بغداد – فيما توجه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر ورئيس تحالف الفتح هادي العامري إلى طهران كل على انفراد بحثا عن حل لأزمة الاحتجاجات الشعبية التي تواجه الحكومة العراقية، استجابت بغداد ومدن في وسط وجنوب العراق، الأحد، لدعوات الإضراب عن الدوام التي أطلقها المحتجون والنشطاء من ساحة التحرير.
وقال مراسل “العرب” في بغداد، إن الطرق الرئيسية والتقاطعات المرورية في الجزء الشرقي من العاصمة العراقية، أغلقت بالكامل، فيما توقفت الحركة في مناطق واسعة من الجزء الغربي، استجابة للإضراب.
وذكر شهود عيان أن عددا محدودا من الموظفين في بغداد حاول الوصول إلى الدوائر الرسمية للالتحاق بالعمل، لكن الحواجز التي نصبها المتظاهرون منعت ذلك.
وسجلت مدينة الكوت، مركز محافظة واسط، وسط البلاد، الاستجابة الأكبر للإضراب، إذ أغلقت معظم الدوائر أبوابها تلقائيا، وخلت المدارس والجامعات من الطلبة. وفي الناصرية، جنوبا، قطع المحتجون الجسور الرئيسية وسط المدينة صباحا، لمنع الموظفين من الوصول إلى الدوائر، ما تسبب في شلل كامل طيلة ساعات.
وأضرب الموظفون والطلبة في الديوانية والحلة والنجف وكربلاء والمثنى كليا أو جزئيا عن العمل والدراسة، فيما حاول محتجون نصب خيم اعتصام عند مداخل مؤدية إلى حقول نفط في محافظتي البصرة وميسان تعمل فيها شركات أجنبية، بغية تعطيل العمل فيها.
وقال ناصر الأسدي، أحد نشطاء محافظة ميسان، إن “المئات قطعوا الطرق المؤدية إلى الحقول النفطية في منطقة المشرح بمحافظة ميسان، ومنعوا الموظفين من الالتحاق بوظائفهم”.
ويعتقد مراقبون أن إضراب الموظفين والطلبة وتعطيل قطاع النفط، سيشلان البلاد بشكل عام، ما قد يجبر الحكومة على أحد خيارين، الأول اللجوء إلى المزيد من العنف لإنهاء التظاهرات، أو الاستجابة لمطالب المحتجين.
العامري يعرض على خامنئي بدائل عبدالمهدي
قصي السهيل
عدنان الزرفي
عبدالحسين عبطان
لكن كلا الحلين، وفقا لمراقبين، يتضمن بشكل مباشر أو غير مباشر خسائر هائلة للطبقة السياسية، المتهمة بالولاء للخارج وسرقة المال العام وسوء إدارة الدولة.
ويأتي الإضراب العام في وقت تبحث فيه الأحزاب والتيارات العراقية عن مخرج للأزمة الخانقة التي فرضتها حركة الاحتجاج العراقية، وهي تدخل يومها الرابع بعد الثلاثين.
وعلمت “العرب” أن “زعيم التيار الصدري، وزعيم تحالف الفتح هادي العامري، توجها إلى إيران، كل على حدة”. والصدر والعامري، هما الطرفان السياسيان اللذان رشحا عادل عبدالمهدي لتشكيل الحكومة الحالية، وضمنا لها المرور عبر البرلمان.
وقالت مصادر سياسية، إن زيارة الصدر إلى إيران كانت مقررة منذ أيام، لكن زيارة العامري كانت طارئة. وبحسب المصادر فإن العامري سيطلب من المرشد الأعلى علي خامنئي، تخفيف شروط التفاوض في بغداد للخروج من الأزمة.
وحتى الساعة، ترفض طهران أن تقدم الطبقة السياسية التي ترعاها في العراق أي تنازلات لحركة الاحتجاج، بما في ذلك استقالة حكومة عبدالمهدي، التي تبدو في أضعف حالاتها، وخسرت احترام الشارع لها، بعد سيل الدماء الذي تورطت فيه ضد المحتجين.
وذكرت المصادر في تصريح لـ”العرب” أن العامري سيعرض عددا من المرشحين على طهران، لتوافق على أحدهم، كي يجري تكليفه بتشكيل حكومة جديدة، مشيرة إلى أن قائمة المرشحين المحتملين لخلافة عبدالمهدي تشمل “قصي السهيل عن ائتلاف دولة القانون، وعدنان الزرفي عن تحالف النصر وعبدالحسين عبطان عن تيار الحكمة”، ما يؤكد تشبث الطبقة السياسية بآلياتها في التغيير، برغم الغضب الكبير في الشارع.
ولا تستبعد المصادر أن يلتقي الصدر بالعامري عبر رعاية إيرانية، برغم أن مدينة الصدر، التي تضم الجانب الأكبر من زعيم التيار الصدري، بدأت إضرابا مفتوحا عن العمل، إلى حين الاستجابة للمطلب الرئيسي لحركة الاحتجاج، وهو إسقاط النظام السياسي القائم.
ويتوقع أن يواجه الصدر والعامري في طهران بصمت إيراني يدفع بالأزمة إلى حدودها القصوى منعا لقيام أي حوار مع المحتجين وعدم التطرق إلا إلى الحقوق الخدمية التي يمكن أن تقوم أي حكومة بالتفاوض في شأنها وهو ما ييسر لحكومة عبدالمهدي البقاء.
غير أن اللافت في الأمر أن عادل عبدالمهدي نفسه يبدو معزولا عن محاولات تحريك الأزمة بحثا عن حل لا يغضب إيران وهي المعنية بشكل مباشر بالشعارات التي يرفعها المحتجون.
ويتصرف عبدالمهدي كما لو أن حكومته قد تمت إقالتها وهو ما يفعله الآخرون الذين صاروا يتصرفون كما لو أن عبدالمهدي لم يعد في السلطة. وهو ما يمكن أن يزيد الحوار مع إيران تعقيدا. ذلك لأن إيران تخشى أن يكون سقوط الحكومة جراء الضغط الشعبي مقدمة لانهيار النظام كله.
واستبعد مراقب سياسي عراقي نجاح زيارة الصدر والعامري إلى طهران، فإضافة إلى أنها تشكل اعترافا علنيا بالوصاية الإيرانية فإنها لن تؤدي إلى نتائج حاسمة على مستوى حلحلة الأزمة.
وقال المراقب في تصريح لـ”العرب” إن إيران في هذه المرحلة لن تقدم تنازلات، بعد أن عرفت أن المحتجين في العراق قد تجاوزوها لذلك فإنها ستظل متشبثة ببقاء النظام السياسي في العراق بتركيبته الحالية وضمان آليات عمله. وهو ما يعني أن تغييرا ملموسا لن يطرأ في انتظار المتغيرات التي تحدث في الشارع، وبالأخص أن جهات حكومية صارت تراهن على حدث أزمة في الغذاء بسبب الارتباك الذي تحدثه التظاهرات في تفريغ البضائع في ميناء أم قصر والنقل بين المدن العراقية.
العرب