بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية وصعود (داعش) منح (فيلق القدس) الإيراني مبرراً للتدخل في العراق وسوريا، من خلال العمل مع الميليشيات العسكرية الشيعية في العراق والنظام السوري وحزب الله، ما ضاعف نفوذ إيران. ومنذ عام 2014 اتخذت إيران سلسلة من الخطوات لتعزيز مكانتها في سوريا ولبنان، خصوصاً وجودها العسكري، فضلاً عن تعزيز وضع وكلائها لا سيما حزب الله، لذا اعتمدت إيران سياسة بناء محاور استراتيجية، ومن ذلك العمل على بناء الممر البري الذي يربط إيران بسوريا ولبنان عبر العراق لربط إيران بالبحر المتوسط، لذا من جانب آخر سعت إلى استخدام الميناء البحري السوري في اللاذقية، الذي سيمثل موطئ قدم إيراني على شاطئ البحر المتوسط.
وبأخذ التركيبة السكانية الشيعية الإيرانية بالاعتبار، نجد أنه من المهم لإيران ربط سوريا بها وعبر العراق ولبنان والبحر المتوسط لتقوية المحيط الشيعي، فضلاً عن تحسين قدرات حزب الله العسكرية عبر الإمدادات من خلال هذا الطريق، بشكل يسمح لإيران أن تُظهر أمام العالم السني كقوة شيعية ممتدة فى أكثر من بلد عربي، ولها خبرة قتالية يمكن أن تنقلها إلى أي من مساحات التأثير التي تهم إيران.
إن قيام إيران ببناء طريق بري لتسهيل حركة القوات العسكرية والأسلحة من إيران عبر العراق إلى سوريا ولبنان، سيكون بالطبع تحت السيطرة والتأثير الإيرانيين عن طريق الحرس الثوري والميليشيات الشيعية المسلحة، تستهدف منه تنويع أساليب تحريك القوات والأسلحة، وفقاً للظروف على الأرض، خصوصاً في ظل استهداف إسرائيل أي قوافل لنقل الأسلحة لحزب الله وتوجيه ضربات مؤخراً لمنع نقل الصواريخ إلى العراق أيضاً.
ولأهمية هذا الممر الاستراتيجى لإيران، أعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في الـ20 من يناير (كانون الثاني) 2018، أن أحد أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط هو تدمير الحلم الإيراني المتمثل في الانتقال بحرية من إيران إلى البحر المتوسط.
لم تعلن إيران مطلقاً نيتها بناء هذا الممر، إذ إنها تدرك أن استخدام هذا الطريق البري له مزايا وعيوب تتعلق بتعرضه للهجمات من قِبل الولايات المتحدة وإسرائيل والعناصر السنية المناوئة لها، لكن تم فتح معبر القائم – البوكمال الحدودي بين سوريا والعراق، وذلك بعد خمس سنوات على إغلاقه بسبب الحرب ضد تنظيم داعش، وأعلن حينها أنه من خلال المعبر سيمكن تنقل الأفراد والقيام بالأنشطة التجارية بين البلدين، ويربط المعبر بين محافظة الأنبار العراقية ومحافظة دير الزور السورية، وأغلق منذ عام 2013، وقد أشادت إيران بالمعبر الحدودي لأهميته لنقل البضائع وسفر السياح الإيرانيين إلى العراق وسوريا.
وكان بعض التقارير يشير إلى دخول قافلة من الحرس الثوري الإيراني وقوات الحشد الشعبي العراقية إلى الأراضي السورية عبر مدينة البوكمال، وتوجهت إلى محافظة دير الزور في شرق سوريا، ما يعنى أن إيران تستهدف بالفعل ربط الأرضي بينها ودمشق لأغراض عسكرية، ما يعزز قدرتها على الحفاظ على وجودها العسكري في سوريا. ومن المؤكد أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ديسمبر (كانون الأول) 2018 بالانسحاب من سوريا عزز طموحات الممر البري الإيراني، فإيران تريد تعزيز وضعها لفترة طويلة الأجل بسوريا حتى بعد استقرار النظام السورى سواء كان به بشار الأسد أو بقيادة غيره، فالمشروع الإيراني في سوريا غير مرتبط بأمد الحرب السورية، بل بترسيخ المصالح الإيرانية طويلة الأجل بالمنطقة.
وبالتالي تكمن أهمية الممر البري الاستراتيجية لإيران في كونه ممر النفوذ، وأحد ممرات الاتجار بالأسلحة، وتهريبها لوكلائها أيضاً، وجزء من طريق تجاري من شأنه أن يجمع بين الميليشيات التي تدعمها إيران ومنفذ لها على البحر المتوسط.
اندبندت العربي