لهذه الأسباب لن تجنح إيران للسلم

لهذه الأسباب لن تجنح إيران للسلم

تفهم إيران الرسائل الموجهة إليها بطريقة خاطئة، وتتوهم أن العالم يخشاها. من حق العالم أن يخشى إيران، ولكن ليس للأسباب نفسها التي يظنها حكام طهران.

آية الله علي خامنئي حظر على المسؤولين الإيرانيين عقد أي محادثات، إلا إذا عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، ورفعت كل العقوبات المفروضة على طهران.

ماذا يمكن أن نفهم من هذا التحذير؟ أول انطباع هو أن العالم يخشى القوة الإيرانية. ولهذا الانطباع ما يبرره. من حق طهران، التي لم تتردد في امتحان صبر العالم على تصرفاتها العدوانية مؤخرا وبأكثر من حادث، أن تعيش نشوة النصر.

وبينما يتمادى حكام طهران في تحدي جيرانهم، بهجمات على ناقلات نفط وبأخرى على منشأتي نفط سعوديتين، ويتابعون التدخل في المنطقة، تصر واشنطن على التعامل معهم بسلاح العقوبات الاقتصادية.

وفي الوقت الذي كشفت فيه هتافات المحتجين، في العراق ولبنان، مدى الاستياء المتنامي ضد تدخلات إيران، كشفت أكثر عن حجم الكذبة الكبرى التي يعيشها حكام طهران، الذين يعتقدون أنهم وكلاء السماء على الأرض.

لا يمكن تفسير أفعال حكام طهران من خلال علم السياسة والاقتصاد أو علم الاجتماع، دوافعهم لا تصنف ضمن تلك العلوم؛ إنها دوافع كهنوتية بامتياز.يوم الخميس استأنفت إيران عمليات تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو، في تقليص جديد لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي.

الرد الدبلوماسي جاء على لسان وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، يوم الأحد، اعتبر فيه أن المزيد من التصعيد، في تلك المرحلة، لا يخدم أحدا، مشيرا إلى أن بلاده تعتقد أن هناك مجالا لنجاح الدبلوماسية، ومحذرا من خيار “زائف” بين الحرب واتفاق نووي معيب.

دعوةُ قرقاش إيرانَ للجلوس إلى مائدة المفاوضات ليست دعوة الضعيف للقوي، بل هي دعوة أُريد بها تجنيب المنطقة والعالم ويلات الحرب، وإنقاذ اقتصادات العالم -ومن ضمنها الاقتصاد الإيراني- من شبح الإفلاس.

أية محادثات جديدة مع إيران يجب ألّا تقتصر على الملف النووي، بل يجب أن تعالج المخاوف المتعلقة ببرنامج الصواريخ الباليستية، والتدخل الإقليمي عبر جماعات تعمل لصالح إيران بالوكالة.

المسؤول الإماراتي عبر عن تفاؤل حذر، قائلا إن الطريق إلى اتفاق مازال ممكنا، شرط أن تكون الأطراف كلها مستعدة للسير فيه. نعم الطريق سيكون طويلا وصعبا، ويحتاج إلى الصبر، مثلما يحتاج إلى الشجاعة.

الصبر والشجاعة لن يكونا كافيين لاجتياز الطريق، ما تحتاج إليه إيران أكثر هو العقل والحكمة.. حكام طهران يمتلكون الكثير من الخبث والتهور، وتعوزهم الحكمة والشجاعة.

إيران ليست في وضع يسمح لها بالمناورة أو المراوغة، وليس أمامها من خيار سوى البدء في مفاوضات جدية، حتى لو كانت وفق شروط وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الـ12، وذلك قبل أن يواجه اقتصادها انهيارا كاملا.. ومع ذلك يناور حكامها ويراوغون.

يبدو أن وضع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الداخلي هو ما شجع الإيرانيين على التمادي في عدوانهم وتحديهم للمجتمع الدولي؛ حيث أشارت تقارير صادرة عن مراكز الفكر واستطلاعات الرأي، إلى أن المسافة بين المنافسين الديمقراطيين الثلاثة الأوائل وترامب أصبحت عند نسبة 50 بالمئة، اعتبارًا من أكتوبر 2019، وهذا يعني أن الشعب الأميركي منقسم إلى نصفين.

ترى إيران أن موقف ترامب أصبح ضعيفا، لذلك لن يجرؤ على اتخاذ قرار الحرب والمواجهة العسكرية. ولكنها تتجاهل الجانب الآخر من الحقيقة، وهو أن الاقتصاد الأميركي في أفضل أحواله، في ظل رئاسة ترامب الذي لا يزال يحظى بدعم قوي من أقطاب الجمهوريين، وأن البطالة في عهده انخفضت إلى 3.5 بالمئة، وهو أمر هام بالنسبة إلى الأميركيين، لم يشهده اقتصادهم منذ عقود.

بالمقابل أدت العقوبات، التي فرضها ترامب على إيران، إلى انخفاض الاحتياطي الإيراني لأقل من 100 مليار دولار. وانخفض تصدير النفط إلى أقل من 300 ألف برميل يوميًّا. وبأرقام مثل هذه لن تكون إيران قادرة على دفع النفقات الحكومية لسنة أخرى.

في ظل ظروف مثل هذه، لا أحد يعلم كم ستستمر حالة الـ”لا حرب ولا سلم”، أو ما وصف بـ”الحل الرمادي” بين طهران وواشنطن، خاصة بعد فشل كل المحاولات التي بذلت من قبل مسؤولين أوروبيين لفتح باب المفاوضات بين الطرفين، والتي قوبلت بإصرار الرئيس الإيراني حسن روحاني على رفع العقوبات قبل إجراء أي حوار.

لدى شعوب المنطقة ألف سبب للشك في نوايا واشنطن حيال إيران، ليس أولها ولا آخرها تمهيد الطريق لها لتزرع وجودها في العراق ولبنان وسوريا، وفي عموم المنطقة.. رغم ذلك ستجد دول العالم نفسها -ومن ضمنها الولايات المتحدة- متفقة على توحيد موقفها من حكام طهران؛ حتى دون حرب، ليس أمام واشنطن سوى المضي في سياسة تغيير النظام الإيراني.

من كان مثل ملالي إيران، ناطقا بتكليف من السماء، لن يجنح للسلم.

العرب