مع الخسائر الناتجة عن الخراب والدمار واستمرار الحرب والعمليات العسكرية وسيطرة «داعش» على مساحات واسعة من العراق واستغلال مواردها وسرقة أموال بعض مؤسسات الدولة، إضافة إلى فقدان مبالغ كبيرة من عائدات النفط بسبب تراجع الأسعار، فضلاً عن تحمل أعباء التدهور الاقتصادي والاجتماعي في ظل استمرار الفساد المالي وهدر أموال عامة، تشتد حاجة حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى السيولة لسد عجز موازنة العام 2015 الذي يزيد عن 25 بليون دولار، ولمواجهة الكلفة المتزايدة للصمود العسكري في محاربة الإرهاب.
لذلك، يدرس وزير المال هوشيار زيباري المصادر المتاحة لتأمين الأموال اللازمة لسد حاجة الحكومة وتمكينها من الاستمرار في دفع المستحقات المفروضة عليها، وقد حصلت أخيراً على موافقة البنك الدولي على تقديم قروض للعراق قيمتها 1.7 بليون دولار، ويأمل في الحصول على قروض من صندوق النقد الدولي تصل قيمتها إلى نحو 4.5 بليون دولار، علماً أن الصندوق قد توصل في مطلع حزيران (يونيو) الماضي إلى اتفاق معه في شأن برنامج قرض أولي بقيمة 833 مليون دولار.
وبما أن الشعب العراقي غني، إذ يبلغ حجم النقد المتداول في الأسواق أكثر من 80 بليون دولار، موزع بين القطاع المصرفي (مصارف حكومية وخاصة) وبين المواطنين الذي يجهلون كيفية استثمارها في مثل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العراق، أعلن زيباري خططاً لإصدار سندات بقيمة خمسة بلايين دولار تباع للمواطنين على مرحلتين، على أن تبدأ «الجولة الترويجية» في نهاية تموز (يوليو) أو في مطلع آب (أغسطس) 2015، وتستعين الحكومة بثلاثة مصارف عالمية لترتيب هذا الإصدار وهي «جي بي مورغان»، و «دويتشه بنك»، و «سيتي بنك»، كذلك تستعين بمؤسستين للتصنيف الائتماني وهما «فيتش» و «موديز»، للحصول على تصنيف «فني» يساهم في جذب المستثمرين.
وسبق للعراق أن اضطر لتسديد بعض الديون المستحقة عليه إلى شركات النفط عبر كميات من الإنتاج، خصوصاً أن المبالغ المستحقة حتى نهاية العام الماضي، بلغت نحو 27 بليون دولار، لكن يبدو أن وزارة المال لم تكتف بذلك، إذ أعلن زيباري أخيراً أن حكومته تعتزم تأمين أموال استثنائية عبر بيع نفط من احتياط البصرة على أساس «الدفع مقدماً»، وذلك للمرة الأولى، مع السعي إلى تعديل طريقة إدارة عقود الاستكشاف والإنتاج مع الشركات باعتماد تقاسم العائدات، لأن هبوط الأسعار جعل بغداد تدفع مبالغ أكبر للشركات مقارنة بما ستدفعه على أساس عقود تقاسم الإنتاج.
ويقدر احتياط النفط المثبت في العراق بنحو 150 بليون برميل، ما يشكل أكبر احتياط للنفط التقليدي في العالم بعد السعودية وإيران. لكن، هل تستطيع حكومة العبادي تحقيق أهدافها في معالجة أزمتها المالية وتأمين السيولة اللازمة لمدفوعاتها المحلية والخارجية؟ العراق دولة غنية، وفيها فرص واعدة للاستثمار وجاذبة للمستثمرين العراقيين والعرب والأجانب، وأثبتت السنوات العشر الممتدة من بدء الاحتلال الأميركي وإطاحة نظام صدام حسين ونهاية 2013 قدرة العراقيين على التكيف مع التطورات الأمنية والسياسية، ولوحظ أن عام 2013 سجل نمواً اقتصادياً «قياسياً» بلغ نحو 9 في المئة وفق تقرير صندوق النقد الدولي.
ومع خروج العراق من البند السابع للأمم المتحدة بعدما خضع له أكثر من 23 سنه بعد غزوه الكويت، بدأ يتطلع إلى جذب استثمارات عربية وأجنبية لتنفيذ 740 مشروعاً بقيمة 32 بليون دولار، وذلك ضمن خريطة استثمارية تستمر على مرحلتين، مدة كل مرحلة خمس سنوات، وتضم عدداً كبيراً من المشاريع النفطية والكهربائية، حتى أن بعض الشركات كانت بدأت بإرسال مهندسيها وعمالها إلى المواقع العراقية.
ومن أجل تمويل هذه المشاريع، خطط العراق لزيادة إنتاجه من النفط في شكل تدريجي ليصل إلى تسعة ملايين برميل يومياً في العام 2020، لكن العمليات العسكرية واحتدام المعارك البرية والقصف الجوي، خصوصاً في مناطق قريبة من آبار النفط في الموصل وكركوك، أدت إلى خفض الإنتاج والاعتماد فقط على نفط الجنوب في منطقة البصرة، والذي يبلغ إنتاجه نحو 2.5 مليون برميل يومياً، وإضافة إلى ذلك جاء تراجع الأسعار الذي خفض عائدات الخزينة العراقية، وضاعف من عجز موازنتها لعام 2015.
ولا شك في أن الخطورة المالية والاقتصادية تكمن في محاولات تجرى حالياً لعقد صفقة سياسيه بالمصادقة البرلمانية على الحسابات الختامية للسنوات الماضية والسكوت عن مئات بلايين الدولارات المهدورة التي يرجح أن سياسيين كباراً استفادوا منها، فضلاً عن خروج مبالغ كبيرة، ذهب قسم منها إلى البلدان المجاورة، خصوصاً إيران التي استفادت من سيطرتها على العراق الذي تعتبره أهم النوافذ للتعويض ولو جزئياً عن خسائرها الناتجة عن تطبيق العقوبات الدولية ضدها، وإنقاذ اقتصادها المحاصر.
سجلت تجارة إيران مع العراق تطوراً كبيراً في السنوات الأخيرة، مستخدمة كل النوافذ المتاحة، وتشير الإحصاءات إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين قفز من 750 مليون دولار في 2005 إلى أكثر من 13 بليون دولار عام 2014، ويتوقع رئيس غرفة تجارة طهران يحيى آل إسحاق الوصول إلى 25 بليون دولار سنوياً في سنوات، مع الإشارة إلى خطورة الخلل الكبير في الميزان التجاري غير المتكافئ لمصلحة إيران.
وتتحدث بغداد بصراحة كاملة عن اتهام عدد من النواب الذين يتعاملون مع مصارف تجارية بالقيام بعمليات تتعلق بتبييض الأموال وتهريبها إلى دول مجاورة، وفي غياب الشفافية، تقع المسؤولية الأولى على الحكومة لمعرفة المستفيد من هذه الأموال وتحديد الدول المشاركة، مع الإشارة إلى أن مصادر سياسية تميل إلى اتهام إيران نظراً إلى حاجتها الضرورية لتمويل خططها العسكرية والسياسية والاقتصادية في العراق وسورية ولبنان واليمن، ودول أخرى، خدمة لنفوذها السياسي.
عدنان كريمه
صحيفة الحياة اللندنية