واشنطن – بدا وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو متفاجئا في تصريحات له، الخميس، من الخطر الذي تمثله خطوات “التصعيد النووي الإيراني”، في موقف يكشف أن الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تكن تضع الخطر الإيراني كعنصر مهدد لاستراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأن سياسة الاحتواء المزدوج الأميركي سمحت بتغوّل الدور الإيراني بدل محاصرته وتحجيمه.
وقال مايكل بومبيو إنه قد “حان الآن وقت أن ترفض كل الدول الابتزاز النووي الذي يمارسه هذا النظام وتتخذ خطوات جادة لزيادة الضغط. استفزازات إيران العديدة المتصلة تتطلب هذا”.
ويرى مراقبون أن تصريح بومبيو هو تأكيد على أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقفت بشكل متأخر على أن استراتيجية مدّ اليد لإيران على الأرض ومشاغبتها بالتصريحات، التي اعتمدتها إدارات سابقة، قد وصلت إلى نهاية سيئة، فالإيرانيون استثمروا التواطؤ الأميركي لتسجيل نقاط كثيرة، ليس فقط من خلال البرنامج النووي، ولكن، وهذا الأهم، فالأمر يتعلق بالتمدد الإقليمي وزرع وكلاء لطهران في بلدان عربية وإسلامية.
وفيما حاول الرئيس ترامب أن يسلط طريقا جديدة في محاصرة إيران وإحاطة نفسه بصقور يعرف عنهم التشدد في الموقف من نظام الحكم الديني في طهران، فإنه سرعان ما تراجع وأقال أهم هؤلاء الصقور مستشار الأمن القومي جون بولتون، وهو ما أرسل رسالة قوية لإيران بأن الطريق سالكة نحو المزيد من التعنت، وخاصة إظهار العداء للمصالح الأميركية ومحاولة إجبار واشنطن على إخلاء ساحات استراتيجية مثل العراق.
وكان الأميركيون ينظرون دائما إلى أنظمة العالم الثالث على أنها قادرة على إتقان لعبة العمل بالوكالة لفائدتهم، وهو ما جربوه مع إيران بعد أن تحالفوا معها في العراق على إسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وتمكين وكلائها من أحزاب دينية وميليشيات مسلحة لحكم العراق وبناء عملية سياسية على أساس محاصصة طائفية وعرقية تجعل هؤلاء الوكلاء متحكمين في اللعبة كلها.
وبدل الاحتفاظ بدور الوكيل التقليدي الذي يدين بالولاء لواشنطن التي أوصلتهم إلى السلطة بقوة السلاح، اشتغل حلفاء إيران على إحكام السيطرة على الحكم وتجييره بشكل كامل لفائدة طهران التي صارت تحكم بشكل علني في بغداد، وهو ما تكشفه زيارات قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري ولقاءاته وخططه في العراق.
ويقول مراقبون إن واشنطن، التي كانت مشغولة على الدوام بممارسة الضغوط على دول عربية مركزية مثل مصر والسعودية، كانت تراقب عن كثب كيف عملت إيران على تطوير أداء ميليشيات عراقية حليفة لها وحولتها إلى القوة الأولى، التي تتحكم بمصائر العراقيين، وكذلك باتت تستهدف مصالح واشنطن وتهدد الوجود الرمزي الأميركي ممثلا في السفارة التي أصبحت هدفا شبه يومي لصواريخ الميليشيات في حركة تحدّ واضحة.
ولم تتحرك واشنطن للرد على هذه الاستفزازات، وعلى العكس وفرت في أكثر من مرة غطاء جويا لأنشطة ميليشيات الحشد الشعبي التي تدار من وكلاء محليين وبأوامر من قاسم سليماني. كما أنها لم تعارض دمج هذه الميليشيات في المؤسسة الأمنية والعسكرية، وهو ما يوفر لها غطاء قانونيا ويمكنها من حرية أوسع في شراء الأسلحة وإنفاق الأموال.
وفي مقابل التطبيع مع الميليشيات في العراق، تتحرك واشنطن في اتجاه معاكس تماما للضغط على ذراع إيران في لبنان، وتفرض عقوبات مشددة على حركة الأموال التي تصل إلى حزب الله.
ويعطي هذا التناقض انطباعا قويا عن قصور في الرؤية الأميركية إلى مجالات التحرك الإيراني، لتبدو الولايات المتحدة وكأنها تبحث عن حماية أمن إسرائيل وإهمال حماية أمن مواقع جنودها في العراق، وخاصة في إقليم كردستان، وفي سوريا، خاصة أن الحشد الشعبي باتت لديه مجموعات مقاتلة في سوريا، وتمثل رأس حربة في مساعي طهران لبناء نفوذها في سوريا.
وفيما كانت دول إقليمية مثل السعودية تحذر من التمدد الإيراني ومن مخاطر تدريب وتسليح ميليشيات في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، وتطالب بأن يتضمن الاتفاق الذي تم توقيعه في 2015 تعهدات إيرانية بوقف الأنشطة المهددة للأمن الإقليمي، فإن إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لم تكن تعبأ بذلك.
وفتحت إدارة أوباما نفسها قنوات سرية مع الميليشيات الحوثية الحليفة لإيران، والتي تهدد أمن السعودية، ما بدا وكأنه تطبيع أميركي مع النفوذ الإيراني ودون إعطاء الأهمية اللازمة لمصالح واشنطن مع حلفائها الخليجيين، وهو ما شجع طهران وحلفاءها الحوثيين لاحقا على استهداف حرية الملاحة وتهديد أحد أهم المصادر الحيوية للاقتصاد العالمي.
ومن شأن شبكة الوكلاء، التي بنتها إيران طيلة أربعين سنة من عمر الثورة الإيرانية، أن تفتح لها قنوات تسلل نحو مناطق في أفريقيا وأميركا اللاتينية، خاصة أن إيران لم تقف عند الاستثمار في المجال العسكري، وأنها تنفق بسخاء على موجات التشيع، واستقطاب العاملين في المجالات الثقافية والفنية.
العرب