الرياض – لا تبدي إيران أي اهتمام للبيانات والتصريحات القوية الصادرة عن مسؤولين في دول بارزة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والتي تلوح برد قوي ضد طهران بعد اتهامها بالوقوف وراء هجمات بطائرات مسيرة استهدفت، السبت، موقعين تابعين لشركة أرامكو شرق السعودية.
ويعزو مراقبون عدم المبالاة الذي تبديه إيران إلى عجز الدول المعنية ومن ورائها مجلس الأمن في السابق عن اتخاذ خطوات جدية تفرض على إيران وقف استهداف منشآت أو ناقلات نفطية، وهو ما سمح لها بالتمادي في تنفيذ عمليات منظمة ضد مواقع في السعودية أو ناقلات في بحر العرب، وباتت تهدد جديا أمن الملاحة في المنطقة.
وأعلنت وكالة الطلبة الإيرانية شبه الرسمية للأنباء، أمس، أن الحرس الثوري الإيراني احتجز سفينة في الخليج لمزاعم تهريبها 250 ألف لتر من وقود الديزل لدولة خليجية.
ويهدف احتجاز السفينة إلى تأكيد استهانة إيران بالردود التي جاءت عقب هجوم، السبت، ضد منشأتين سعوديتين، وهي تعرف أن الأمر قد لا يتجاوز مجرد إطلاق التصريحات من الدول الغربية التي عجزت في السابق عن الاتفاق على آلية موحدة لحماية حركة النفط في مضيق هرمز.
وفي يوليو، احتجزت إيران ناقلة نفط بريطانية قرب مضيق هرمز بزعم ارتكابها انتهاكات بحرية، بعد أسبوعين من احتجاز القوات البريطانية ناقلة إيرانية قرب جبل طارق بتهمة نقل النفط إلى سوريا في انتهاك لعقوبات الاتحاد الأوروبي.
وفي مايو، تعرضت أربع سفن للتخريب قرب ميناء الفجيرة على سواحل الإمارات، ووجهت أصابع الاتهام إلى إيران بالوقوف وراء الهجوم الذي استخدمت فيه تقنيات وأساليب لا تحوزها سوى دولة.
وكانت واشنطن اقترحت على حلفائها الغربيين الانضمام لقوة عسكرية تحت قيادتها لحماية الملاحة في مضيق هرمز، لكن لم تلق الدعوة تجاوبا، حيث تجاهل الأصدقاء نداءها ورأوا في الابتعاد عن حملة “أقصى قدر من الضغط” الحل الأكثر أمنا.
وجاءت هذه الدعوة بعد تصريح صادم للرئيس الأميركي دونالد ترامب قال فيه حينها إنه يتعين على كل دولة رعاية سفنها في الخليج، في إشارة إلى بريطانيا. وأضاف “لا نحتاج حتى إلى أن نكون هناك لأن الولايات المتحدة أصبحت أكبر منتج للطاقة في العالم!”.
وشبه جون ألترمان، نائب رئيس معهد الدراسات الدولية والاستراتيجية، رفض بناء آلية مشتركة، بتنظيم الولايات المتحدة لحفلة دون أن يلبي أي أحد دعوتها.
وقال إن هذا ما يحدث في الخليج، أين قوبلت دعوات إدارة الرئيس الأميركي ترامب للاتحاد في مواجهة العدوان الإيراني بالحذر والتردد، وتجاهلها البعض تماما، حيث اعتبر الحلفاء أن بقاءهم بعيدا عن نوايا واشنطن أسلم لهم.
وتتبع الحكومة الإيرانية سياسة تحافظ على اشتعال التوترات في الخليج دون تصعيدها إلى درجة الغليان، إذ يكمن هدفها في خلق أزمة ولكنها لا تريد إعلان الحرب المباشرة.
ووقفت الولايات المتحدة، أمس، عند مساع لإثبات أن الهجمات التي تبناها الحوثيون، السبت، ضد منشأتين سعوديتين تمت بأدوات إيرانية، وأنها لم تنطلق من اليمن، في إشارة غير مباشرة لانطلاقها من إيران.
وقالت كيلي كرافت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة لمجلس الأمن الدولي إن المعلومات الواردة بشأن الهجمات على منشأتي نفط بالسعودية “تشير إلى أن إيران هي المسؤولة” وإنه لا دليل على أن الهجمات جاءت من أراضي اليمن.
وأشارت كارين بيرس سفيرة بريطانيا لدى المنظمة الدولية لممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى أن بلادها وحلفاء غربيين ما زالوا يقيمون ما حدث ومن المسؤول عن الهجمات. وقالت “بمجرد تحققنا سنبحث مع شركائنا الخطوة التالية بطريقة مسؤولة”.
ويقول خبراء ومحللون سياسيون إن محاولة إثبات مصدر الهجوم لم تعد مهمة، مشيرين إلى أن النتيجة واحدة فسواء أكان الهجوم من صنعاء أم طهران فلا شك أن إيران هي من وفرت التقنيات والخطط اللازمة لذلك، وهي تقف وراء الهجوم بشكل أساسي، وأن ما تقوم به واشنطن مناورة تقليدية لربح الوقت ولتبرئة الولايات المتحدة من التهاون في دعم حلفائها بالمنطقة، وهي التهمة التي تلاحقها دائما وسط اتهامات لها بالمساعدة في توسع دائرة التهديدات الإيرانية لأمن المنطقة.
وأبلغ مسؤولون أميركيون رويترز بأن الولايات المتحدة تدرس زيادة تبادل معلومات المخابرات مع السعودية عقب هجمات السبت.
ولم يكشف المسؤولون، الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، عن نطاق الزيادة في تبادل معلومات المخابرات. لكن الولايات المتحدة، الحذرة منذ فترة طويلة من التورط بشدة في حرب اليمن، لم تطلع السعودية سوى على بعض المعلومات بشأن تهديدات من جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران، والتي أعلنت المسؤولية عن هجمات السبت.
وفي مقابل ارتباك الموقف الأميركي والبريطاني، فإن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن شدد في بيان له على أن الأسلحة المستخدمة في الهجوم على منشآت نفطية في السعودية إيرانية.
وقال المتحدث باسم التحالف العقيد السعودي تركي المالكي “التحقيقات الأولية في الهجوم الإرهابي على خريص وبقيق تشير إلى أن الأسلحة المستخدمة هي إيرانية”.
وأضاف المالكي أن هذه الضربة لم تأت من الأراضي اليمنية كما يقول الحوثيون الذين وصفهم بأنهم “أداة في أيدي الحرس الثوري الإيراني والنظام الإيراني الإرهابي”.
وبالتوازي مع التردد الذي طغى على الموقف الغربي، تلقت السعودية دعما عربيا واسعا شمل أغلب الدول العربية.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اتصل بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الأحد، للتنديد بالهجوم على منشأتي النفط السعوديتين.
وأضافت الوكالة أن الشيخ محمد بن زايد أكد مساندة الإمارات للسعودية وأمنها.
ونفى العراق في بيان أي علاقة له بالهجوم بعدما تحدثت وسائل إعلام عن احتمال أن يكون جرى انطلاقا من الأراضي العراقية.
وفقا لمصدر في مكتب رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي تحدث مع “العرب”، فإن بغداد “تخشى أن تلقى النظرية التي تتحدث عن تورط العراق في هذه الهجمات، قبولا لدى الأطراف المعنية بهذه الأزمة”.
ويؤكد المصدر أن رئيس الوزراء أوضح لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، خلال اتصال هاتفي مساء الأحد، أن بغداد مستعدة لتحمل المسؤولية كاملة، في حال ثبت إطلاق الهجمات ضد السعودية من العراق، مشيرا إلى أن عبدالمهدي سأل الوزير الأميركي عن وجود أي معطيات ثابتة تدعم توجيه مثل هذه الاتهامات.
العرب