أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية مخالفة للقانون الدولي، وهذه خطوة تشكل تحولاً كاملاً عن سياسة أمريكية معتمدة منذ أكثر من أربعة عقود وتقرّ بعدم قانونية المستوطنات المشيدة على أراض فلسطينية وعربية محتلة في الضفة الغربية والقدس وهضبة الجولان. وفي تبرير هزيل ومفضوح قال بومبيو إن «اعتبار إقامة مستوطنات إسرائيلية أمرا غير متّسق مع القانون الدولي لم يحقق تقدما على مسار قضية السلام»، ولهذا فالإدارة تعترف بالواقع على الأرض، والسياسة الأمريكية الجديدة تجاه المستوطنات سوف تتيح مساحة أفضل للمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
ومن المعروف أن قرار الإدارة الأمريكية الجديد هذا لا ينتهك رأياً قانونياً صدر عن وزارة الخارجية الأمريكية ذاتها في سنة 1978 واعتبر أن إقامة المستوطنات في الأراضي الفلسطينية يتعارض مع القانون الدولي فحسب، ولكنه أيضاً يناقض أحدث قرارات مجلس الأمن الدولي حول وقف الاستيطان، والذي صدر أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2016 وشهد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت. هذا إلى جانب مخالفة قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وميثاق جنيف الرابع الذي يحظر على قوة محتلة إسكان مواطنيها أو تشييد منشآت في المناطق الخاضعة للاحتلال، وحكم محكمة العدل الدولية لعام 2004 الذي اعتبر المستوطنات خرقاً للقانون الدولي، وكذلك رأي محكمة الجنايات الدولية ومنظمة العفو الدولية في اعتبار المستوطنات جرائم حرب.
ولكن منذ متى كانت الولايات المتحدة تلتزم بالقانون الدولي في أي أمر يُلحق الأذى بمصالحها، أو يمس أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي؟ أليس من الواضح أن هذه الخطوة الجديدة هي الهدية الثالثة الذي يقدمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى حليفه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل؟ ألا يبدو التفسير الوحيد لتوقيت تغيير السياسة الأمريكية بشأن المستوطنات هو توفير خدمة مباشرة يمكن أن تعزز حظوظ نتنياهو في حال فشل بيني غانتس بتشكيل حكومة جديدة وعودة الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع للمرة الثالثة؟
لكن الهدية قد تكون مسمومة رغم أن ترامب أراد منها العكس تماماً، وذلك لأن شرعنة المستوطنات قد لا تبدل الكثير من وقائع مصادرة الأراضي وتهديم البيوت الفلسطينية وإقامة المستوطنات، ولكن في حال اعتمادها كضوء أخضر لضمّ مساحات من الضفة الغربية قد تجعل المواطنين الفلسطينيين عبئاً ديموغرافيا على الاحتلال، أو يتسبب انتقاص حقوقهم في إظهار المزيد من عناصر النسخة الإسرائيلية لنظام الأبارتيد العنصري كما يقر بعض الإسرائيليين أنفسهم.
وليس خافياً أن ترامب في هداياه المتعاقبة يتكئ جزئياً على حال الانقسام الفلسطيني خصوصاً وانحطاط النظام العربي عموماً، كما يعتمد كثيراً على تبعية عدد من الأنظمة العربية لسياسات الولايات المتحدة بشأن القضية الفلسطينية وهرولتها للانخراط في «صفقة القرن» حتى قبل أن تتضح معالمها. ومن المنطقي أنه يستمد التشجيع من رفع علم الاحتلال وعزف نشيده الوطني في قلب أبو ظبي، أو لقاءات وزير الاستخبارات السعودي الأسبق تركي الفيصل السرية والعلنية مع مسؤولين إسرائيليين.
وهكذا يصبح من المشروع طرح التساؤل التالي: هل سيطول اعتراف بعض العرب بشرعية الاستيطان؟
القدس العربي