دمشق – يقول دبلوماسيون إن إصرار الولايات المتحدة على السيطرة على حقول النفط السورية، يندرج ضمن رغبة واشنطن في إبقاء أوراق ضغط على كل من دمشق وموسكو، وحتى لا تجد نفسها خارج مدار اللعبة، خاصة بعد إعلان انسحابها من شمال شرق سوريا، على خلفية العملية العسكرية التركية ضد الأكراد.
وعلى غرار العقوبات التي فرضتها مع باقي الحلفاء الغربيين تباعا على نظام الرئيس بشار الأسد منذ عام 2012، تسعى واشنطن من خلال وضع يدها على حقول النفط الموجودة في دير الزور الحدودية مع العراق إلى استثمار الورقتين للمقايضة مع بدء العملية السياسية.
وتنطلق، الأربعاء، أعمال اللجنة الدستورية السورية في الأمم المتحدة، بمشاركة أعضاء الهيئة الموسعة الـ150، موزعين على 3 قائمات تمثل النظام، والمعارضة، ومنظمات المجتمع المدني. ويشكل هذا التطور خطوة أولى في مسار سياسي طويل يأمل السوريون في أن ينهي الحرب المندلعة منذ عام 2011.
ويقول متابعون للمشهد السوري إن انطلاق عمل اللجنة الدستورية بعد أشهر طويلة من تعثر تشكيلها، لا يعني أن الطريق بات معبدا، ذلك أن كل طرف محلي وإقليمي ودولي منخرط في الصراع له رؤية مختلفة لتحقيق السلام في هذا البلد، فدمشق وموسكو من جهتهما تريدان الإبقاء على مركزية الحكم مع بعض التعديلات على خلاف واشنطن وحلفائها.
وبحسب المصادر المطلعة، فإن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تتحدث عن أن عملية دستورية، تليها الانتخابات والحكم الانتقالي المشترك، هي التي تحدد مسار العملية السياسية وفقا للقرار الأممي 2254.
وتدرك واشنطن أن الانسحاب العسكري الكامل من سوريا، يضعف موقفها إلى حد بعيد في فرض رؤيتها السياسية. وبالتالي فإنه من الضروري جدا الاستعاضة عن ذلك بأوراق قوية مثل السيطرة على منابع النفط في سوريا، والإبقاء على ورقة العقوبات، وملف إعادة الإعمار.
وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الاثنين، أن الولايات المتحدة ستتصدى لأي محاولة لانتزاع السيطرة على حقول النفط من أيدي الجماعات السورية المسلحة المدعومة من الولايات المتحدة باستخدام “القوة الساحقة”، سواء كان الخصم تنظيم الدولة الإسلامية أو قوات مدعومة من روسيا أو سوريا.
وكشف الجيش الأميركي، الأسبوع الماضي، عن نيته تعزيز وضعه في سوريا بأصول إضافية تشمل قوات ميكانيكية. وبدأ الجيش فعليا في إرسال تعزيزات إلى شرق البلاد نهاية الأسبوع، حيث دخلت قافلة عسكرية ترفع أعلاما أميركية إلى سوريا من العراق المجاور.
وفي إفادة صحافية، الاثنين، قدم وزير الدفاع مارك إسبر بعضا من تصريحاته الأكثر تفصيلا إلى الآن، حول مهمة إعادة نشر قوات أميركية في دير الزور.
وقال إسبر، “ستبقى القوات الأميركية متمركزة في هذه المنطقة الاستراتيجية للحيلولة دون وصول الدولة الإسلامية إلى تلك الموارد الحيوية. وسنرد بالقوة الساحقة على أي جماعة تهدد سلامة قواتنا هناك”. وعند ملاحقته بالأسئلة عما إذا كانت مهمة الجيش الأميركي تشمل الحيلولة دون وصول أي قوات روسية أو تابعة للحكومة السورية إلى حقول النفط، قال إسبر “الإجابة المختصرة نعم، إنها موجودة بالفعل”.
واعتبر الخبير في النزاع السوري في مركز الأمن الأميركي الجديد لوكالة الصحافة الفرنسية، أن إدارة دونالد ترامب تحاول “جعل أفضل الموارد النفطية للبلاد رهينة واستخدامها عملة للمقايضة، من أجل إجبار نظام الأسد وحماته الروس على قبول مطالب الولايات المتحدة”، خلال التسوية السياسية للنزاع.
ولفت نيك هيراس أن “مهمة الولايات المتحدة تحولت من القتال النبيل في مواجهة أكثر منظمة إرهابية مكروهة في العالم إلى مناورة وهمية لإجبار الأسد على تغيير سلوكه عبر مصادرة النفط”.
ولفت إسبر إلى أن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة اعتمدت على الدخل من هذا النفط لتمويل مقاتليها، ومنها القوات التي تحرس السجون التي تحتجز مقاتلي داعش. وأضاف“نريد التأكد من أن قوات سوريا الديمقراطية تستطيع الوصول إلى هذه الموارد كي تحرس السجون وكي تسلح قواتها وتساعدنا في هزيمة الجهاديين”.
ولا يزال أكراد سوريا يقيمون علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة رغم المرارة التي خلفها انسحاب واشنطن من شمال شرق سوريا، والذي أعطى الضوء الأخضر لتركيا لشن عملية عسكرية تستهدفهم.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن في السادس من أكتوبر الجاري سحب الجنود الأميركيين الألف المنتشرين في شمال شرقي سوريا، لكنه قال، الأربعاء، إن “عددا قليلا من الجنود” سيبقون في سوريا “في المناطق التي تحوي نفطا”، مشددا “قمنا بضمان أمن النفط” و”سنقوم بحمايته وسنقرر ماذا سنفعل في المستقبل”.
ويثير قرار واشنطن بإبقاء سيطرتها على حقول النفط غضب روسيا، التي اتهمت، السبت، الولايات المتحدة بممارسة “اللصوصية”.
العرب