على بعد تسعة آلاف كيلو متر من ساحة المواجهات العسكرية بشمال شرق سوريا بين القوات التركية والمقاتلين الأكراد، تشهد واشنطن صراعا مختلفا بين الطرفين لكسب عقول وقلوب المسؤولين الأميركيين.
وتوجد في واشنطن لوبيات تركية وكردية قوية، وزاد من أهميتها دور الرئيس دونالد ترامب في تطورات الأحداث الأخيرة، خاصة منذ قراره سحب القوات الأميركية العاملة في شمال شرق سوريا، مما أفسح المجال أمام التوغل التركي.
اللوبي الكردي
وأكد خبير أميركي للجزيرة نت -رفض ذكر اسمه- أن للأكراد وجودا مؤثرا في واشنطن سواء تعلق ذلك بممثلي إقليم كردستان العراق أو جماعات أكراد سوريا.
وتاريخيا يتلقى الأكراد دعما واسعا من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن الذي يساعدهم للوصول لوزارة الخارجية والبنتاغون والبيت الأبيض.
ومع بدء الأزمة الحالية، وبعد ساعات من عبور القوات التركية لداخل سوريا، وصل إلى مكاتب أعضاء مجلس النواب رسالة إلكترونية من مكتب ممثل إقليم كردستان العراق عرض فيه آخر التطورات على جبهات المواجهة، ومحذرا من نتائج التدخل التركي.
وطالبت الرسالة أعضاء الكونغرس بالضغط على الرئيس ترامب كي لا يسحب القوات الأميركية الموجودة في شمال شرق سوريا.
واعتبرت الرسالة أن الانسحاب الأميركي “بمثابة ضوء أخضر للرئيس التركي كي يبدأ عملية الغزو”.
من ناحية أخرى، نظم ممثلو المجلس الديمقراطي السوري (جماعة أكراد سوريا) يوم السبت الماضي مظاهرة أمام البيت الأبيض للتعبير عن غضبهم من قرار سحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا.
وشارك في المظاهرة عشرات الأكراد وعدد من المتعاطفين معهم من المواطنين الأميركيين.
وطالبت ممثلة التحالف الديمقراطي السوري في واشنطن سينام محمد من الشعب الأميركي الضغط على الرئيس ترامب من خلال ممثليهم في الكونغرس.
وقالت “نحن نتظاهر اليوم بعد إعلان انسحاب القوات الأميركية من الحدود التركية السورية… ولدينا آلاف المعتقلين من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية داخل سجوننا، ومع تقدم القوات التركية لا نعرف ما مصير هؤلاء المعتقلين، هل سيتولى أردوغان مهمة الإشراف عليهم، هذا شيء خطير جدا”.
وعلى شاشة “بي بي أس”، أكدت سينام محمد أن التقارير التي “تشير إلى لجوء أكراد سوريا إلى حكومة الرئيس السوري بشار الأسد المدعوم من إيران كبديل عن الحماية الأميركية عارية من الصحة”.
لكنها أشارت إلى أن أكراد سوريا “لم يتواصلوا حتى الآن مع النظام السوري، لكننا على استعداد للحوار”. وطالبت سينام بضرورة الضغط لفرض منطقة حظر جوي يمنع الطيران فيها في مناطق شمال شرق سوريا.
وأشارت إلى أن العمليات العسكرية التركية نتجت عنها مآس إنسانية وقتل المدنيين وعمليات إجلاء لمئات الآلاف منهم.
وركزت سينام كذلك على أن كل ذلك يضر بالمصالح والمصداقية الأميركية حول العالم، خاصة فيما يتعلق بالتخلي عن حلفاء واشنطن.
اللوبي التركي
وفي المقابل، تعمل شركات ولوبيات علاقات عامة لصالح الحكومة التركية التي وصل حجم إنفاقها العام الماضي حوالي ستة ملايين دولار.
ومنذ بدء القتال، نشطت في واشنطن مؤسسة “اللجنة التركية الأميركية” وهي إحدى المنظمات المؤيدة للحكومة التركية.
وفي بيان وصلت نسخة منه للجزيرة نت، طالبت المؤسسة الكونغرس بدعم الموقف التركي الرسمي “حيث تستهدف تركيا تأمين منطقة آمنة تمتد 250 كيلومترا وبعمق عشرين كيلو مترا داخل الأراضي السورية وتطهيرها من كل أعضاء منظمات بي.كا.كا الإرهابية”.
ودعا البيان إلى التنبه لما تتضمنه التغطية الإعلامية الغربية المنحازة التي تتهم “تركيا باستهداف الأكراد” وتتهم كذلك الرئيس ترامب “بالتخلي عن الحلفاء الأكراد”.
وذكر البيان أن “الولايات المتحدة أخيرا عدلت سياستها لتتوقف عن دعم جماعات بي.كا.كا الإرهابية ضد جماعة إرهابية أخرى” في إشارة إلى تنظيم الدولة.
تشغيل الفيديو
ونبه البيان إلى أن الولايات المتحدة قد اتخذت القرار الصائب باختيار الوقوف مع حليفتها تركيا التي تملك ثاني أكبر الجيوش في حلف الناتو “بدلا من عملاء يدعون أنهم يحمون المناطق المتمركزين فيها”.
وأشار البيان إلى أهمية “عملية نبع السلام” التي تستهدف حماية الأمن القومي لتركيا بإبعاد المخاطر الناجمة من وجود تنظيمات إرهابية على حدودها الجنوبية.
وطالب بكتابة خطابات لأعضاء الكونغرس توضح الحقائق أمام ما ينشر من “أكاذيب” وللمطالبة بدعم علاقات أقوى بين تركيا والولايات المتحدة.
وكذلك، تروج لوجهة النظر التركية الحكومية مؤسسات بحثية على رأسها المركز البحثي المعروف باسم “سيتا”، وهو مؤسسة أميركية غير ربحية وغير حزبية تركز على العلاقات الأميركية التركية.
وهاجم الخبير بالمؤسسة كيليتش كانات أعضاء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما الذين “بدؤوا نشاطا على تويتر يركز على الفوضى في سوريا. لقد ظلوا خمس سنوات دون قرار ودون تدخل مما أدى لخلق الفوضى. لقد تجاهلوا حلفاء أميركا وسخروا من مقترحات حل الصراع، والآن يتباكون”.
انقسام الخبراء
وينقسم الخبراء في واشنطن تجاه التطورات الأخيرة في شمال شرق سوريا. ويعتقد فيه بعض المختصين في الشأن التركي أنه لا يمكن لواشنطن التضحية بعلاقة التحالف الإستراتيجي مع تركيا من أجل مواجهة النفوذ الروسي أو الإيراني المتصاعد في منطقة شرق البحر المتوسط.
وفي المقابل يعتبر آخرون أن “تركيا لم تعد حليفا لواشنطن”، كما جاء في دراسة نشرها موقع مجلة فورين بوليسي للباحث ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية.
الجزيرة