ربما تكون السلطات العراقية قد تمكنت من قطع جسور التواصل مؤقتاً بين المحتجين والحد من تدفق الصور والفيديوهات الدامية للمتظاهرين، من خلال قيامها بحجب الإنترنت، لكنها في الوقت ذاته قطعت أرزاق الآلاف من أصحاب المشاريع الحرة الناشئة الذين خسروا حتى الآن ما يقارب المليار دولار.
ولا يزال العراقيون حتى اليوم محرومين من إمكانية الدخول إلى وسائل التواصل الاجتماعي، رغم عودة الهدوء إلى شوارع البلاد التي شهدت أسبوعاً من الاحتجاجات الدامية، وأسفرت عن مقتل مئة وعشرة أشخاص، حسب المفوضية العراقية لحقوق الإنسان.
وبعد انطلاق موجة الاحتجاجات في الأول من الشهر الجاري، حجبت السلطات العراقية إمكانية الوصول إلى تطبيقات «فيسبوك» و»إنستغرام» و»واتساب»، قبل أن تقطع الإنترنت تماماً في اليوم التالي.
وللالتفاف على الحجب، تحرك العراقيون سراً لتنزيل تطبيقات الـ»في بي أن» (شبكة خاصة افتراضية تتيح الاتصال بخوادم خارج البلاد)، في حين وأقدم آخرون على استخدام وسائل اتصال بالأقمار الاصطناعية، وهي ذات تكلفة مرتفعة جداً، من أجل التواصل مع العالم الخارجي.
لكن ذلك لا يعتبر مخرجاً لبعض الشركات التي تعتمد في عملها على الإنترنت.
ويقول مدير المحاسبة في شركة لتوصيل الطلبات تعمل بنظام تطبيق إلكتروني «وصلت خسائرنا اليومية إلى أكثر من 50 في المئة».
ويفترض بالزبون الدخول إلى تطبيق التوصيل وتحديد طلبيته التي تصل إلى الشركة فتتواصل الأخيرة مع البائع المعني لتحضير الطلب وإرساله، ويمكن للزبون متابعة العملية مباشرة عبر التطبيق.
لكن «التطبيق لا يعمل، أقله ليس في كل مكان، حتى مع استعمال +في.بي.أن+. ورغم أننا وضعنا خريطة يمكن تصفحها من دون إنترنت، يظل هناك تأخير كبير وي وصول الطلبات، وبالتالي نخسر رضى زبائننا أيضا»، وفق المدير نفسه الذي طلب عدم كشف هويته.
وزادت الشركة من وتيرة استخدام الاتصالات العادية والرسائل النصية بسبب انقطاع الإنترنت، ما أسفر عن خسارات مالية كبيرة، خصوصاً في فترة آخر العام المخصصة عادة للجَردات المالية.
وحسب منظمة «نيتبلوكس» غير الحكومية المتخصصة بالأمن السيبراني، فإن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد العراقي بأكمله، حيث لا تزال التجارة الإلكترونية ناشئة، تصل إلى 951 مليون دولار.
وهذا يشمل فقط سبعة أيام. أما القيود المفروضة منذ 12 يوماً على شبكة الجيل الثالث للهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وإنستغرام) فتكلف نحو عشرة ملايين دولار يومياً.
ويقول أحد مؤسسي شركة ناشئة لريادة الأعمال في بغداد «عمليات البيع أونلاين متوقفة منذ 12 يوماً، لأنها تعتمد خصوصاً على وسائل التواصل». ويضيف طالبا عدم كشف اسمه «هناك أكثر من 15 ألف صفحة للمبيعات على الأقل في العراق تبيع عادة بين 10 إلى 15 طلباً يومياً بقيمة 50 ألف دينار (40 دولاراً) للطلب الواحد (أي عشرات ملايين الدولارات حتى اليوم). هذا توقف، وقس على ذلك».
ويشير إلى أن الركود طال خصوصا «النساء المعيلات، والفتيات اللواتي لا يمكنهن العمل خارج المنزل» في بلد محافظ كالعراق.
ويلفت أيضاً إلى أنه، حسب إحصاءات أولية، هناك مثلاً أكثر من 400 سائق دراجة، وخمسة آلاف سائق سيارة لا يعملون حالياً، خصوصاً أولئك الذين يعتمدون على تطبيقات شركات التاكسي التي تعمل بالإنترنت حصراً.
وطال الحظر بشكل كبير أيضا مكاتب السياحة والسفر التي توقفت حجوزاتها بشكل شبه تام، ووصلت خسائرها إلى نحو «15 ألف دولار يومياً»، حسب ما قالت موظفة في شركة معروفة في العاصمة.
وأضافت في مقابلة «لم نتمكن من حجز أي رحلات. كان بديلنا الوحيد العمل عبر الهاتف مع شركات في أربيل»، كبرى مدن إقليم كُردستان في شمال العراق الذي لم يطله الحجب لارتباطه بالشبكة من خلال نظام مختلف.
لكن ذلك لا يحقق أي أرباح للشركات، بل فقط يخدم الاستمرارية في سوق العمل والحفاظ على الزبائن.
وقطعت السلطات العراقية العام الماضي خدمة الإنترنت والاتصالات الدولية، رداً على احتجاجات مطلبية حينها في جنوب العراق.
ويؤثر الحظر أيضاً على بعض الوظائف والمداخيل. وتقول الموظفة في شركة السفر «بسبب أزمة الإنترنت ترك أربعة من زملائنا العمل، لتخوفهم من عدم حصولهم على رواتب». ويعزّز هذا الخوف أن «غالبية شركات السياحة قلّلت رواتب موظفيها بنسبة 30 في المئة».
ويؤكد مزودو خدمة الإنترنت في العراق لعملائهم أنه لا يمكن تحديد موعد معين أو جدول زمني لعودة الإنترنت أو رفع القيود الحالية.
وأعلنت وزارة الاتصالات نهاية الأسبوع الماضي أنها استحصلت على الموافقات الرسمية بشأن إعادة خدمة الانترنت «على مدار الساعة ودون انقطاع»، لكن ذلك لم يترجم واقعا.
القدس العربي