نشر موقع “فورين بوليسي” مقالا مشتركا للباحثين في مؤسسة راند الأمريكية جيفري مارتيني وأريان طبطبائي، ناقشا فيه عودة الوطنية إلى العراق وتداعيات الأحداث على الولايات المتحدة.
وقالا فيه إن استمرار التظاهرات في العراق أدت إلى نمو ما يمكن وصفه بسرد “الأخبار الجيدة”، فالتظاهرات في العراق تعتبر حسب هذا السرد “ضربة للتأثير الإيراني” وتكشف عن ضيق الشارع العراقي من تدخل طهران في شؤونه الداخلية.
وهو ما كشفت عنه تغريدة لوزير الخارجية مايك بومبيو. وأشار فيها إلى أن الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران متورطة في العنف ضد المتظاهرين وأن هؤلاء رفعوا شعارات مثل “إيران برة برة”.
ورغم ما يحمله هذا الخطاب من جاذبية لأمريكا التي أسهم دم جنودها ومال خزينتها في توسيع التأثير الإيراني في العراق، إلا أنه يظل تحليلا غير صائب. لأنه خطاب قائم على النظر إلى الأحداث من منظور التنافس الأمريكي- الإيراني في الشرق الأوسط. فبعد التحالف التكتيكي الذي استمر مدة خمسة أعوام ضد تنظيم الدولة عاد البلدان لمرحلة التنافس من جديد. ولكن القصة المهمة ليست عمن انتصر وهزم في المنافسة ولكن عن جماهير عربية أخرى خرجت إلى الشارع تطالب بالتغيير.
فمنذ عام 2010 شهد العالم العربي عشر انتفاضات في تونس، ليبيا، البحرين، سوريا، اليمن، السودان، الجزائر ومرتين في مصر ثم العراق ولبنان. وقبل ذلك شهدت إيران نفسها احتجاجات ما عرف بالثورة الخضراء والتي استخدمت فيها طهران وفحصت عددا من أساليبها وطبقتها لاحقا أو علّمت جماعاتها الوكيلة على كيفية استخدامها لسحق المعارضة. ولا يزال الحكم لم يصدر على الكثير من هذه الانتفاضات مع أن تونس تظل استثناء من بينها. فنتائج الثورات تظل سلبية، ولهذا فدخول العراق إلى مرجل الثورات العربية يطرح أسئلة حول ما سيأتي بعد. ففي الوقت الذي تراقب فيه الولايات الأحداث المستمرة في بلد طالما ارتبط بالأخبار السيئة، فهناك رغبة للترحيب بالأخبار الجيدة، خاصة أن سياسة الإدارة الحالية صممت في مجملها حول مكافحة إيران وتأثيرها الإقليمي.
وقد تكون واشنطن حكيمة لو ركزت على مكامن ضعفها بدلا من التركيز على إيران. فعندما تحدث آية الله علي السيستاني عن موقفه من التظاهرات حذر من تحولها إلى ساحة تصفية حسابات دولية وإقليمية، أي بين إيران والولايات المتحدة.
وبحسب التقارير فالمتظاهرين لا يرفعون شعارات طائفية، ولو وضحنا أكثر فهم وطنيون وليسوا طائفيين. ومن بين الذين يحاولون استغلالها، مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري الذي يوصف عادة بالوطني العراقي. فالوطنية العراقية ليست مرتبطة بالموجات الجيدة في الشرق الأوسط.
فقد كانت القومية العراقية العامل الرئيس للحرب مع إيران عام 1980 وقمع الأكراد على مدى أكثر من عقد. ولهذا أصبح التخفيف من الوطنية العراقية البغيضة هو الشاغل الأكبر للسياسة الأمريكية في التسعينات من القرن الماضي. فالوطنية العراقية تقلل من قدرة الولايات المتحدة على العمل في ذلك البلد بنفس القدر الذي تفضح فيه الوجود الإيراني هناك. فلو تم عزل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي كما يطالب المتظاهرون فهناك عدد من السيناريوهات، الأول مأزق نابع من الخلاف بين الكتلتين البرلمانيتين سائرون والفتح على مصير عبد المهدي، مما سيجعل من مهمة الحكومة المقبلة صعبة.
وعليه جعل عبد المهدي من استقالته مشروطة باتفاق الطرفين على بديل مقبول، ويعرف أن الكتلتين لن تتفقا. ولو تم عزل عبد المهدي بالقوة فلا يوجد ما يضمن أن الحكومة المقبلة ستكون قريبة من الولايات المتحدة أكثر من إيران. فالبديل الطبيعي له قد يكون الصدر الذي حصل على أعلى الأصوات في انتخابات عام 2018. وطالما طالب الصدر بخروج الأمريكيين من العراق.
أما السيناريو الثاني، هو وصول مرشح من الكتلة المؤيدة لإيران التي قام أفراد منها بهجمات ضد القوات الأمريكية أثناء الإحتلال الأمريكي ما بين 2003- 2011. وهناك أطراف فيها لا تهتم أو تقدر بالمعدات والتدريب الذي قدمته القوات الأمريكية، وربما احتاج الأمر لمعجزة لرؤية حكومة مؤيدة لأمريكا ضمن هذا السيناريو.
كل هذا لا يعني تجاهل المطالب الشرعية للمتظاهرين أو مظاهر العيب في النظام السياسي العراقي. فقد حدد المتظاهرون المشكلة في النخبة السياسية والطائفية التي تعني الولاء للطائفة لا البلد وغياب الفرص الإقتصادية والخدمات.
ووضع المتظاهرون أيديهم على الجرح فيما يتعلق بتلاعب إيران بالسيادة العراقية وتشجيعها الطائفية. ولكن من السذاجة الاعتقاد أنهم لو استطاعوا عزل عبد المهدي فسيتخلصون من إيران، وهو الهدف الذي تسعى عليه أمريكا، وتفكير كهذا هو فانتازيا.
القدس العربي