السياحة، أفكار وتنويع واختلاف، فبعد سياحة المخاطر والسياحة البيئية والسياحة المظلمة، نجد السياحة الحمراء، هذه السياحة التي تعتمد تتبع تاريخ الثورة، صناعة صينية جلبت بها مواطنيها من مختلف الأعمار، ثم انبهر بها الأجانب وتوسعت بعد ذلك لتشمل دولا أخرى كروسيا وألمانيا وفرنسا وكوبا.
بكين – تتميز السياحة الحمراء بزيارة المواقع التاريخية التي تتمتع بإرث وتاريخ ثوري ونضالي، وهي بادرة صينية نشأت منذ تسعينات القرن الماضي، لتتشكل منذ عام 2004 ما يزيد عن 30 خطا سياحيا أحمر شائعا، بالإضافة إلى 123 بقعة ذات مناظر خلابة كلاسيكية في بلاد المليار وأربعمئة نسمة.
وباتت هذه السياحة تستقطب المزيد من الاهتمام والإقبال الجماهيري، تجذب السياح الصينيين من مختلف الأعمار؛ المسنون الذين يأتون لاسترجاع ذكرياتهم والشباب الذين يرغبون في أن يتعرفوا على مسيرة الحزب الشيوعي الصيني، ثم توسعت لتشمل الشباب الثوري من مختلف دول العالم.
وتتوزع مناطق السياحة الحمراء بين مدينة يانآن التي كانت ذات يوم مقرا للجيش الأحمر وقيادة الحزب الشيوعي، ومدينة شاوشان في مقاطعة هونان وهي مسقط رأس ماو تسي تونغ، وجينغ قانغ شان في مقاطعة جيانغشي حيث تشكل الجيش الأحمر، وغيرها من المراكز السياحية ذات البعد الثوري في البلاد.
زوار من مختلف الأعمار
تلقى السياحة الحمراء باعتبارها منتجا يتذكر الماضي ترحيبا من قبل الصينيين من منتصف العمر وكبار السن، فالثورة الحمراء تعد فترة من تاريخهم، مرت عليهم وتعودوها في سمعهم وبصرهم على حد السواء، بحيث أصبحت مواقع السياحة الحمراء مناطق يتذكرون فيها التاريخ ويستعرضون الأحداث في السنوات الماضية.
يقول البروفيسور شيوي رن لي من جامعة شيآن، في تحليله لهذه الظاهرة، إنها “مواجهة للعالم الواقعي ذي الأشكال والألوان المتعددة والمتنوعة، يحب هؤلاء الناس استخدام التسامح التاريخي في محو تجاعيدهم التي خلفها الزمان، ليستعرضوا من خلال السياحة في المواقع الثورية خلاصة تجاربهم”.
ويضيف “كانت لهم فترة اجتازوها من التجربة والمعاناة الخاصتين بحياتهم، وكانت لديهم تطلعات للشباب وحماسة في الحياة، وقد احتضنوا العصر بصدق وإخلاص، وتشبثوا بعقيدتهم بجهد، عندما يتحول كل شيء إلى أحداث من التاريخ، تصبح حياتهم في ذكرياتهم مضمونا ذا قيمة روحية”.
منذ عام 2004 تشكل ما يزيد عن 30 خطا سياحيا أحمر شائعا، بالإضافة إلى 123 بقعة ذات مناظر خلابة كلاسيكية في الصين
وقالت مصادر في صناعة السياحة الصينية، إن الأطلال والآثار الحمراء وبلدات الشخصيات العظيمة والشخصيات الأسطورية والمواد التاريخية، تلفت أنظار الشباب أيضا، لأنهم يرغبون في أن يتعرفوا على كيفية تطور الحزب الشيوعي الصيني من منظمة تتألف من عشرات الأعضاء إلى حزب حاكم، وكيفية إطلاق الجيش الأحمر المسيرة الكبرى، وكيفية اجتياز هذا الجيش الجبال المغطاة بالثلوج وعبور المستنقعات وقيامه بمسيرات ليلية ونهارية شاقة، متجاوزا أقصى الحدود من أجل التقدم نحو النصر.
وذكر تقرير صادر في أغسطس 2019 أن المزيد من الشباب يسهمون في ازدهار السياحة الحمراء في الصين، ومن المتوقع القيام بما يزيد على 100 مليون رحلة سياحية حمراء خلال عطلة الصيف، حيث سيكون النصيب الأكبر للأشخاص الذين ولدوا في الفترة ما بين 1985 و1989.
وفي نفس الوقت، ستزيد رحلات السياحة الحمراء التي يقوم بها الأشخاص الذين ولدوا بعد 2000 بشكل ملحوظ على أساس سنوي، وفقا لتوقعات السوق التي نشرتها وكالة “سي تريب” الإلكترونية للسياحة.
المسارات السياحية
من البحيرة الجنوبية في جياشينغ والتي عقد فيها الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره الوطني الأول على متن سفينة، إلى ميدان تيان آن من بكين الذي شهد العديد من الأحداث التاريخية الهامة، ومن جبال جينغ قانغشان التي أسست فيها أول قاعدة ثورية ريفية إلى الموقع الثوري بانآن، يتصاعد، تزامنا مع ارتفاع حرارة الطقس، دفء السياحة الحمراء من “السير على خطى المسيرة الكبرى مجددا”، و”السياحة في مسقط رأس شخصية عظيمة”، و”جولة في قواعد المقاومة ضد الغزاة اليابانيين”، والمواقع ذات المناظر الخلابة الحمراء، بحيث تسير أفواج السياح من الصين ومختلف دول العالم في رحلة تزينها المناظر الطبيعية.
ومن القواعد الثورية الصينية التي يزورها الكثير من السياح، جبال جينغ قانغشان التي تقع في مقاطعتي جيانغشي وهونان بوسط جنوبي الصين، وتمتاز بالمناظر الخلابة والمواقع التاريخية القديمة، وتبدو فيها قمم الجبال العالية والأحجار العجيبة والشلالات والكهوف والينابيع الساخنة والغابات العذراء مع الحيوانات المختلفة، وأيضا المواقع التي تبرز تاريخ جيش العمال والفلاحين الصينيين الأحمر (1928-1937) مثل المتحف الثوري لجبال جينغ قانغشان، وقرية الجيش الأحمر على مساحة 10 آلاف متر مربع، ومقبرة جبال جينغ قانغشان للشهداء الثوريين وغيرها، مما يجذب الزوار إليها بحماسة كبيرة.
جبال جينغ قانغشان هي مهد الثورة الصينية، حيث قاد الرئيس الصيني الراحل ماو تسي تونغ جيشا أحمر من العمال والفلاحين إلى هناك، وأسس أول قاعدة ثورية ريفية في الصين بقيادة الحزب الشيوعي، وفتح بها صفحات الثورة الصينية، لذلك أطلق الصينيون على هذه الجبال اسم “مهد الثورة الصينية”.
وخلال السنوات الأخيرة، ومع ارتفاع حماسة الناس لزيارة المواقع الثورية، لتذكر السنوات الأولى للثورة الصينية، شهدت السياحة الحمراء الثورية في منطقة جبال جينغ قانغشان تطورا سريعا. وعرضت في كل مكان منها أشياء تذكارية متنوعة، ومن ضمنها صور تذكارية للرئيس الصيني الراحل ماو تسي تونغ ومؤلفاته الثورية المطبوعة وغيرها.
يقول أحد السياح “كنت قد زرت مسقط رأس الزعيم الصيني ماو تسي تونغ ومنزل عائلته القديم ومعرض مسيرته الفريدة. وجئت إلى جبال جينغ قانغشان الثورية للتعرف على المزيد من الأحداث التاريخية”.
هناك أيضا مكان سياحي مشهور بجبل جينغ قانغشان يسمى هوانغ يانغ جين، كان ميدان معركة حاسمة تكللت بنصر الجيش الأحمر الصيني، وأصبح اليوم مزارا مشهورا لا يخلفه الزوار، يستذكرون من خلاله دروس النضالات القاسية، ويحيون ذكرى الشهداء البواسل من أبناء الشعب الصيني.
ولم تكن جبال جينغ قانغشان مكانا لعرض تاريخ الثورة الصينية القديمة فحسب، بل هي موقع سياحي طبيعي رائع، إذ تختفي داخل الجبال ينابيع وشلالات كثيرة، وخاصة أن
شلالات وولونغ معروفة بأشكالها المختلفة، كأن هناك خمسة تنانين ترقص بين الغابات.
وكلما تقف في أسفل هذه الشلالات وترفع رأسك إلى الأعلى لتنظر إلى تلك الشلالات الجميلة، تشعر دائما كم أنت صغير وضئيل أمام إمكانيات الطبيعة العظيمة.
تعتبر مدينة يانآن نقطة ثورية في تاريخ الصين، حيث يبدأ الزوار المحليون والأجانب على الإيقاع القوي للملحمة الغنائية الشعبية “الدفاع عن النهر الأصفر”، جولتهم في منطقة شلالات هوكو التابعة لمقاطعة شنشي شمال غرب الصين.
الملحمة المستوحاة من مشاهد طبيعة النهر الأصفر، ألهمت أبناء الشعب الصيني الروح القتالية خلال فترة حرب المقاومة الصينية ضد الغزو الياباني.
ويعتبر شلال هوكو ثاني أكبر شلال في الصين وأعظم شلال “أصفر” في العالم، حيث يبلغ عرض منبع الشلال 300 متر، ويختلف عرضه باختلاف المواسم، ويتراوح من 20 إلى 30 مترا بعد مسافة أقل من 500 متر من المنبع.
ومع زيادة انهمار الماء، فإنه يندفع إلى فتحة ضيقة في وسط جرف، كما لو كانت المياه تنهمر من إبريق ضخم، ومن هنا أخذ الشلال اسمه ويعني باللغة الصينية “فم الإبريق”.
وتجذب شلالات هوكو شمالي الصين، التي أصبحت وجهة سياحية طبيعية وحيدة للمياه على المستوى الوطني داخل يانآن، عددا كبيرا من الزوار المحليين والسياح من مختلف أنحاء العالم، بسبب مناظرها الخلابة، خاصة مع انعكاس ضوء الشمس عليها وظهور قوس قزح.
وإلى جانب غناها بموارد السياحة الحمراء، تحل يانآن على قائمة الدفعة الأولى لمدن الصين التاريخية والثقافية، حيث تجذب جبال باو ته ويانغ جيا لينغ وزاو يوان وموقع مؤتمر لوهتشوان وقرية ليانغ جيا خه وغيرها من المواقع عشاق التاريخ والثقافة.
وتقدم دول أخرى مثل روسيا وفرنسا وألمانيا وكذلك كوبا منتجات سياحية تلبي اهتمامات السياح المهتمين بالثورات.
العرب