شجب رئيس النيجر محمدو يوسوفو على هامش مشاركته في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة حرص بعض الجهات على استدامة الفوضى في ليبيا من خلال إغراقها بالسلاح، في تعدّ صارخ على قرار حظر الأسلحة المفروض على البلاد. وتأتي إدانة الرئيس النيجري في وقت ظهر فيه للعلن الدعم اللوجستي التركي القطري للميليشيات في طرابلس.
نيويورك – حذر رئيس النيجر محمدو يوسوفو، الخميس، من خطورة مواصلة تدهور الأوضاع الأمنية في بعض البلدان الأفريقية على غرار ليبيا ومالي مؤكدا أن الحل يبدأ في ليبيا من إعادة بناء مؤسسات الدولة وفي مالي من منح القوة المشتركةِ الصبغةَ الهجومية وتفويضا أكبر لمواجهة الجهاديين.
ولخص يوسوفو مسببات الأزمة الليبية في غياب مؤسسات الدولة وما ترتب عليه من إدخال للسلاح، ما أغرق البلاد في الفوضى، داعيا إلى إشراك الاتحاد الأفريقي في مساعي حل النزاع.
وقال الرئيس النيجري -وهو الرئيس المباشر للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا حاليا- إن ”انعدام الأمن وغياب الدولة في ليبيا أديا إلى تدفق السلاح، هذا يشكل لنا مصدر قلق، الأزمة متواصلة منذ 2011، يتعين بذل كل جهد لحلها سريعا”.
وتعاني ليبيا منذ سنوات من فوضى الميليشيات المتمركزة بالأساس في طرابلس وأجزاء من غرب البلاد، ويخوض الجيش الوطني منذ الرابع من أبريل الماضي معركة تحرير طرابلس التي أطلق عليها اسم ”طوفان الكرامة” بهدف تحرير العاصمة من قبضة الميليشيات.
ونفى يوسوفو أن يؤدي تهميش دور الاتحاد الأفريقي إلى حل الأزمة الليبية مستشهدا بالتجربة السودانية ومؤكدا أنه ”يجب تعيين مبعوث خاص مشترك، ليس مبعوثا خاصا للاتحاد الأفريقي إلى جانب مبعوث خاص للأمم المتحدة، بل مبعوث خاص واحد للمنظمتين ومن المستحسن أن يكون أفريقيا، للاهتمام بالملف الليبي”.
وأكد أن جميع المبادرات التي تطلق الآن تصب في خانة إجراء الانتخابات، مشيرا إلى استحالة ذلك بسبب ”الظروف الأمنية الحالية في ليبيا، نحن نضع العربة أمام الحصان، يتعين أولا ترميم الدولة ثم تنظم لاحقا الانتخابات”.
يمنح غياب الاستقرار في ليبيا زخماً لمخطط تركي قطري، تسعى من خلاله الدوحة وأنقرة لاستبدال الجيش بميليشيات
وأدت المعارك التي تدور رحاها جنوب العاصمة الليبية طرابلس بين الجيش وميليشيات حكومة الوفاق إلى سقوط أكثر من 1000 قتيل وجرح ما لا يقل عن 5000 شخص.
وأكد أنه في السودان كانت الدولة ”منهارة تقريبا” لكنهم (في إشارة إلى مسؤولي الاتحاد الأفريقي والجهود المبذولة أفريقيًّا) صالحوا بين مختلف الأطراف ”وأقمنا حكومة ولدينا الآن مؤسسات ستقود المرحلة الانتقالية للوصول إلى انتخابات، هذا ما يجب فعله في ليبيا”.
وفي مايو الماضي خرج إلى العلن الدعم التركي لتسليح الميليشيات في طرابلس ومصراتة في المعركة المتواصلة لمنع قيام الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من استعادة العاصمة الليبية، ما فنّدَ تصريحات الحكومة التركية بعدم إرسال أي أسلحة إلى الميليشيات المنضوية تحت حكومة الوفاق ونفي حكومة فايز السراج تسلّم أي أسلحة تركية. وأعلنت الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج عن وصول تلك الشحنات الجديدة من الأسلحة إلى ميناءي العاصمة طرابلس ومدينة مصراتة، على متن سفينتي شحن قادمتين من ميناء “سامسون” بشمال تركيا.
وأظهرت صور ومقاطع فيديو، نشرها “لواء الصمود” الذي يقوده صلاح بادي المُصنف ضمن الجماعات الإرهابية، عملية إفراغ إحدى السفينتين لشحنتها من العتاد العسكري التركي.
ويفنّد الإعلان نفي حكومة الوفاق عدم تسلّمها شحنات أسلحة من تركيا، كما صدر على لسان المتحدّث باسم الحكومة مهند يونس، خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة طرابلس حين ذاك.
وتضمّنت هذه الشحنة من العتاد الحربي، مدرعات من نوع “بي.أم.سي كيربي” التركية الصنع، وكمية من الصواريخ المضادة للدبابات، بالإضافة إلى بنادق قنص ورشاشات هجومية، وكميات من الذخائر والمتفجرات وقطع الغيار، وذلك في خرق صارخ لقرار مجلس الأمن الدولي المُتعلق بحظر الأسلحة المفروض على ليبيا بموجب الفصل السابع الصادر عام 2011.
ومدرعات “كيربي” التي تسلمتها ميليشيات مصراتة، هي من صنع شركة “بي.أم.سي أوتوموتيف” التركية لإنتاج العربات المدرعة، ويملك صندوق الاستثمار القطري 50 بالمئة من أسهم هذه الشركة التي يقع مقرها في مدينة سامسون التركية.
ونشر مركز الدراسات السويدي “نورديك مونيتور” تقريرا في العام الماضي، كشف فيه بالمستندات أن شركة “بي.أم.سي” يديرها رجل الأعمال إيثام سانجاك، وهو عضو في الهيئة التنفيذية لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.
وأكد المركز أن قطر اشترت مصنعا للدبابات تابعا لهذه الشركة، من دون أي عطاءات تنافسية أو عملية شفافة، حيث باتت القوات المسلحة القطرية تملك 49.9 بالمئة من أسهم الشركة المذكورة.
ويمنح غياب الاستقرار واستمرار الانقسام في ليبيا زخماً لمخطط تركي قطري معروف، تسعى من خلاله الدوحة وأنقرة إلى استبدال الدولة الحديثة والجيوش النظامية والأمن والاستقرار الطبيعي، لتضعا مكانهم أتباعهما الذين يقودون مجموعات متطرفة ليحلوا بهياكلهم الإرهابية بديلا عن المؤسسات والأجهزة النظامية.
وهدفهما النهائي وضع مشروع الدولة المرتقبة رهينة بيد عصابات ومجموعات إرهابية، تتخذ من المؤسسات السيادية واجهة لتنفيذ أجندات ومشروعات تدمير ممنهج، بهدف توطين الفوضى وجعلها تسود المشهد، لتمهيد الطريق وتهيئة المجتمعات للقبول بحلول الإسلام السياسي في نهاية المطاف، لتسهيل إقامة خلافة إخوانية، مدعومة من قبل العثمانيين الجدد، بطموحات أردوغانية سلطانية، لم تعد تخفى على أحد.
وأكد يوسوفو أن محاربة الإرهاب والقضاء عليه في مالي يقتضيان منح قوة الأمم المتحدة المتواجدة هناك تفويضا أكبر لتكتسب الصبغة الهجومية و”توسع عملياتها إلى ما هو أبعد من مالي” مشيرا إلى أن عدة دول كانت بمنأى عن الهجمات والتهديدات لكنها باتت معنية بها اليوم. وفي رده على معارضة واشنطن أن تمول الأمم المتحدة هذه القوة يؤكد يوسوفو على أن هذه البلدان لا تخوض هذه المعركة من أجل أمنها فقط، بل أيضا من أجل الأمن العالمي.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أكد في وقت سابق على أن منطقة الساحل تعاني من تحديات عابرة للحدود بما في ذلك تغير المناخ والجفاف والاضطرابات الأمنية والتطرف، والاتجار بالبشر والأسلحة والمخدرات.
وأعرب الرئيس النيجري عن أسفه لعدم إيفاء الشركاء الغربيين بتعهداتهم، مؤكدا أنهم تعهدوا ”بمنحنا 400 مليون (يورو) لكن للأسف لم يوفروا هذا المبلغ حتى الآن”.
العرب