حديث إيران وأذرعها عن السلام في المنطقة بعد سابقة قصف منشآت نفطية سعودية وبعد موجة الغضب الدولي التي أثارتها تلك الحادثة، لا يعكس في نظر أغلب الملاحظين رغبة إيرانية في السلام، ولا يشي بتغير حقيقي في السلوك الإيراني بقدر ما يترجم مخاوف طهران من تحمّل تبعات الاعتداء على أمن الطاقة في العالم، ما يجعل أن “عرْضي” السلام الإيراني والحوثي مجرد مناورة للنفاذ من قضية قصف المنشآت السعودية من دون عقوبات.
طهران – لوّحت إيران بالسلام مع دول المنطقة، وذلك في وقت قام فيه المتمردون الحوثيون المرتبطون عضويا بالسياسة الإيرانية بمبادرة تجاه المملكة العربية السعودية، أعلنوا بموجبها عن وقف استهدافهم لأهداف داخل أراضي المملكة بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.
وبدا من خلال الخطوتين الإيرانية والحوثية أن الطرفين ينسّقان جهودهما لتجاوز تداعيات الهجوم الأخير على منشآت نفطية سعودية تابعة لشركة أرامكو وما نتج عنه من غضب دولي وما يمكن أن تنجر عنه من تبعات على إيران المتهمة الرئيسة في الهجوم وعلى أذرعها في المنطقة، ومن ضمنها ميليشيا الحوثي التي تبنت قصف المنشآت النفطية السعودية في بقيق وخريص دون أن تنجح في إقناع مختلف الأطراف المهتمة بالموضوع بصدقية روايتها.
وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن بلاده ستذهب إلى اجتماع الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة هذا الأسبوع في نيويورك بمشروع تحالف الأمل والسلام في مضيق هرمز، وفق ما ذكرته وكالة أنباء فارس الإيرانية الأحد.
وفي كلمته بمناسبة بدء مراسم أسبوع “الدفاع المقدّس”، التي أقيمت بجوار مرقد الإمام الخميني جنوبي العاصمة طهران في ذكرى اندلاع حرب الثماني سنوات بين إيران والعراق، قال روحاني إنه سيتوجه إلى الأمم المتحدة خلال الأيام القادمة بمشروع للتعاون بين إيران ودول المنطقة لإرساء الأمن في الخليج وبحر عمان ومضيق هرمز “والتأكيد على أن تواجد القوات الأجنبية يخلق المشاكل والمخاطر للمنطقة والممرات المائية وأمن الملاحة البحرية وأمن النفط والطاقة”. وأكد أن “طريقنا هو إرساء الوحدة والتنسيق مع دول المنطقة”.
ونفى روحاني مسؤولية طهران عن قصف المنشآت السعودية، متهما الولايات المتحدة بزعزعة استقرار المنطقة، قائلا “حيثما تواجدت أميركا تزعزع الأمن سواء في أفغانستان أو الخليج”، مدّعيا في المقابل أن بلاده مصدر سلم وأمن للمنطقة، وأنها “حيثما وجدت حل الأمن سواء في العراق أو سوريا أو لبنان”. وقال “ندعو دائما إلى الأخوة والسلام مع دول المنطقة فيما تسعى القوى الكبرى إلى نهبها”.
وتتطابق نبرة السلام التي تتحدث بها القيادة الإيرانية في غمرة الضجة الدائرة حول قصف منشآت أرامكو عملاق النفط العالمي، مع العرض المفاجئ الذي قدمه الحوثيون للسعودية بعد تبنّيهم قصف منشآتها.
وأعلن الحوثيون آخر الأسبوع الماضي عن مبادرة تجاه الرياض تتمثل في التوقف عن قصف الأراضي السعودية. وقال رئيس ما يعرف بالمجلس السياسي الأعلى لجماعة أنصار الله الحوثية الجمعة، “نأمل من الرياض أن ترد على هذه المبادرة بأحسن منها، وإن لم تستجب للمبادرة واستأنفت القصف، فسيكون من حقنا الرد عليها، وننتظر إعلانا مماثلا بوقف كل أشكال الاستهداف الجوي لأراضينا”.
والتزمت الرياض الحذر في تعليقها على هذه الخطوة. وقال عادل الجبير، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، إن بلاده ستراقب مدى جدية الحوثيين في تطبيق مبادرتهم، مضيفا في مؤتمر صحافي بالرياض “نحكم على الأطراف الأخرى بناء على أفعالها وأعمالها وليس أقوالها”. وتساءل عن السبب الذي دفع الحوثيين إلى تقديم المبادرة، قائلا “علينا أن نتفحص المسألة بتعمق”.
كذلك شكك الجبير في مقابلة مع شبكة سي إن إن الإخبارية في وجود رغبة حقيقية في السلام لدى إيران وأذرعها في المنطقة، قائلا إن بلاده ترغب في علاقة جيدة مع طهران لكن طهران تقابل ذلك بالموت والدمار.
طبيعة الرد على قصف منشآت أرامكو رهن تحديد المسؤوليات بدقة عن طريق التحقيقات الجارية بمشاركة أممية ودولية
وأضاف “إذا ثبت إطلاق إيران صواريخ من أراضيها في حادث أرامكو فإن ذلك يعتبر عملا حربيا”، مستدركا “لا أحد يريد الحرب، ولكن إن استمرت طهران في ذلك فإنها تخاطر بإمكانية عمل عسكري”.
وبحسب متابعين للشأن الإيراني فإن تلويح طهران بالسلام، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلائها الإقليميين، يكشف مدى شعورها بفداحة التعرض لمنشآت نفطية سعودية على ارتباط وثيق بأمن الطاقة في العالم، كما يكشف وعيها بحجم الغضب الدولي جرّاء ذلك ومخاوفها من تحمل تبعاته، ومن ضمنها تكريس عزلتها الدولية وتعقيد مهمتها في المواجهة التي تخوضها ضد الولايات المتحدة بعد انسحاب الأخيرة من الاتفاق النووي وفرضها عقوبات غير مسبوقة في شدّتها على طهران.
وأظهرت قوى كبرى، على رأسها فرنسا وبريطانيا، امتعاضا من التعرض لمنشآت النفط السعودية، وأبدت ميلا للرواية الأميركية السعودية التي تقول إن مصدر قصف تلك المنشآت هو الشمال وليس الجنوب مثلما قالت جماعة الحوثي، وإن الأخيرة لا تمتلك تنفيذ قصف دقيق مثل الذي حدث من مدى يتجاوز الألف كيلومتر.
وقال مصدر سياسي خليجي، طلب عدم ذكر اسمه، إن حديث إيران عن السلام قد يكون متأخرا، مستبعدا أن يمر حدث من حجم الاستهداف الذي تعرضت له منشآت النفط السعودية في بقيق وخريص دون عقاب دولي بطريقة ما، ومؤكدا أن تحديد طريقة الرد على القصف رهن التحقيقات الجارية بمشاركة أممية ودولية لتحديد المسؤوليات بدقة، ومعتبرا أن من ستثبت إدانته بالفعل “سيكون في وضع صعب”.
العرب