طرطوس (سوريا) – عكست أشغال التوسعة التي تجري في المنشأة البحرية في طرطوس على الساحل السوري توجها من الرئيس فلاديمير بوتين لاستعادة التمدد الروسي في الشرق الأوسط في مواجهة الأنشطة الأميركية من جهة، وللحد من النفوذ المتعاظم لقوى إقليمية مثل إيران وتركيا تسعى للاستفادة من الحرب في سوريا للتمدد وفرض واقع جديد من جهة ثانية.
وتود روسيا من خلال تعزيز حضورها الاستراتيجي في سوريا التأكيد على مكانتها لدى الأطراف الإقليمية والدولية في أي شأن يتعلق بمستقبل سوريا. كما تحرص على تأكيد وضعها كرقم صعب لم يعد بالإمكان تجاوزه في أي سيناريو يعدّ لسوريا والمنطقة في المستقبل.
وتحركت روسيا لتحديث المنشأة البحرية في طرطوس وتوسيعها، ضمن جهودها المبذولة لتكرار الاستراتيجيات السوفييتية المتمثلة في إبقاء السفن الحربية متأهبة في البحر المتوسط.
وحافظ الاتحاد السوفييتي على روتين الحراسة البحرية المستمرة في البحر المتوسط خلال الحرب الباردة، لكن تلاشى الوجود الروسي في المنطقة خلال السنوات التي تلت الانهيار السوفييتي سنة 1991 بسبب المشاكل الاقتصادية التي أثرت على التمويل العسكري.
وكجزء من جهود الرئيس بوتين، الرامية إلى تعزيز قوات الجيش الروسي وتواجده وسط تفاقم التوترات مع الغرب، عادت قوات البحرية الروسية إلى الممارسات السوفييتية المتمثلة في تناوب سفنها الحربية على البحر المتوسط.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف “أتت روسيا إلى هنا (سوريا) وستبقى لمدة طويلة”.
وتمكن الصحافيون الذين شاركوا في رحلة نظمتها وزارة الدفاع الروسية إلى سوريا من رؤية فرقاطة تستعد للإبحار في واحدة من الدوريات، ومجموعة من المتدربين على الغواصات الحربية في قاعدة طرطوس.
وقال قائد القوات البحرية الروسية في المنطقة، سيرجي ترونيف، إن قاعدة طرطوس تشمل فرقاطتين و3 زوارق مخصصة للدوريات و3 سفن إمداد، بالإضافة إلى غواصتين.
وأضاف أن التجهيزات تتجاوز السفن الموجودة في طرطوس، حيث تمتد أسلحة قوات البحرية في شرق البحر المتوسط لتشمل الطراد الصاروخي الروسي “مارشال أوستينوف” الذي أبحر من قاعدة البلاد القطبية العسكرية المغلقة في مدينة سيفيرومورسك، وفرقاطة “الأدميرال ماكاروف” التابعة لأسطول البحر الأسود الروسي الموجود في منطقة البلطيق.
وسنة 2017، أبرمت موسكو صفقة مع الرئيس السوري بشار الأسد لتمديد عقد إيجار ميناء طرطوس لمدة 49 عاما مع إمكانية تمديد هذه المدة. ويسمح هذا الاتفاق لروسيا بالاحتفاظ بما يصل إلى 11 سفينة حربية هناك، بما في ذلك تلك التي تعتمد الطاقة النووية.
وتخطط البحرية الروسية لإضافة نقطة للصيانة في طرطوس بهدف التحسين من قدرات القاعدة.
وقال نائب المسؤول عن القيادة العملياتية في المناطق البحرية البعيدة بوزارة الدفاع الروسية، يفغيني غوشين “سيسهل هذا علينا إصلاح سفننا والحفاظ على قدراتنا في المنطقة. تصلنا جميع قطع الغيار وأدوات الإصلاح اللازمة بالطائرة، مما يعطلنا. بعد افتتاح الورشة، سنصبح قادرين على تصنيع كل ما نحتاجه هنا”.
وأضاف أن مركز الإصلاح يشغل مساحة 2.1 ألف متر مربع، وهو مخصص لتقديم خدمات الصيانة الدورية للسفن الموجودة في ميناء طرطوس، كما يسمح باستيعاب سفن حربية كبيرة.
ويقول خبراء عسكريون إن أشغال توسعة قاعدة طرطوس تعكس توجها لزيادة الأنشطة البحرية ذات الطابع العسكري، بالتوازي مع الأنشطة الجوية التي تشهدها قاعدة حميميم.
ويحمل هذا التوسيع رسالة واضحة على أن التدخل الروسي في سوريا له أبعاد أكبر من مجرد منع نظام الرئيس السوري بشار الأسد من السقوط، وإفشال تمدد الجماعات المتشددة في منطقة نفوذ تقليدية في سوريا، لافتين إلى أن الهدف هو استعادة النفوذ الذي كان يتمتع به الاتحاد السوفييتي في سياق الحرب الباردة مع الولايات المتحدة.
ونجحت روسيا، مستفيدة من صعود قوى دولية مثل الصين، في كسر الهيمنة المطلقة للولايات المتحدة على النظام العالمي، وخاصة في الشرق الأوسط. كما أنها عملت على تحجيم أدوار قوى إقليمية عملت بدورها على الاستفادة من التراجع الأميركي لملء الفراغات مثل إيران وتركيا.
وعارضت موسكو وعدا قطعه الرئيس السوري خلال زيارته الأخيرة إلى طهران للإيرانيين بالسماح لهم بإدارة ميناء اللاذقية، معتبرة حصول هذا الأمر مسّا مباشرا بمصالحها الأمنية والعسكرية والاستراتيجية.
وكانت مصادر رسمية مقربة من مكتب الرئيس الإيراني حسن روحاني قد أكدت وجود مباحثات سورية إيرانية بشأن تسليم إدارة ميناء اللاذقية المطل على البحر المتوسط لشركات إيرانية. وقالت المصادر إن الصفقة تأتي كمقايضة مقابل إسقاط ديون سوريا المستحقة لإيران.
العرب