تسارع وَقع الثورات العربية، منذ نهاية العام السابق، والتي أصبحت ازدواجية، فالسودان ثارت مع الجزائر، والآن العراق مع لبنان، ولا شك أن المد يزيد انتشاراً وتسارعاً. في حين
تشابهت المُسببات بكل دول الثورات، فهي ذات أشكال اقتصادية، ولكن أيضاً فقدان الحريات العامة، وانتهاك مزمن لكرامة المواطن وسرقة حقوقه.
المواطنة الجامعة
خصوصيات الدول، والتي انعكست على مفهوم هوية الشعب، قد يُعطي الانطباع بثورات مُنعزلة، الواحدة عن الأخرى، بالتالي قد تكون النتائج مُتغايرة . لكن هتافات اللبنانيين، على أنغام موسيقى الثورة السورية، أو هتافات العراقيين، وهم معظمهم شيعة، ضد الهيمنة الإيرانية، ورفض كِلا الشعبين، للطائفية، التي تُشكل بكليهما شكل وبنية النظام، يظهر السعي إلى بناء لبنان وعراق المواطنة، بدل المُحاصصة، وهو ما سيُعطي الديمقراطية بُعدها الحقيقي، فلا يمكن بناء ديمقراطية بغطاء طائفي، فنحن بهكذا نظام، لا ننتخب من هو الأفضل، أو الأكثر كفاءة، وإنما من يُمثل الطائفة لدى السلطة، هو بذلك يؤكد على الزبائنية الاقتصادية والسياسية، ولا يُؤسس لأي مفهوم للمواطنة الجامعة.
أما اعتبار النظام السياسي العراقي أو اللبناني، ضمن عائلة الأنظمة الديمقراطية، فهو تجن على تلك الأخيرة، وتحريف معانيها العميقة النبيلة، هذه الأنظمة التحاصصية، هي منبع الفساد، وأبعد ما يكون عن مفهوم المواطنة والمصلحة العامة المشتركة. ولهذا يحق إذاً لكلا الشعبين أن يثورا على هكذا وضع، وأن يعملا عن طريق رفع شعار القضاء على المحاصصة الطائفية، إلى بناء دول حديثة، كما يستحق العراقيون واللبنانيون.
الرد الآتي من كلتا السلطتين في العراق ولبنان مترابط جداً، ففي هاتين الدولتين، نجد سلطة، هي بحقيقتها امتداد لنظام إيران الديني، والساعي لأهداف خاصة به، ليس لها أدنى علاقة بخصوصيات هاتين الدولتين العربيتين. كون الجمهور الشيعي، هو العنصر الأهم بالثورة العراقية، وقد قدموا لحد الآن عشرات الشهداء، وكون المكون الشيعي في لبنان، يُشارك كباقي الشعب اللبناني بثورته، يُظهر انتهاء زمن الحرب الأهلية والانتماء الطائفي، كمصدر للعمل السياسي أو التنظيم الاجتماعي.
رمز حداثة الأمة العربية
الثورة العراقية والثورة اللبنانية، هما رمز حداثة الأمة العربية، القادم لا محالة، بمواجهة قوى الماضي المتوحشة، وهما أفضل دعم لثورة الشعب السوري، والذي قتل وهُجر لمنع أي عدوى ثورية قد تأتي منه، في اللحظة التي اعتقد بها الحكام الإيرانيون، وأتباعهم في سوريا ولبنان، أنهم تمكنوا من الانتصار على الثورة، والحفاظ على نظام السيطرة الطائفي، في الدول الثلاث، أي إيران والعراق ولبنان، وتحصينها من أي مد ثوري، قد يأتي من سوريا، بتلك اللحظة بالضبط، اختار الشعب اللبناني والشعب العراقي، أن يقولا كلمتهما الحرة، ويُعلنا أن الوعي قد حل محل الجهل، والإرادة الحرة للأفراد، محل التبعية العمياء، والأخوة بين الجميع، محل التصارع والحروب الأهلية.
إيران قائدة هذا النظام الديني، القادم من القرون الوسطى، ستصل بدورها وقريباً، إلى صحوة شعبها، وهو الذي عودنا على شدة بأسه وشجاعته، وأظهر دائماً مستوى عاليا من الوعي. أما حراك العراقيين واللبنانيين، هو من سيُغذي الآن أمل الإيرانيين بالحرية، بدل تغذية السلطة الإيرانية لأتباعها بالسلاح والرجال، لذبح أبناء الثورة السورية.
الشعب الإيراني المُحاصر من أمريكا ومن نظامه الفاسد، حيث بلغت نسبة البطالة بين شبانه ما دون الثلاثين عاماً إلى أكثر من 25 في المئة، انهيار العملة المحلية لأقل من ثلث قيمتها منذ سنوات قليلة، تفشي الفساد الحكومي والذي وضع إيران في المرتبة 138 على 180 دولة في العالم، حسب تقرير منظمة الشفافية العالمية لعام 2018، هي بوضع أسوأ مما عليه العراق ولبنان، رغم ثروات شعبها وأرضها.
التحجج بالمقاومة ضد إسرائيل، كما يفعل النظام السوري، لن تُجدي نفعاً لمنع الشعب الإيراني من نيل حقوقه، والحصار الأمريكي الظالم، لن يُعطي النظام عذرية جديدة، بعد أربعين عاماً من الفشل.
الحراك الربيعي العربي، والذي بدأ عام 2011، هو الحدث الأهم منذ بداية القرن، ولن تتمكن سياسات قوى التخلف والاستبداد الإقليمية والعالمية، من إيقاف زحفه العارم، فالحدث هو من فعل ملايين الملايين، ورد فعل الأنظمة، هو رد قلة قليلة مستبدة.
القدس العربي