ماذا لو أنشأت العراق صندوقاً سيادياً مثل النرويج؟ التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي كان يمكن أن يحدث

ماذا لو أنشأت العراق صندوقاً سيادياً مثل النرويج؟ التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي كان يمكن أن يحدث

الباحثة شذى خليل*

العراق، البلد الذي يمتلك بعضاً من أغنى احتياطات النفط في العالم، شهد تاريخاً مضطرباً مليئاً بالصراعات وعدم الاستقرار والاعتماد الاقتصادي على إيرادات النفط المتقلبة. ولكن، ماذا لو كان العراق قد سلك مساراً مشابهاً للنرويج منذ عام 2003، وأسس صندوقاً سيادياً لضمان الاستقرار المالي على المدى الطويل، وحماية الأجيال القادمة، وخلق اقتصاد متنوع؟ هل كان العراق في وضع اقتصادي أفضل اليوم؟

يعد صندوق الثروة السيادي النرويجي، المعروف أيضاً بصندوق التقاعد الحكومي العالمي (GPFG)، من الدعائم الأساسية لنجاح النرويج. تم تأسيسه في عام 1990 بهدف إدارة الإيرادات الفائضة من النفط وتحضيراً لمستقبل قد لا يكون فيه النفط مورداً موثوقاً. بحلول عام 2024، نما صندوق النرويج إلى 1.75 تريليون دولار، محققاً عوائد سنوية مذهلة—بلغت 222 مليار دولار في 2024 فقط. تمتد استثمارات الصندوق عبر الأسهم العالمية (71%)، والأدوات الثابتة (26%)، والعقارات (1.8%)، وارتفاع حصته في الطاقة النظيفة.

لقد أصبح الصندوق نموذجاً للاستدامة والحكمة المالية، ويقدم رؤى حول كيفية أن تتمكن الدول الغنية بالموارد الطبيعية من تجنب “لعنة الموارد” وتحقيق ازدهار اقتصادي طويل الأمد. إذا كان العراق قد اتبع استراتيجية مماثلة لإنشاء صندوق سيادي، فإن الآثار الاجتماعية والاقتصادية والإيرادات كانت قد تكون كبيرة. دعونا نناقش التأثيرات المحتملة لذلك.

1. الاستقرار الاقتصادي والتنويع
يعتمد اقتصاد العراق بشكل كبير على إيرادات النفط. هذا الاعتماد يجعل البلاد عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية، التي يمكن أن تكون متقلبة وتعتمد على التوترات الجيوسياسية. من خلال إنشاء صندوق سيادي، كان بإمكان العراق تقليل اعتماده على تقلبات أسواق النفط.

إن نموذج النرويج في استثمار الإيرادات الفائضة في الأصول العالمية—المتنوع عبر الصناعات والدول والقطاعات—سمح للنرويج بتجاوز العواصف الاقتصادية بسهولة نسبية. وبالمثل، كان بإمكان العراق استخدام صندوق سيادي لإنشاء مخزون مالي يحميه من تقلبات أسعار النفط العالمية، وفي الوقت ذاته يستثمر في قطاعات مثل التكنولوجيا والبنية التحتية والطاقة النظيفة، مما يخلق اقتصاداً أكثر تنوعاً ومرونة.

مع وجود صندوق سيادي كبير، كان بإمكان العراق جذب المزيد من الاستثمارات الدولية، مما يشجع التنمية في مجالات أخرى مثل الزراعة والصناعة والخدمات. كان هذا التنوع سيعزز قدرة الاقتصاد على الازدهار حتى بعد نفاد النفط.

2. تحسين معاشات الحكومة والأمن الاجتماعي
بالإضافة إلى الاستقرار الاقتصادي، كان بإمكان صندوق الثروة السيادي أن يكون له دور كبير في تأمين المعاشات الحكومية والخدمات الاجتماعية للعراقيين. مع وجود نسبة كبيرة من السكان تعتمد على المعاشات الحكومية، يواجه العراق تحدياً مستمراً لضمان استدامة هذه الفوائد على المدى الطويل.

من خلال استثمار الإيرادات النفطية في صندوق سيادي، كان بإمكان العراق بناء قاعدة مالية كبيرة لضمان مستقبل المعاشات الحكومية. وبنفس الطريقة التي فعلها صندوق النرويج، كان بإمكان العراق تخصيص جزء من صندوقه للبرامج الاجتماعية والرعاية الصحية والمعاشات، مما يضمن أن الأجيال القادمة لن تتحمل العبء الكامل لانخفاض صناعة النفط.

3. زيادة الثروة الوطنية وتوليد الإيرادات
تخيل تأثير امتلاك أكثر من 400 مليار دولار من الأصول اليوم—لو بدأ العراق في بناء صندوقه السيادي منذ عام 2003. مثل صندوق النرويج، كان بإمكان مثل هذا الصندوق أن يولد إيرادات من العوائد الاستثمارية المتنوعة. كانت العوائد السنوية قد تتجاوز 40 مليار دولار، مما يضيف مصدراً كبيراً للإيرادات إلى الميزانية الوطنية دون الاعتماد فقط على صادرات النفط.

كانت هذه الإيرادات الإضافية ستسمح للعراق بإعادة استثمارها في البنية التحتية الأساسية والتعليم والرعاية الصحية وغيرها من الخدمات العامة. كان بإمكان حكومة العراق تمويل برامج التنمية، وخلق فرص العمل، وتطوير البنية التحتية الحديثة دون عبء الديون الدولية أو الاعتماد على أسواق النفط المتقلبة.

علاوة على ذلك، كان من الممكن أن يوفر هذا الدخل غير النفطي للعراق القدرة على التنقل بين التحولات الاقتصادية العالمية، مما يخلق اقتصاداً أكثر اكتفاءً ذاتياً وأقل عرضة للصدمة الخارجية.

4. تحقيق العدالة بين الأجيال
مفهوم العدالة بين الأجيال—الذي يفترض أن يتم الحفاظ على الثروات وتقاسمها بشكل عادل بين الأجيال الحالية والمستقبلية—كان سيكون أحد السمات البارزة لصندوق الثروة السيادي العراقي. من خلال ادخار واستثمار إيرادات النفط اليوم، كان بإمكان العراق ضمان أن الأجيال القادمة ستستفيد من ثروات اكتشافات أسلافهم النفطية، وليس فقط من استغلال الموارد الطبيعية.

يختلف هذا النموذج تماماً عن واقع العراق الحالي، حيث غالباً ما يتم تخصيص الثروات بشكل غير فعال، وتعيق الفساد توزيع الثروة بشكل عادل. كان من الممكن لصندوق سيادي أن يضمن أن الشعب العراقي يحقق فوائد طويلة الأمد من احتياطيات النفط في بلاده، مما يعزز مستوى المعيشة للأجيال المستقبلية.

5. مكافحة الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية
أحد التحديات الكبرى التي واجهها العراق في العقود الأخيرة هو مشكلة الفساد المنتشرة، خاصة في قطاع النفط. إذا كان العراق قد أنشأ صندوقاً سيادياً شفافاً وقابلاً للمحاسبة، كان بإمكانه أن يوفر إطاراً لزيادة الرقابة على ثروة الأمة. كان يمكن لمديري الصندوق، الذين يتمتعون بالاستقلال عن التأثيرات السياسية، ضمان أن يتم استثمار الأموال لصالح الشعب، بدلاً من إهدارها أو إساءة استخدامها.

كان من الممكن أن يضع مثل هذا الصندوق معايير للشفافية والمساءلة والإدارة الحكيمة، مما يقلل من الفرص المتاحة للفساد في القطاع العام. مع وجود تقارير مالية واضحة وإدارة جيدة للأصول، كان من الممكن للجمهور أن يرى تماماً كيف يتم استخدام ثروة البلاد، مما يساعد في إعادة بناء الثقة في الحكومة والمؤسسات.

6. تعزيز مكانة العراق العالمية
كان من الممكن أن يعزز صندوق الثروة السيادي مكانة العراق على الساحة العالمية. مع أصول ضخمة ومحفظة استثمارية تمتد عبر عدة قطاعات ومناطق، كان العراق سيضع نفسه كداعم أكثر استقراراً وجذباً للتجارة الدولية والتمويل والدبلوماسية. كان بإمكانه أن يوسع نفوذه في المؤسسات المالية العالمية ويجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

كان هذا النوع من الرؤية والمشاركة سيساعد العراق على بناء علاقات أقوى مع دول أخرى، مما يجعله لاعباً اقتصادياً متنامياً، بدلاً من أن يُنظر إليه على أنه مجرد دولة تعتمد على أسعار النفط والصراعات.

الخلاصة: الفرصة الضائعة
كان إنشاء صندوق سيادي في العراق يمكن أن يكون قراراً محوريًا، ليُصبح إرثاً من الثروة والاستقرار والازدهار الذي يفيد البلاد لأجيال قادمة. في وقت كانت فيه إيرادات النفط في ذروتها، كان بإمكان العراق أن يبدأ في طريق التنوع الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي، والأمن المالي. مع الإدارة السليمة، كان من الممكن أن يتجاوز صندوق الثروة السيادي اليوم 400 مليار دولار، ويولد مليارات من الإيرادات سنوياً، ويسهم في تمويل مشاريع التنمية الطويلة الأجل عبر البلاد.

على الرغم من أن العراق لم يتخذ هذه الخطوة، إلا أنه لا يزال الوقت متاحاً لبدء التخطيط من أجل المستقبل. من خلال الاستفادة من نموذج النرويج، يمكن للعراق أن يتعلم دروساً هامة في الإدارة المالية، والشفافية، والتخطيط على المدى الطويل. والسؤال يبقى: هل سيتخذ العراق خطوة جريئة نحو تأمين مستقبله، أم سيواصل السير على الطريق غير المؤكد لاعتماده على النفط؟ الفرصة لا تزال قائمة.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية