تماما مثل أغلب المنتجات الأساسية الأخرى الموجودة في الأسواق، تشهد أسعار النفط الخام تقلبات كبيرة تتراوح بين فترات النقص الشديد وارتفاع الطلب وزيادة الأسعار من جهة، وفترات زيادة العرض وانخفاض الطلب وهبوط الأسعار من جهة أخرى.
ويرجح أن تدوم “دورات سعر” النفط الخام هذه عدة سنوات، اعتمادا على متغيرات على غرار الطلب على النفط وكمية النفط المكتشفة ومعالجته وبيع المنتجين الرئيسين له.
وقال الكاتب أليكس كيماني، في تقرير بموقع “أويل برايس” الأميركي، إنه منذ الأيام الأولى للإنتاج التجاري في باكو بأذربيجان، نجم عن الأحداث الاقتصادية والسياسية والتطورات التكنولوجية والتغيرات في صناعة النفط تقلب في الأسعار، ما زال مستمرا إلى الآن.
بداية حمى الذهب الأسود (1800 – 1869)
تعود جذور صناعة النفط الحديثة إلى باكو، حيث أنشئت أول مصفاة تجارية في سنة 1837 لتقطير النفط إلى بارافينات لاستخدامه لأغراض التدفئة والإضاءة.
وفي الواقع، غرق أول بئر نفط حديث بباكو في سنة 1846، حيث بلغ عمقه 21 مترا، ويمثل الحقل النفطي الواحد أكثر من 90% من الإنتاج العالمي، حيث وجد أغلب النفط طريقه إلى إيران.
وسرعان ما شهد العديد من آبار النفط التجارية المصير ذاته بولندا 1854، وبوخارست في رومانيا 1857، وأونتاريو في كندا 1858 وبنسلفانيا في أميركا 1859.
وكانت ولاية بنسلفانيا أول مركز لحمى التنقيب عن الذهب الأسود، حيث أنتجت حوالي 50% من الإنتاج العالمي للنفط، وارتفعت أسعار النفط بسرعة كبيرة من 0.49 دولار للبرميل سنة 1861 إلى 6.59 دولارات للبرميل سنة 1865، وهو ما يمثل ارتفاعا هائلا بنسبة 1245% في غضون أربع سنوات فحسب.
ثورة السيارات (1870 – 1913)
في الوقت الذي يزعم فيه بعض علماء الاقتصاد أن صناعة النفط الحديثة لم تبدأ إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية من خلال إطلاق “خطة مارشال”، حيث كان جزء منها بمثابة اتفاق البيع المشروط لجميع اللاعبين، يجادل آخرون بأن تأسيس شركة ستاندرد أويل لمالكها جون دافيسون روكفلر في سنة 1870 في ولاية أوهايو منصة انطلاق حقيقية لهذه الصناعة.
أفاد الكاتب بأن من المحتمل أن يعود أصول الكثير من شركات النفط الحديثة إلى أوائل القرن العشرين، فقد أدى اكتشاف النفط في سبيندلتوب في ولاية تكساس إلى تأسيس شركة تكساكو وشركة غولف أويل في سنة 1901، كما أدت الضغوط التنافسية المتزايدة إلى اندماج شركة شل ورويال داتش سنة 1907 لتكوين شركة رويال داتش شل.
وتأسست شركة “بي بي”، المعروفة سابقا باسم شركة النفط الأنغلو إيرانية، سنة 1908 عقب اكتشاف النفط في إيران.
وظهرت أيضا شيفرون وأكسون وموبيل (أصبحت الآن أكسون موبيل) سنة 1911 إثر انفصال شركة ستاندرد أويل، في أعقاب قرار مكافحة الاحتكار الصادر عن المحكمة العليا الأميركية.
وواصلت شركات النفط السبع الكبرى السيطرة على 85% من احتياطي النفط في العالم خلال سنواتها الذهبية في سبعينيات القرن الماضي.
اكتشافات النفط والحروب والأزمات (1914 – 1949)
إن اكتشاف النفط بولاية أوكلاهوما سنة 1912 يعتبر علامة فارقة من حيث صناعة النفط الأميركية، خاصة وأن المنطقة أضحت واحدة من أهم حقول النفط بالبلاد.
والجدير بالذكر أنها أصبحت أيضا نقطة تسوية لسعر نفط خام غرب تكساس الوسيط، وهو مؤشر عالمي رئيس لأسعار النفط.
فيما شهدت العقود الأربعة والنصف التالية اضطرابا، واتسمت هذه الفترة بسلسلة من الحروب الكبرى والأزمات الاقتصادية، التي كان لها تأثير مهم على أسعار النفط.
ومثل اكتشاف النفط شرق تكساس سنة 1930 أحد أبرز النقاط في هذه الفترة نظرا لأنه ساعد في خلق وفرة نفطية تزامنت مع الكساد الكبير الذي تسبب تبعا لذلك في انخفاض الأسعار من 1.19 دولار سنة 1930 إلى 0.65 دولار سنة 1931.
وتماما كما حصل خلال الحرب العالمية الأولى، حفزت بداية الحرب العالمية الثانية دفع وتعزيز أسعار الطلب، ومع ذلك كان التأثير أقل حدة هذه المرة بسبب المعروض العالمي الوفير.
معركة للسيطرة على الإنتاج (1950 – 2003)
بشرت نهاية الحرب العالمية الثانية بفترة بذل فيها العديد من الدول جهودا متضافرة للسيطرة على إنتاج النفط العالمي، إلى جانب تأميم العديد من الحكومات لبنيتها التحتية للنفط.
وفي الفترة الممتدة بين سنة 1950 و1990، أممت كل من إيران وإندونيسيا والسعودية صناعاتها النفطية جزئيا.
وانبثقت أزمة السويس التي شهدتها مصر بين سنة 1956 و1957 حينما تم تأميم هذه القناة التي يتدفق من خلالها حوالي 5% من نفط العالم.
ومع ذلك، ظهرت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بصفتهما أكبر الدول المؤثرة من حيث التحكم بالإنتاج.
وفي أواخر الخمسينيات، بدأ الاتحاد السوفيتي في غمر السوق بالنفط الزهيد مما دفع بالشركات الكبرى إلى خفض الأسعار في محاولة للحفاظ على قدرتها التنافسية.
واستجابة لهذه التطورات، تعاونت السعودية وإيران والعراق والكويت وفنزويلا وأنشأت منظمة أوبك باعتبارها وسيلة لتقليل المنافسة بين بلدانهم ولتحقيق تأثير أكبر في التحكم بالعرض. وواصلت أوبك توسيع عضويتها على مدار العقدين التاليين.
وفي الفترة بين سنة 1960 و1976، تحكم معظم هذه البلدان في احتياطياتها النفطية عن طريق شراء أسهم شركات النفط الكبرى أو الاستحواذ عليها بالقوة.
في تلك الفترة، وقع اكتشاف النفط في بحر الشمال في منطقة خاضعة لسيطرة المملكة المتحدة والنرويج. كذلك، خفضت إيران الإنتاج خلال الثورة الإيرانية (1978 – 1979) والحرب الإيرانية العراقية في فترة ما بين 1980- 1988، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى 36.83 دولارا.
في المقابل، انخفضت الأسعار مرة أخرى بسبب تذبذب الطلب فضلا عن رفع الاتحاد السوفيتي (سابقا) الإنتاج، الذي أصبح أكبر منتج في العالم في سنة 1988.
التصديع المائي والبيئة المتغيرة (2003- حتى الوقت الحاضر)
أدى اجتياح الولايات المتحدة للعراق لظهور شكوك تتعلق بحجم الإمدادات، وازداد الأمر تعقيدا مع النمو الهائل في الطلب من قِبل آسيا والصين، ونتيجة إلى ذلك قفزت الأسعار من 28.38 دولارا للبرميل في يوليو/تموز سنة 2000، إلى 146.02 دولارا في يوليو/تموز سنة 2008.
والتصديع المائي أو التكسير الهيدروليكي هو تقنية يتم من خلالها استخلاص النفط والغاز عبر تكسير الصخور بشكل اصطناعي باستخدام السائل المضغوط.
كما انخفضت الأسعار بسبب الأزمة المالية العالمية لسنة 2008 قبل العودة للارتفاع من جديد. وفي السياق، تسبب الربيع العربي لسنة 2011 في نقصٍ بالإمدادات وساعد في رفع الأسعار إلى 126.48 دولارا للبرميل.
وعلى صعيد آخر، غيرت التطورات التكنولوجية الأخيرة بشكل كبير المشهد العالمي للنفط. ودفعت تقنية التصديع المائي الولايات المتحدة إلى صدارة القائمة مرة أخرى، مما قلص من تأثير منظمة أوبك وخفض الأسعار.
وأدت الفوائض في السوق من الصخر الزيتي الأميركي إلى انخفاض حاد في أسعار النفط العالمية، من 114.84 دولارا للبرميل في يونيو/حزيران سنة 2014، إلى 28.47 دولارا في يناير/كانون الثاني سنة 2016.
ونتيجة لذلك، انتعشت الأسعار نوعا ما لكنها لم تقترب أبدا من المستويات التي شهدتها خلال العقد الماضي.
لكن مع استمرار ارتفاع مستويات إنتاج الصخر الزيتي وضعف الاقتصاد العالمي، من المتوقع أن تظل الأسعار منخفضة مع إمكانية بلوغ متوسط الأسعار 66 دولارا للبرميل سنة 2019، و65 دولارا للبرميل سنة 2020.
المصدر : مواقع إلكترونية