مستقبل النفط

مستقبل النفط

هذا لا يعني أن صناعة البترول ستموت. الحقيقة أن صناعة المواد البلاستيكية، التي يجري اشتقاق الجزء الأكبر منها من النفط، ستستمر في لعب دور مهم في مجموعة متنوعة وهائلة من التطبيقات الاستهلاكية والصناعية. وستستغرق الطائرات والسفن وقتاً أطول في التحول بعيداً عن أنماط الوقود المعتمدة على البترول. ومع هذا، فإن ما سبق ذكره يعني أن الاستهلاك في طريقه إلى الانكماش. وبينما من عقد مضى كان الناس يتحدثون بخوف عن نفاد إمدادات النفط، يتوقع البعض اليوم أن يبلغ الطلب على النفط ذروته، في غضون سنوات قليلة.
والمؤكد أن تراجع الطلب سيدفع الأسعار نحو انخفاض شديد، الأمر الذي سيقلص أرباح شركات استخراج النفط ومعامل التكرير. والملاحظ أن أسعار أسهم شركات النفط الكبرى تراجعت في السنوات الأخيرة بالفعل.
ومع ذلك، فإن الألم الذي ستشعر به هذه الشركات الكبرى والمنتجون الأصغر سيكون مجرد البداية. جدير بالذكر أن هذه الشركات تقف في قلب شبكة ضخمة من جهات الإمداد وشركات الخدمات النفطية، التي ستشعر بوطأة تراجع الطلب. كما أن المناطق المعتمدة بشدة على الصناعات المرتبطة بالنفط ستتعرض لمعاناة اقتصادية.
وتتمثل أكبر وأغنى هذه المناطق في تكساس، التي لا تزال تنتج أكثر من ثلث الإنتاج الأميركي من النفط، واستفادت على نحو هائل من ازدهار الطلب على النفط. من جانبها، تحولت هوستون إلى مدينة كبرى متألقة تجذب إليها الموهوبين والمهرة من شتى أرجاء العالم للعمل بمجال التكنولوجيات المتقدمة التي تدعم صناعة البترول.
ومع أن الولاية نجحت في تنويع اقتصادها بدرجة كبيرة منذ ثمانينات القرن الماضي، فإن بعض التقديرات تشير إلى أن واحدة من كل 8 وظائف بالولاية يدعمها النفط. ورغم أن حدوث انكماش هيكلي كبير في صناعة النفط لن يدمر اقتصاد تكساس، فإنه سيخلّف وراءه آثاراً قاسية تستمر لعقود. والملاحظ أن الصناعة تفقد بالفعل وظائف، جراء انخفاض الأسعار.
وتواجه ولايتا أوكلاهوما ولويزيانا القريبتان أخطاراً لا تقل حدة، مثلما الحال مع كثير من الولايات التي تتسم بانخفاض أعداد سكانها، مثل نورث داكوتا وويومينغ.
ولذلك، فإنه يتعيّن على العاملين بصناعة النفط الاستعداد لهذا التحول. بالنسبة للعمال المعتمدين على المعرفة، مثل الجيولوجيين والكيميائيين ومهندسي البرامج، يعني ذلك تنمية مهارات فنية يمكن أن تفيدهم، مثل تكنولوجيا المعلومات والصناعات الدوائية والرعاية الصحية والتمويل. أما المديرون، فإن ذلك يعني بناء شبكة من الاتصالات المهنية خارج نطاق صناعة النفط والغاز.
لكنّ هناك احتمالاً كبيراً أن تتمكن مدينة كبرى، مثل هوستون، من استغلال التركيزات الحالية من رؤوس الأموال البشرية في اجتذاب صناعات جديدة. وخلال عقدين، ربما تتمكن هوستون من التحول إلى مركز للتكنولوجيا الحيوية.
في المقابل، يواجه العمال منخفضو المهارة صعوبات أكبر بكثير. وعلى النقيض من صناعة النفط، التي انكمشت على مر السنوات إلى نحو 50 ألف عامل فقط بالمناجم، تضم صناعة النفط والغاز أكثر عن 700 ألف عامل. ومثلما حدث مع العمال بقطاع التصنيع الذين خسروا وظائفهم بسبب المنافسة الصينية خلال العقد الأول من القرن الحالي، أو عمال البناء الذين جرى تسريحهم خلال فترة الركود الكبير، فإن هؤلاء العمال سيواجهون صعوبة في العثور على وظائف بأجور مشابهة.
وستزداد المشكلة تعقيداً أمام من يعيشون في مدن صغيرة، الذين نشأوا حول مواقع استخرج النفط. الملاحَظ أن الأميركيين يبدون استعداداً أقل للتنقل من مكان لآخر بحثاً عن فرص العمل خلال العقود الأخيرة، في الوقت الذي لم تعد المدن الكبرى أرض الفرص أمام مَن لا يتمتعون بمستوى متقدم من التعليم. وربما يترك انحسار صناعة النفط البلاد في مواجهة مزيد من مدن الأشباح شبه الخالية التي عجزت عن سداد تكلفة بنيتها التحتية، وأصبحت في مهبّ جرائم المخدرات وإدمان الكحوليات والانتحار.