
ويضغط الجيش، وفقاً للخطابات الأخيرة لقائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح، باتجاه استكمال ترتيبات الانتخابات الرئاسية المقبلة، بما فيها إصدار قانون استحداث هيئة الانتخابات من البرلمان بغرفتيه خلال خمسة أيام، ليكون بذلك أسرع قانون في التاريخ السياسي للجزائر، ما سيسمح لرئيس الدولة باستدعاء الهيئة الناخبة الأحد المقبل (15 سبتمبر/أيلول)، ما يعني تنظيم الانتخابات في حدود منتصف شهر ديسمبر المقبل. ويعتبر الجيش أن توفير هيئة مستقلة عليا تتولى تنظيم الانتخابات، واستبعاد رئيس الحكومة ووزير الداخلية، باعتبار مسؤوليتهما عن التلاعب بنتائج الانتخابات النيابية والبلدية عام 2017، هو استرضاء للحراك وضمانة كافية لإنجاز انتخابات نزيهة.
ورأى القيادي في حزب “جيل جديد” المعارض، إسماعيل سعيداني، أن الجيش قرر وضع الجزائريين أمام الأمر الواقع وفرض انتخابات رئاسية بمن حضر، على الرغم من المشاكل التي يمكن أن تنجم عن هذا الخيار. وقال في تصريح لـ”العربي الجديد” إن “الجيش والسلطة بصدد ترسيم مخرجات مسار الحوار الوطني الذي قادته لجنة كريم يونس، والتي تحوّلت من هيئة وساطة بين نظام منبوذ وممثلين عن الحراك والطبقة السياسية والشخصيات الفاعلة، إلى هيئة دستورية تشريعية تقترح قانون هيئة الانتخابات، وبالتالي فرض انتخابات رئاسية مهما كانت الكلفة”، مشيراً إلى أن هذه الطريقة ليست طريقة راشدة في حل أزمة سياسية كان يُفترض أن يجري حوار وطني جدي ومستقيم حولها ومع القوى الفاعلة وليس حوارات مع جمعيات كانت تخدم لصالح نظام عبد العزيز بوتفليقة.
من جهته، وصف حزب “التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية”، فرض السلطة انتخابات رئاسية بأنه ابتزاز سياسي ضد الجزائريين ومحاولة لقطع الطريق أمام الحراك الشعبي لإنجاز التغيير السياسي الجذري واستبدال كامل للنظام القائم. وقال المتحدث باسم التجمع، عثمان معزوز، الذي يطالب حزبه بمرحلة انتقالية وانتخابات تأسيسية، لـ”العربي الجديد”، إن الكتلة الديمقراطية “لن تخضع لمثل هذا الابتزاز، نحن نتحمّل مسؤوليتنا السياسية في الدفاع عن خيارات الشعب ولن نستسلم، هذه الانتخابات الرئاسية التي يريدها الجيش واضح أنها تستهدف ترميم النظام من الداخل وإحباط رغبة الجزائريين في التغيير السياسي”.
لكن السلطة والجيش تحديداً لا يبديان مواقف ليّنة أو اهتماماً كبيراً لاعتراض الحراك الشعبي وقوى المعارضة الديمقراطية، على ما تعتبره الأخيرة تسرعاً نحو المسار الانتخابي بشكل يصنع رئيساً شرعياً ومنتخباً نظرياً، على طريقة انتخابات الرئاسة عام 1995، لكنه لا يضمن حلاً جذرياً للأزمة وإحداث تغيير سياسي جذري في البلاد والقطيعة مع النظام السابق، استجابة لمطالب الحراك الشعبي، وخصوصاً أن التظاهرات الأخيرة أظهرت أيضاً تصميماً جدياً على إحباط تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما يطرح بالنسبة للمراقبين، مخاوف جدية من حدوث صدام بين السلطة والقوى السياسية والشعبية الرافضة للانتخابات.
”
محلل سياسي: أتوقع تنظيم انتخابات بالقوة، لأن قائد الجيش يريد تعيين رئيس يتحكم فيه، يضمن له عدم المتابعة والمحاسبة
“ورجّح المحلل السياسي بوعلام غمراسة، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن يُقدم الجيش والسلطة على فرض انتخابات أمر واقع على الجميع وبمن حضر، موضحاً أن الجيش يحاول إنهاء الوضع الراهن بهكذا طريقة. وتابع: “أتوقع تنظيم انتخابات بالقوة، لأن قائد الجيش يريد تعيين رئيس يتحكم فيه، يضمن له عدم المتابعة والمحاسبة”. لكن غمراسة تخوّف في المقابل من أن تجد خطة قائد الجيش مقاومة جدية من الحراك الشعبي الذي يتجه إلى تصعيد الموقف ضد هذا المسار الانتخابي، متوقعاً “ردة فعل قوية من السلطة وقائد الجيش الذي يحاول أن يصوّر الحراك الشعبي على أنه من بقايا العصابة، ويحاول عزل المتظاهرين ليسهل عليه اعتقالهم ضمن حملة اعتقالات واسعة في وسط نشطاء الحراك”، في إشارة إلى تركيز قايد صالح في خطاباته الأخيرة على مهاجمة قوى المعارضة والشخصيات التي تتمتع بروح نقدية للمسار السياسي ولمواقف الجيش ووصفها بأذناب العصابة والعمالة، ما يشير إلى وجود رغبة لدى المؤسسة العسكرية التي تحمي السلطة والحكومة، للتساهل مع محاولة الحراك تكرار إحباط انتخابات إبريل/نيسان ويوليو/تموز الماضيين، مع انتخابات ديسمبر المقبل.
بين تبريرات الجيش بخطورة الوضع وضرورة الذهاب إلى انتخابات رئاسية قبل نهاية العام الحالي، وبين تمسك الحراك الشعبي وجزء من قوى المعارضة السياسية والديمقراطية برفض هذه الانتخابات والدعوة إلى حوار جدي يؤدي إلى توافقات سياسية وانتخابات أكثر إجماعاً، تصبح المرحلة السياسية المقبلة أكثر حماساً وحساسية في الوقت نفسه، خصوصاً أن عدداً من القوى السياسية البارزة لم تعلن موقفاً نهائياً من انتخابات ديسمبر.
العربي الجديد