واقع شرق أوسطي جديد

واقع شرق أوسطي جديد

Iran: Nuclear Force

بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، استيقظت إسرائيل على واقع جديد في الشرق الأوسط المضطرب من حولها. فخطر السلاح النووي الإيراني الذي شكل فزاعة استخدمها الساسة الإسرائيلون طوال سنوات لتبرير سياساتهم الامنية والعسكرية، تلاشى ولو موقتاً؛ وإيران زعيمة “محور الشر” تحولت بين ليلة وضحاها من دولة ترعى الارهاب الى دولة تحظى بالشرعية لدى المجتمع الدولي الذي اعترف بمكانتها ودورها في المنطقة. وهكذا وقت كانت إسرائيل المستفيد الاكبر من انهيار أنظمة عربية أساسية معادية لها مثل العراق وسوريا، وزوال خطر نشوب حرب مع جيوش عربية نظامية، اذا بها الآن وجهاً لوجه أمام الخطر الذي تشكله إيران باعتبارها القوة الاقليمية العظمى الصاعدة.

الهلع الذي تشهده إسرائيل في الفترة الحالية ليس سببه فحوى الاتفاق أو تفاصيله التقنية واحتمالات تقيد إيران ببنوده أو خرقها في وقت قريب، وما يجب على إسرائيل ان تفعله لرصد أي خرق، والاستراتيجية التي عليها ان تتبناها في مواجهة حصول مثل هذا التطور. بل سببه الاساسي نجاح الديبلوماسية الدولية في ايجاد واقع سياسي مختلف في المنطقة انطلاقاً من اتفاق تقني، يتعارض تماماً مع التوجه الإسرائيلي حيال إيران التي يعتبرها الإسرائيليون دولة ذات نظام ديني متشدد وتطلعات الى الهيمنة الاقليمية وراعية للتنظيمات التي تصنفها ارهابية، والاهم انها شديدة العداء لإسرائيل. ويعتقد الإسرائيليون، عكس باراك أوباما ان الاتفاق النووي سيقرب الحرب ولن يحقق السلام، لأنه سيعجل في السباق على التسلح التقليدي والنووي بين دول المنطقة. وان رفع العقوبات المفروضة على إيران سيضخ مليارات الدولارات التي ستوظفها من اجل تعزيز هيمنتها الاقليمية وتدخلها في دول المنطقة واستكمال سيطرتها على بغداد ودمشق وبيروت وعدن، ومواصلة دعمها لـ”حزب الله” وحركة “حماس”، وتأجيج العداء لإسرائيل.
لقد بدت إسرائيل طوال فترة المفاوضات النووية معزولة دولياً ومستبعدة عن دوائر التأثير والقرار على رغم انها تعتبر نفسها المتضرر الاول من اتفاق سيئ مع إيران. وخلال تلك الفترة تدهورت علاقاتها مع إدارة أوباما ووصلت الى ادنى مستوياتها. ولم تفلح، على رغم مساعيها وحملاتها، في اقناع زعماء الدول العظمى الأوروبية بتبني وجهة نظرها حيال إيران. من هنا ان الاتفاق هو فشل ديبلوماسي كبير لنتنياهو، ودليل على عزلة إسرائيل الدولية.
واليوم وبعد الواقع الشرق الأوسطي الجديد الذي أوجده الاتفاق النووي مع إيران، كل ما بقي لإسرائيل أن تفعله هو تحريض الكونغرس الأميركي على الاتفاق، والتهويل بانها ستراقب عن كثب النشاطات السرية الإيرانية وستقف لها في المرصاد، والتلويح بالرد على أي خرق إيراني للاتفاق باستخدام الخيار العسكري.

رنده حيدر

صحيفة النهار اللبنانية