أصبح العلم في عصرنا الحاضر واحدا من أهم وأبرز المتطلبات التي يحتاجها الإنسان، فهو دون شك، السبيل الوحيد الذي يلبي الاحتياجات، ويحقق الأهداف والطموحات، وهو المنارة التي تهتدي بها الأجيال إلى طريق التقدم والازدهار والرقي الحضاري.
والدول التي تملك نظاما تعليميا متطورا هي التي تتفوق في المجالات كافة، وعلى مختلف الصعد، ويعتبر التعليم ضرورياً جداً للفرد قبل المجتمع.
وفي زمن الحروب يكون الأطفال أول ضحاياها، فقد يفقد غالبيتهم فرصة الحصول على التعليم بالقدر الكافي، لأسباب عديدة تأتي في مقدمتها ظروف أهاليهم المادية الصعبة، حيث يضطر كثير من الأطفال للعمل بدل الذهاب للمدارس من أجل إعانة عوائلهم ماديا.
المدارس في سوريا هدف للبراميل المتفجرة
شكّل التعليم وفتح المدارس أحد أهم أولويات المجتمعات المحلية والمدنية، لكن الحرب التدميرية التي يشنها نظام بشار الأسد، والطيران الحربي الروسي، على سوريا كانت كفيلة بإفشال كلّ تلك الجهود الفرديّة والجماعيّة؛ فأول ما تم قصفه واستهدافه من قبلهما هو المدارس، حتى أصبح الذهاب إلى المدرسة مجازفة بالأرواح ومخاطرة كبرى.
وأدى ذلك إلى تراجع الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى المدارس خوفا على حياتهم، مما أدى إلى موجات نزوح متكررة، ولعل أقرب شاهد على هذا الموضوع مجزرة مدرسة “حاس” الأخيرة بحق الأطفال، التي كانت كفيلة بأن تمنع معظم الأهالي من إرسال أبنائهم إلى المدرسة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن استهداف طيران النظام والطيران الحربي الروسي للمدارس والمساجد ومخيمات اللاجئين كان هدفه الأساسي دفع السكان للنزوح إلى دول الجوار من أجل تشكيل وضع ضاغط عليها وعلى المجتمع الدولي، مما يجبر السوريين على قبول شروط الحل/ الاستسلام التي يفرضها الروس.
تخلي الداعمين ونقص المدارس
تزامنا مع موجة النزوح الكبيرة في إدلب، وخروج عشرات المدراس عن الخدمة، وحاجة الطلاب السوريين في المحافظة ومحيطها، إلى المزيد من المدارس والدعم لاستمرار عملها، أعلنت الجهات المانحة لمديريات التربية في مناطق إدلب وأرياف حلب القريبة منها، إيقاف دعمها المادي لتلك المؤسسات، ما يهدد استمرار مئات المدراس عن العمل، ويترك آلاف المُدرسين في تلك المناطق بلا أي رواتب.
ووفق بيان أصدره فريق “منسقو استجابة سوريا” يوم 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، فإنّ تجميد الدعم يهدد بحرمان أكثر من 350 ألف طالب في شمال غرب سوريا من الاستمرار بالعملية التعليمية، كما سيوقف أكثر من 840 مدرسة ضمن مراحل التعليم المختلفة عن العمل.
إيقاف رواتب المدرسين
وحسب دائرة الإعلام في مديرية التربية بإدلب، فإن منحة المفوضية الأوروبية المقدمة لمديريات التربية في المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، في شمال غرب سوريا، عبر منظمة “كومنكس”، توقفت بشكل كامل مع بداية الموسم الحالي، والتي كانت تغطي 65% من مجموع الدعم المقدم لمديريات التربية.
وقد كانت منظمة “كومنكس” توقع عقودا سنوية لمدة تسعة أشهر لتلبية حاجات المدراس، ودفع رواتب المدرسين، لكنها أبلغتهم هذا العام بتوقف الدعم وعدم تجديد العقود دون إبداء الأسباب، مما قد يؤدي لحرمان أكثر من 7000 مُدرس من رواتبهم، في حال عدم إيجاد داعم بديل، ومن تأمين الكلفة التشغيلية لعشرات المدراس في المحافظة.
كما تجدر الإشارة إلى وجود عقبات أخرى كبيرة تهدد استمرار العام الدراسي الحالي، الذي يعتبر الأسوأ الذي يمر على المحافظة، بسبب الضغط الكبير على المدراس إثر عمليات النزوح الأخيرة، وخروج 250 مدرسة عن الخدمة خلال الأشهر القليلة الماضية من مجموع 1190 في إدلب.
طلاب بلا مدارس
يشير المسؤولون في هيئات التعليم أنّ وضع العام الدراسي الذي انطلق في 21 سبتمبر/أيلول الماضي سيئ للغاية في ظل توقف الدعم، وازدحام المدارس بشكل كبير، وعدم تأمين كتب دراسية وقرطاسية للطلاب حتى الآن، واستمرار بعض النازحين بالسكن في المدارس نظرا لعدم توفر أماكن بديلة.
الواقع القاسي الذي تعيشه مدارس إدلب لا يتوقف على تلك الصعوبات فحسب، حيث يفتقد آلاف الطلاب النازحين لمقاعد الدراسة مع تشردهم في مخيمات عشوائية، أو في بساتين نائية لا تصل إليها ألواح الطباشير ولا أقلام المعلمين.
ولا تزال مئات الأسر حتى الآن تسكن في البساتين وبين الأشجار، كما أنّ بعض المناطق كانت تفتقد بالأصل للمدارس، ويلجأ طلابها للذهاب إلى القرى المجاورة، هؤلاء الأطفال لم يستطيعوا أن يبدأوا عامهم الدراسي بعد.
وتفتقر مدارس الشمال هذا العام، كما الأعوام السابقة، إلى البنية التحتية المناسبة في ظل تصدّع بعضها، وتهدّمها جراء القصف، ونقص المقاعد والوسائل التعليمية، ووسائل التدفئة، في حين أن بعضها أقيم في خيم أو في أبنية غير مناسبة.
كانت منظمة “أنقذوا الطفولة العالمية” حذرت من عدم تمكن مئات آلاف الأطفال من الذهاب إلى المدرسة العام الدراسي الحالي في الشمال السوري، مشيرةً إلى أنّ المدارس المتبقية قادرة على استيعاب 300 ألف طفل، من أصل 650 ألف طفل في عُمر الدراسة.
العشوائية وفقدان المرجعية
يرى الخبراء المختصون أن سبب تراجع التعليم في زمن الحرب يرجع إلى أن المدارس التي تم فتحها وإعادة تأهيلها لم ترتقِ للمستوى المطلوب، إضافة لعدم التزام الأهالي بإرسال أبنائهم إلى المدرسة، نتيجة للقصف والنزوح وهجرة معظم المعلّمين وتهميش الجيّد منهم، ووصول أناس ليسوا أكفّاء استلموا زمام المبادرة في العملية التعليمية وعسكرة التعليم أحياناً ضمن أجندات معيّنة.
كما أن تفاوت المرتبات وأجور العاملين بين المدارس التابعة للمنظمات الدولية وبين المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم الحرّة شكل سبباً إضافيا في هذا التراجع، ففي الوقت الذي كان يتقاضى فيه المعلمون في مدارس المنظمات الدولية راتبا يتراوح بين 300- 400 دولار، كان راتب المدرس في وزارة التعليم الحرّة التابعة للحكومة المؤقّتة لا يتجاوز 80 دولارا، وربّما أقلّ، وربّما كان تطوعيا مجّانياً في غالب الأحيان.
نقص الكفاءات والخبرات
الرئيس السابق للحكومة السورية المؤقتة، جواد أبو حطب، أكد أهمية دعم ملف التعليم الأساسي والجامعي في المناطق المحررة، موضحاً أن كافة المؤسسات التعليمية لديها نقص كبير بالكفاءات والخبرات.
وأشار أبو حطب إلى الحاجة الهامة حالياً للمدرسين وأصحاب الخبرات لرفد المؤسسات التعليمية التي تعاني من النقص، وبيّن أن بعض المواد في كلية الطب بجامعة حلب الحرة يتم تدريسها عبر التواصل اللاسلكي من عدة بلدان من بينها الولايات المتحدة الأمريكية.
مما لا شك فيه أن مستقبل سوريا مرتبط بشكل كامل بنجاح عملية التربية والتعليم، التي ما تزال تشكل التحدي الأكبر أمام السوريين بالدرجة الأولى.
كما أن المسؤولية الأخلاقية تقع بدرجة كبيرة على عاتق الدول التي تسعى لتأسيس نفوذها على الأراضي السورية، وكذلك المجتمع الدولي، الذي ما زال يتفرج على الأزمة السورية منذ تسع سنوات دون جهود تذكر لإيجاد حل لها، هو الآخر شريك في المسألة ولا يعفى من هذه المسؤولية.
القدس العربي