لم يعد المتظاهرون في العالم العربي يطالبون بتغيير الحكومات ولكن كل النظام القائم، فهل يستطيعون؟ تجيب تشولي كورنيش مراسلة صحيفة “فايننشال تايمز” قائلة إن المحتجين في لبنان والعراق الذين خرجوا بقوة كبيرة يسعون لتحقيق انتقام مهم، فرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقال، أما الرئيس العراقي برهم صالح الذي يحاول مواجهة التظاهرات فعرض إجراء انتحابات جديدة، إلا أن هذا بالنسبة للكثير من المشاركين في التظاهرات لا يكفي، فالتخلص من الحكومات التي تدير السلطة اليوم ليس الهدف الوحيد بل وتغيير النظام كله.
ويقول متظاهر في بغداد اسمه حيدر جلال، 21 عاما: “آمل أن نتخلص من الأحزاب التي شاركت في العملية السياسية منذ عام 2003 حتى اليوم”، مما عكس غضبا واسعا من النظام السياسي والذي نصبته الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد الغزو الذي أطاح بنظام صدام حسين.
فالديمقراطية الهشة، سواء في بيروت أو بغداد ولدت من رحم النزاع: حرب أهلية مدمرة في لبنان وضعت الطوائف الدينية ضد بعضها البعض وانتهت عام 1990، وفي العراق أدى فراغ السلطة بعد انهيار صدام حسين إلى حرب طائفية. وكانت نتيجة كل هذا هو التوصل إلى نظام محاصصة طائفي يهدف لموازنة مصالح الطوائف الدينية وتجنب حمام دم جديد.
واليوم يقول المحللون والمحتجون إن هذه الأنظمة القائمة على المحاصصة الطائفية أصبحت فاسدة مع الأحزاب السياسية التي قوتها بحيث منعت نشوء حكومات فاعلة وأحبطت المواطنين الذين يطالبون بمستويات حياة جيدة. ونفث المتظاهرون خاصة الشباب المحرومين الذين لم يجربوا النزاعات السابقة غضبهم على الأحزاب الطائفية التي سمح لها بمواصلة السيطرة على السلطة ونهب مصادر الدولة بدون القيام بأي جهد لتمثيل مصالحهم.
ويقول سامي نادر، مدير معهد المشرق للدراسات الإستراتيجية في بيروت، إن الحكومات في العراق ولبنان عملت “ككارتل من الأحزاب التي مثلت الجماعات الطائفية” وفي كلتا الحالتين كانت “فاسدة”.
وفي لبنان حيث عاش خمسة ملايين ضمن توازن حساس يعمل فيه السنة والشيعة والمسيحيون ضمن نظام سياسي أسهم بإنهاء الحرب الأهلية التي استمرت مدة 15 عاما، يتم تخصيص كل المقاعد البرلمانية حسب النسبة السكانية. فالرئيس ماروني ورئيس الوزراء سني أما رئيس البرلمان فهو شيعي. ومن هنا يضطر المقترعون للحفاظ على المحاصصة الطائفية التصويت في قراهم وبلداتهم التي ولدوا فيها حيث يبدو الانقسام الديني والطائفي واضح.
وفي العراق حيث تبلغ نسبة الشيعة 40% تم وضع محاصصة بعد نهاية نظام صدام حسين للتشارك في السلطة بين الشيعة والسنة والأكراد. وفي الوقت الذي لا ينص دستور ما بعد عام 2003 على الكيفية التي يجب فيها توزيع المناصب، فقد أصبح متفقا عليه أن يكون الرئيس من الأكراد ورئاسة البرلمان للسنة ورئاسة الوزراء للشيعة.
وفي كلا البلدين يتم تخصيص الوظائف للطائفة التي تخترق الوزارات والخدمة المدنية بحيث يتفوق فيها الولاء للحزب على الموهبة.
ويقول المحتجون إن النخبة السياسية الطائفية استطاعت من خلال هذا النظام تقسيم مصادر الدولة ومأسسة الفساد. ويرفض المتظاهرون عجز الحكم الذي أقامته هذه النخب الفاسدة: فالقرارات تقوم على موافقة غالبية الأحزاب وخلق شبكة من الرعاية داخل الخدمة المدنية وهو ما كلف البلاد خسائر باهظة. وزادت الرواتب التي تدفعها الحكومة بحيث تضاعفت إلى ثلاثة أضعاف منذ 2003 وأصبح عدد موظفي الدولة ثلاثة ملايين موظف.
وغذت بغداد هذا النظام من خلال موارد النفط أما بيروت فمن خلال الاقتراض والديون التي وصلت إلى 150%. وفي الوقت نفسه عانت الخدمات الأساسية، حيث عانى لبنان والعراق أزمة مياه شرب مزمنة وانقطاع مستمر للتيار الكهربائي ومشاكل جمع النفايات.
وقصد من الأنظمة السياسية في البلدين الحفاظ على الوحدة لكنها أدت لمفاقمة الانقسام وأبدها الساسة من خلال أساليب التخويف ودفع الناخبين لدعم الحزب الذي يمثل الطائفة كوسيلة لحمايتهم. ويرى البعض أن هذا النظام أفضل من الديكتاتورية ويجب إصلاحه لا إلغاءه.
وتقول رندا سليم، من معهد الشرق الأوسط، إن هذا النظام غير تام ولكنه أفضل من الاضطهاد الطائفي في ظل الديكتاتورية.
ويطالب المتظاهرون في لبنان والعراق بقوانين انتخابات جديدة، إلا أن المحتجين يعرفون أن أمامهم معركة طويلة مع نخبة سياسية راغبة بالحفاظ على النظام السياسي الذي يعد بمثابة نجاتهم.
ويقول متظاهر في بغداد: “يهدد المحتجون اليوم الممالك المالية للأحزاب” و”يريد الناس حكومة الشعب وهذا يهددهم -الأحزاب- التي لن تكون قادرة على السرقة”. وواجه الأمن المتظاهرين بقسوة لا مثيل لها مما أدى لمقتل 250 شخصا.
ويحذر المحللون من أن المحتجين يقاتلون الأحزاب التي تحاول قمع أو منع التغيير أو إصلاح النظام. ويقول البرفسور في العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت باسل السلوخ: “هذا ليس بيت ورق ولكنه نظام قوي يحتاج لإستراتيجية طويلة الأمد لتدميره”.