في مؤشر جديد على استعداد السلطات العراقية لأيام طويلة من الاحتجاجات والتظاهرات، بعد اتساع رقعتها ورفض المتظاهرين التراجع، بل التوجّه إلى عصيان مدني، كشف مسؤول عراقي رفيع المستوى في بغداد، أمس الاثنين، لـ”العربي الجديد”، أن الحكومة شكّلت خلية أزمة للتعامل مع التظاهرات في بغداد والجنوب تتألف من وزارات الدفاع والداخلية والصحة والأمن الوطني وجهاز المخابرات، وهو ما يدلّ أيضاً على توجّه السلطة إلى مزيد من القمع. يأتي ذلك في ظل ارتفاع عدد ضحايا التظاهرات إلى 265 عراقياً، بينهم ثلاث فتيات ونحو 20 شاباً دون سنّ العشرين، عدا عن إصابة أكثر من 12 ألف متظاهر، منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول الماضي ولغاية مساء أمس الاثنين، فضلاً عن استمرار اختفاء نحو 10 ناشطين واعتقال المئات الآخرين، وفقاً لما أكدته مصادر أمنية عراقية لـ”العربي الجديد”، قالت إن مدن بغداد وذي قار ميسان وكربلاء تتصدر عدد الضحايا.
وكشف مسؤول عراقي بارز في بغداد، تحدث لـ”العربي الجديد” طالباً عدم ذكر اسمه، أن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي شكّل خلية أزمة برئاسة وعضوية وزير الداخلية ياسين الياسري، ووزير الدفاع نجاح الشمري، ورئيس أركان الجيش عثمان الغانمي وقائد الشرطة الاتحادية اللواء جعفر البطاط ورئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي، وآخرين من قيادات أجهزة مكافحة الشغب وحفظ القانون المشكّلة أخيراً، بهدف تنسيق الجهود في ما يتعلق بالتظاهرات ومنع تداخل القرارات أو تضارب الصلاحيات، لافتاً إلى أن الخلية سيكون واجبها عقد اجتماعات دورية واتخاذ القرارات في ما يتعلق بالتظاهرات، وهي غير الاجتماعات العادية لمجلس الأمن الوطني أو قيادة العمليات المشتركة في ما يتعلق بالحرب على الإرهاب.
”
رئيس الوزراء سيوزع المسؤولية على مختلف الجهات والمؤسسات الأمنية حتى لا يبقى وحده في وجه الانتقادات
“وبحسب المسؤول نفسه، فإن “رئيس الوزراء سيوزع المسؤولية على مختلف الجهات والمؤسسات الأمنية حتى لا يبقى وحده في وجه الانتقادات واتهامه بأنه هو من يعطي الأوامر، وهو ما يجعله بمواجهة المرجعية الدينية بالدرجة الأولى، التي قد لا تبقى ساكتة عن تواصل سقوط ضحايا من المتظاهرين، وخصوصاً بعد مقتل ثلاثة شباب في كربلاء أمام القنصلية الإيرانية”.
وكشف أن “قطع الإنترنت أو تضعيفه إلى أدنى حد بشكل يمنع تحميل الصور أو مقاطع الفيديو، ما زال مطروحاً بشدة في الأيام المقبلة، فضلاً عن حظر التجوال وفض الاعتصامات”، لافتاً إلى أن “الحكومة تتعامل بحساسية كبيرة مع الاعتصامات في النجف وكربلاء لقدسية المدينتين، وخوفاً من سقوط ضحايا، ما سيثير الشارع أكثر فيهما”.
يأتي ذلك مع دخول مدينة الغماس الواقعة بين النجف والديوانية على خط التظاهر لأول مرة منذ انطلاق التظاهرات، وسيطر خلالها سكان محليون على مقر قائممقامية المدينة، وأجبروا المسؤولين فيه على المغادرة، ووضعوا لافتة مساء الاثنين كتب عليها “مغلق بأمر من الشعب”. كذلك اتسعت رقعة التظاهرات في بغداد وجنوب البلاد ووسطها، مع توسع حالة الإضراب في المدارس والجامعات، التي طاولت أيضاً مصانع وشركات حكومية، أبرزها معمل نسيج الديوانية، أحد أكبر المعامل المنتجة جنوبي البلاد، مع استمرار عمليات قطع الطرق المؤدية إلى موانئ البصرة وحقول النفط الجنوبية، وهو ما دفع الحكومة إلى إصدار بيان يهدد باعتقال الذين يقطعون الطرق وتقديمهم للقضاء، مع توجيه قوات الأمن إلى فتحها وضمان انسيابية المرور عليها.
وفي كربلاء، دفعت السلطات العراقية بقوات إضافية إلى وسط المدينة بعد ساعات من محاصرة متظاهرين مبنى القنصلية الإيرانية في كربلاء، وهي أكبر تمثيلية دبلوماسية لإيران في العراق بعد بغداد، علماً أن طهران تمتلك قنصليات في البصرة والنجف وأربيل والسليمانية. وقال مراسل “العربي الجديد” إن الأمن أغلق كل الطرق المؤدية إلى القنصلية، ووضع كتلاً خرسانية إضافية وأسلاكاً شائكة، مع شنّ حملة اعتقالات لمتظاهرين اتُّهموا بالوقوف وراء الاعتداء على سور القنصلية وإحراق العلم الإيراني ورفع العلم العراقي عليها.
وفي بغداد، دخل شارع الرشيد، أقدم شوارع بغداد، على خط التظاهرات، بعد محاولة المتظاهرين المرور من خلاله باتجاه جسر الأحرار للعبور من الرصافة إلى جانب الكرخ حيث تقع المنطقة الخضراء، ما أدى إلى سقوط ما لا يقل عن خمسة ضحايا وجرح نحو 30 آخرين، وفقاً لمصادر طبية عراقية وشهود عيان، وذلك بعد ساعات من بيان لعبد المهدي، قال فيه إن “تهديد المصالح النفطية وقطع الطرق عن موانئ العراق يسبّب خسائر تتجاوز المليارات”، متهماً المتظاهرين “باستهداف قوات الأمن عبر قنابل المولوتوف والمنجنيق، وحتى القنابل اليدوية والأسلحة النارية والسكاكين وغيرها”، من دون أن يقدم ما يثبت ذلك، خصوصاً أن الأسلحة المذكورة هي نفسها التي واجهت بها قوات الأمن المتظاهرين.
”
شهد اليومان الماضيان سقوط أكثر من عشرة قتلى، على الرغم من نفي عبد المهدي قيام القوات الأمنية بأعمال هجومية
“وعلى الرغم من نفي رئيس الوزراء قيام القوات الأمنية بأعمال هجومية، لكن اليومين الماضيين شهدا سقوط أكثر من عشرة قتلى، ثلاثة منهم في مدينة كربلاء أثناء محاصرة القنصلية الإيرانية ومحاولة حرقها، والآخرون في ساحة التحرير وسط بغداد وعلى جسري السنك والأحرار الذي أغلق أمس الاثنين بعد محاولة المتظاهرين العبور من خلاله إثر إخفاقهم في عبور جسري الجمهورية والسنك المجاورين، وأظهرت مقاطع فيديو صوراً مروعة لشبان قتلوا بإصابات مباشرة في الرأس.
في المقابل، وضمن محاولات الحكومة لمغازلة المتظاهرين، أعلنت هيئة النزاهة العراقية (حكومية)، أمس، صدور أمر استقدام بحق وزير الصحة الأسبق على خلفية قضايا فساد، وكذلك محافظ بابل السابق، ووزير النقل السابق ومحافظ البصرة السابق.
وفي السياق، أفتى المرجع الديني العراقي قاسم الطائي، بحرمة استخدام قنابل الغاز ضد المتظاهرين، مشدداً في بيان له على ضرورة مقاطعة كل من يستخدمها وعدم التعامل معه في أي شأن دنيوي وطرده من أي مجلس وتثبيت اسمه من المنبوذين والملعونين.
من جهته، اتهم زعيم مليشيا العصائب المرتبطة بإيران، قيس الخزعلي، ما وصفه بإحدى الرئاسات الثلاث (الجمهورية والبرلمان والحكومة) إضافة إلى أحد قادة جهاز الأمن، بالمشاركة في المؤامرة في العراق، في إشارة إلى التظاهرات، معتبراً في تصريحات له أن ثلاثة أطراف تشترك في مشروع يهدف إلى إحداث فتنة وفوضى في العراق، موضحاً أن “الطرف الأول يتمثل بأميركا وإسرائيل وبالمشاركة مع الإمارات”، وأن “هناك جهة ثانية تتكوّن من أشخاص ينتمون إلى الحركات المنحرفة، وهي الحركات التي يعتقد قسم منها أن ما يمنع ظهور الإمام المهدي هو مراجع الدين، لذا يخطط هؤلاء لقتل المراجع حتى يظهر الإمام، وفق اعتقادهم”، موضحاً أن “الجهة الثالثة هم من الأشخاص الذين ما زالوا ينتمون إلى حزب البعث المنحل”.