شن جيش الاحتلال الإسرائيلي غارة جوية فجر الثلاثاء في شرق مدينة غزة استهدفت منزل القيادي في حركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا أسفرت عن استشهاده وزوجته، كما أغارت على حي المزة غرب العاصمة السورية دمشق وقصفت منزل عضو المكتب السياسي للحركة أكرم العجوري فاستشهد أحد أبنائه. وقد عقد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مؤتمراً صحافياً أعاد فيه تكرار الذرائع المعتادة لتبرير سياسة الاغتيالات الفردية، معلناً أن أبو العطا كان «قنبلة موقوتة» ولكن اغتياله لا يعني عزم الاحتلال على التصعيد في غزة، الأمر الذي أكد عليه رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي.
يلفت الانتباه أولاً أن نتنياهو، في إصدار الأوامر بتنفيذ هاتين العمليتين، إنما يرضخ مباشرة لضغوط علنية مارسها عليه أقطاب تحالف «أزرق أبيض» وعلى رأسهم بيني غانتس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة ويائير ليبيد وكاحول لافون، الذين طالبوا باستبدال «سياسة الاستسلام» التي يعتمدها نتنياهو حالياً بسياسة ردع شاملة ضد غزة تتضمن كذلك خطط الاغتيال الفردي واستهداف قيادات حماس والجهاد الإسلامي وسرايا القدس. لكن نتنياهو ليس بحاجة إلى تحريض من أي نوع كي يجنح إلى تصفيات تنطوي أيضاً على استعراض القوة، فهو بحاجة ماسة ودائمة إلى تحسين صورته في ناظر الرأي العام الإسرائيلي مع اقتراب موعد القرار حول إدانته بتهم الفساد.
كذلك يلفت الانتباه أن الاحتلال يتعمد استفزاز الجهاد الإسلامي في فترة تشهد نوعاً من الانفتاح على الحركة عن طريق الجهود التي بادر إليها النظام المصري مؤخراً، حين دعا قيادات الجهاد إلى القاهرة بمعزل عن قيادات حماس، وأطلق سراح العشرات من أعضاء الحركة الذين كانوا رهن الاعتقال في السجون المصرية. الفترة ذاتها شهدت تهدئة نسبية واضحة على حدود القطاع مع الاحتلال، كما صدرت خلالها عن حركة حماس مؤشرات إيجابية حول التعاطي مع فكرة تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية فلسطينية.
وليس جديداً الاستنتاج بأن خيارات الاغتيال الفردي وتصفية القيادات لم تحقق في الماضي أياً من أهداف «الردع» التي سعت إليها حكومات الاحتلال المتعاقبة، بل إن العكس هو الذي كان يعقب العمليات التي استهدفت أمثال الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد الجعبري، حيث أن فصائل المقاومة كانت تستعيد المبادرة سريعاً وعلى نحو أفضل. وهذه خلاصة تنسحب أيضاً على جميع الحروب التي شنتها دولة الاحتلال ضدّ القطاع، إذْ كان العنف العاري والمفتوح يولّد المزيد من عناصر الصمود إلى جانب الرغبة في تكريم الشهداء عن طريق الثأر لهم.
ومن المؤسف أنه لا جديد أيضاً في الإشارة إلى أن طيران الاحتلال يسرح ويمرح في الأجواء السورية، ويقصف أينما شاء في قلب العاصمة دمشق ذاتها، دون أن يلقى رداً من مضادات النظام السوري وطائراته الحربية المنشغلة بقصف المستشفيات والمدارس في محافظة إدلب، ولا إنذاراً من رادارات حلفاء النظام الروس، أو إعانة لوجستية من الحلفاء الإيرانيين الذين تربطهم صلات وثيقة مع حركة الجهاد الإسلامي أيضاً.
ورغم ما يبدو في الظاهر من خلافات بين نتنياهو وغانتس حول صيغة تشكيل الحكومة الجديدة، فإن درجة قصوى من الاتفاق والتوافق تجمعهما مع شركاء آخرين كثر، حول التصعيد في غزة أو العربدة في دمشق.