“في 31 تشرين الأول/أكتوبر، خاطب هارون زيلين وديفورا مارغولين وأمارناث أماراسينغام منتدى سياسي في معهد واشنطن. وزيلين هو زميل “ريتشارد بورو” في المعهد ومؤلف الكتاب القادم “أبناؤكم في خدمتكم: مبشرو الجهاد في تونس”. ومارغولين هي زميلة باحثة أقدم في “برنامج التطرف” بجامعة جورج واشنطن. وأماراسينغام هو أستاذ مساعد في “كلية الدين” بجامعة كوينز، أونتاريو، وزميل باحث أقدم في “معهد الحوار الاستراتيجي”. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهم”.
هارون زيلين
في 31 تشرين الأول/أكتوبر، أصدر تنظيم «الدولة الإسلامية» بياناً أكّد فيه وفاة قائده أبو بكر البغدادي وأعلن أن أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، الاسم المستعار المفترض لنائب البغدادي السابق حجي (حاجي/الحاج) عبد الله سيكون “الخليفة” الجديد للتنظيم. ومن المرجح أن تشهد الأيام المقبلة انتشار “المبايعة” من مناصري التنظيم، لأن مثل هذه التعهدات خاصة بزعيم معيّن وليست بجماعة معينة وبالتالي يتعيّن تجديدها مع كل خلافة. ومن المتوقع أيضاً تسجيل رسائل فيديو من “ولايات” تنظيم «الدولة الإسلامية» في جميع أنحاء العالم تعترف بالخليفة الجديد.
ولم يظهر الزعيم السابق أبو عمر البغدادي علانية أبداً، كما لم يفعل ذلك أبو بكر البغدادي حتى عام 2014، أي بعد أربع سنوات من توليه منصب القائد، وبالتالي، ربما يتجنب الخليفة الجديد ظهوراً علنياً كبيراً. ومن غير المرجح أيضاً أن يؤدي تعيينه إلى إثارة التقاء أيديولوجي مع الجماعات الجهادية المتنافسة مثل تنظيم «القاعدة».
وعلى صعيد العمليات، من غير المرجح أن تؤدي وفاة البغدادي إلى إعاقة الأنشطة اليومية للتنظيم. ويمثل استمرار وجوده خلال زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق و “الصحوة” القبلية في الفترة 2007-2009 خير دليل على قدرته على التكيّف. ومنذ عام 2016، أشار المتحدث السابق باسم التنظيم أبو محمد العدناني إلى أن خسارة الموصل وسرت والرقة لن تشكل هزيمة حقيقية؛ فالهزيمة الإقليمية بالنسبة لـ تنظيم «داعش» هي مجرد اختبار من الله. وبالفعل، ادّعى تنظيم «الدولة الإسلامية» تنفيذه أكثر من 600 هجوم في سوريا منذ نهاية آذار/مارس.
ويشكّل مخيم الهول للاجئين في سوريا مبعث قلق شديد للغاية. فإلى جانب المتواجدين فيه والبالغ عددهم 68 ألف شخص، يضمّ المخيّم ملحقاً منفصلاً للأجانب مع قسم يُطلق عليه اسم “جبل الباغوز” حيث تعمل أكثر عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» تطرفاً كقوة “حسبة”، أو شرطة الأخلاق. ومع ذلك، ليس كل مَن في المخيّم متعاطف مع الجهاديين، فقد كان بعض القاطنين ضحايا لانتهاكات تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن بين الجوانب الأكثر إثارة للقلق في هذه المنشأة هي هندستها الأمنية الضعيفة وإمكانية الهروب منها؛ وقد سبق أن فرّ أفراد من تنظيم «داعش» من مخيّم مماثل في عين عيسى. ومثلما ساعدت حملة “كسر الجدران” في العراق في الفترة 2012-2013 على تجديد صفوف الجماعة، يُمكن للفرار الجماعي من المخيّمات والسجون السورية أن يساعد تنظيم «الدولة الإسلامية» على استئناف مشروع خلافته المتعددة الأجيال.
وحتى الآن، تخلّت الدول الغربية عن مسؤولياتها عن مواطنيها الذين لا يزالون متواجدين في مثل هذه المنشآت – سياسة تقوم على مبدأ “بعيد عن العين بعيد عن القلب” وهي غير مستدامة وسوف ترتد عليها في نهاية المطاف. وإذا سيطر نظام الأسد على السجون، فسوف يعمد إما إلى إعدام المعتقلين من الدول الغربية أو استخدامهم كورقة مساومة. ومن خلال إعادة هؤلاء المواطنين إلى أوطانهم، ستكتسب الدول الغربية قدراً أكبر من المعلومات الاستخباراتية وتقلّص صفوف التنظيم المحتملة في ساحات الحرب. وفي الوقت نفسه، تحتاج الولايات المتحدة إلى العمل على إعادة بناء الثقة مع «قوات سوريا الديمقراطية»، شريكها الرئيسي في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» قبل انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا.
ديفورا مارغولين
يكتسي سياق وفاة البغدادي أهمية لسببين. أولاً، أنه قُتل في إدلب، منطقة معروفة بإيواء جماعات إرهابية أخرى ربما كان يعوّل عليها للحماية أو لأغراض أخرى. ومع ذلك، فإن أي تعاون من هذا القبيل كان من شأنه أن يكون على المستوى التكتيكي وليس على المستوى الأيديولوجي. ثانياً، أنّه قتل نفسه مرتدياً حزام ناسف، وكانت زوجتاه ترتديان حزامان مماثلان عند أسرهما. وهذا أمر بارز لأن الانتحار محظور في الإسلام، إلا ضمن فتوى واحدة تنطبق بوضوح على النساء.
وحين كان البغدادي زعيماً للتنظيم، كان يتمتع بثلاث سمات قوية: تحصيل ديني، ونسب عائلي من قبيلة قريش المبجلة، وخبرة تكتيكية كقائد عسكري. ومع ذلك، ستصمد إيديولوجيا التنظيم على الرغم من تعيين قائد جديد، كما أن واقع اختيار القرشي من قبل مجلس شورى يدل على أن بيروقراطية تنظيم «داعش» سليمة أيضاً.
وستواصل النساء الاضطلاع بدور مهم لصالح تنظيم «الدولة الإسلامية». وكان التنظيم قد لجأ في بادئ الأمر إلى الدعاية من أجل إقناعهن بالانضمام إلى دولة الخلافة كزوجات وأمهات ومربيات، واعداً إياهن بأن يكنّ حاملات لشعلة الجهاد وعضوات في جماعة أخوية. وأدت خسارة الأراضي إلى حدوث تحوّل في هذه الرسائل – ومنذ ذلك الحين، سمح تنظيم «الدولة الإسلامية» للنساء بحمل السلاح.
وعلى الرغم من أنه يمكن النظر إلى بعض النساء كمرتكبات جرائم تحت راية تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا أنه يجب معاملة كافة الأطفال الذين شهدوا أعمال عنف وشاركوا فيها تحت الإكراه على أنهم ضحايا. وإذا ما تفككت مخيمات اللاجئين وهرب قاطنوها، فقد يضمهم التنظيم إليه أو يستهدفهم نظام الأسد وفصائل أخرى باعتبارهم أعضاء في تنظيم «الدولة الإسلامية». ولهذا السبب، يحتاج المجتمع الدولي إلى فصل النساء والأطفال إلى مجموعتين، ومواصلة تحديد النساء المتطرفات على أساس كل حالة على حدة، وإعادة جميع المقاتلين الأجانب إلى أوطانهم.
وبالفعل، يشكل المحتجزون في سوريا معضلة إنسانية وأخلاقية وأمنية. يتعيّن على المجتمع الدولي ضمان حصول محاكمات عادلة وإعادة تأهيل هؤلاء السجناء وإعادة إدماجهم. يجب على هذا المجتمع ألّا يَسمح بإدانة أفراد تنظيم «الدولة الإسلامية» المشتبه بهم بموجب ما يسمى “محاكمة العشر دقائق” المنتهجة في العراق. فالدول الغربية تمتلك أنظمة قضائية وعقابية قوية وهي قادرة على إدارة هذا الوضع. إن احتمال تشكيل محكمة دولية في العراق أمر مشكوك فيه للغاية، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن روسيا اعترضت بشكل واضح على الفكرة.
أما بالنسبة لمستقبل تنظيم «الدولة الإسلامية»، فلا ينبغي للمسؤولين التقليل من قدرة التنظيم على استعادة قوته. يجب عليهم أن يفكروا أيضاً في احتمال قيام الجماعات التابعة لهذا التنظيم بالضغط على القيادة المركزية، كما فعل تنظيم «القاعدة في العراق» ضد تنظيمه الأم قبل سنوات.
أمارناث أماراسينغام
إن تركيبة مخيم الهول فريدة من نوعها. ومقارنةً بمخيم الروج الأكثر تقليدية، الذي يستوعب 1700 شخص ويضم إلى حد كبير لاجئين غير متطرفين من الموصل، فإن مخيم الهول مكتظ بأفراد من أكثر من ستين دولة، من بينهم العديد من أتباع تنظيم «الدولة الإسلامية». وهؤلاء النزلاء الذين كانوا موجودين هناك أساساً عندما تم تغيير الغرض من المخيم عام 2016 يُعتبرون مرتدين من قبل أفراد تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذين أطلقوا تهديدات وارتكبوا أعمال عنف بحقهم. كما يقوم هؤلاء المتطرفون بزرع الحقد في عقول أطفالهم تجاه أفراد «قوات سوريا الديمقراطية» الذين يحرسون المخيم.
وقد تأثر الأطفال على نحو فريد بـ تنظيم «الدولة الإسلامية» بأربع طرق رئيسية. أولاً، أنهم يعانون نقصاً في التعليم نتيجة منعهم من قِبل أهاليهم من ارتياد مدارس التنظيم في أيام الخلافة. ثانياً، عانى الكثير منهم من فقدان أحد الوالدين و/ أو الأخوة. ثالثاً، يعاني الكثيرون منهم من صدمات بسبب تعرضهم العام للعنف، بما في ذلك عمليات الإعدام والقصف المدفعي وضربات الطائرات بدون طيار وقطع الرؤوس. رابعاً، إنهم يعايشون الآن تجربة اللاجئين، والتي تشمل انعدام الأمن الغذائي والقلق والاكتئاب وذنب البقاء على قيد الحياة وفقدان الثقافة والانفصال عن بيئتهم وضرورة تعلّمهم لغة جديدة.
أما بالنسبة لوجود الأجانب في الهول، فقد أُبلغ الباحثون الذين زاروا المخيم مؤخراً أنه لا يمكن إجراء مقابلات مع الموقوفين الأمريكيين. ويتردد أن الولايات المتحدة نقلت مواطنيها من الهول إلى مخيمات أصغر حجماً، على الرغم من أنه لم يتم الإبلاغ عن أماكن تواجدهم. وعلى أي حال، يتعين على واشنطن وحلفائها البدء بتحضيرات لإعادة السجناء وإعادة إدماجهم، والبقاء متيقظين حيال صعوبة محاكمة المقاتلين بموجب القوانين الحالية. ومن غير المرجح تشكيل محكمة دولية في العراق لأنها ستحتاج إلى دعم بالإجماع في مجلس الأمن الدولي. سيتوجب على الدول الأعضاء الاتفاق أيضاً على قضايا مثل مَن سيُحاكَم. ونظراً لهذه الصعوبات، على الدول استعادة مواطنيها بموجب بروتوكول منهجي. ومن المهم أيضاً أن تواصل القوات الأمريكية غاراتها على الخلايا النائمة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية».