الأنباء تأتي من إيران بالقطارة: قامت السلطات بإغلاق طريق الوصول إلى شبكة الإنترنت التي تعمل -حسب عدد من التقديرات- بـ 50 في المئة من القدرة. مع ذلك، يبدو أن الاحتجاج على رفع أسعار الوقود يتصاعد ويتسع ليصل إلى مدن كثيرة. صحافيون ونشطاء يشاركون في المظاهرات يتحدثون عن الأضرار بالبنوك وعن مئات الاعتقالات وعن عدد القتلى (حسب رواية ما، 20 تقريباً، من بينهم شرطي قتل عند مهاجمة مركز للشرطة).
موجة المظاهرات ليست الأولى من نوعها، ففي العام 2009 قمع النظام بوحشية “الثورة الخضراء”، أسابيع من الاضطرابات التي حدثت في أعقاب ادعاءات حول تزوير نتائج الانتخابات للرئاسة. وفي نهاية 2017 حدثت موجة احتجاج ركزت على الوضع الاقتصادي، وخبت بعد بضعة أسابيع. إذا كان هناك شيء أثبت فيه نظام طهران قدرته خلال السنين فهو القمع المنهجي ومنفلت العقال لأي محاولة معارضة للجمهور يمكن أن تعرض استقرار النظام للخطر.
عندما ذوت الثورة الخضراء تم طرح ادعاءات ضد إدارة براك أوباما، الرئيس الأمريكي الذي كان في حينه جديداً في منصبه. صحيح أنه شجع إجراء تغييرات في أرجاء العالم العربي والإسلامي في خطابه في القاهرة، والذي عقد قبل أسبوع على الانتخابات في إيران، ولكن بعد ذلك وقفت واشنطن جانباً عندما قامت أجهزة الأمن الداخلي في إيران باعتقال وتعذيب وقتل المتظاهرين.
إدارة ترامب لا تظهر في هذه الأثناء أي تدخل أعلى فيما يحدث. لقد توجه وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، في نهاية الأسبوع، للمتظاهرين عبر صفحته في “تويتر” وكتب لهم: “الولايات المتحدة إلى جانبكم”. وفي وزارة الخارجية غردوا تغريدات تنديد ضد استخدام القوة الفتاكة وتقييد وسائل الإعلام الذي تمارسه القيادة الإيرانية ضد المتظاهرين. ولكن الرئيس منشغل بالتغريدات ضد الديمقراطيين، الذين شرعوا بإجراء عزله، ولم يتفرغ للموضوع. لا تحتاج الولايات المتحدة لأن تتدخل بنفسها في الاضطرابات، ولكن لو كانت تبينت خطوات لتجاوز إغلاق الإنترنت في إيران، في الهوامش على الأقل، ولكانت قدمت بذلك خدمة كبرى لمعارضي النظام.
إن عدم الاكتراث الذي تبديه الإدارة تجاه ما يحصل في إيران، حالياً، مفاجئ؛ لأن العقوبات الاقتصادية القاسية التي يتخذها ترامب بقوة أكبر منذ القرار الأمريكي لمغادرة الاتفاق النووي في أيار 2018، هي التي تفاقم الأزمة التي يشهدها الاقتصاد الإيراني. وقد تعرض ترامب لانتقاد شديد للغاية بسبب قراره تجاهل سلسلة الهجمات الإيرانية في نصف السنة الأخيرة ضد أهداف في الخليج، والتي كانت ذروتها الهجوم الجسيم على مواقع النفط السعودية في منتصف أيلول الماضي.
ولكن مقارنة بامتناعه عن التورط العسكري في الشرق الأوسط، يعشق الرئيس العقوبات ويؤمن بتأثيرها المحتمل. موجة جديدة من المظاهرات في إيران، على خلفية الضائقة الاقتصادية، تخدم حججه تحديداً.
ترتبط الاضطرابات في إيران بشكل غير مباشر، على الأقل، بموجات الاحتجاج ضد حكمين مؤيدين لإيران في المنطقة والعراق ولبنان. ففي أرجاء العراق أحصي حتى الآن أكثر من 300 قتيل، معظمهم متظاهرون أصيبوا بنار قوات الأمن والمليشيات الشيعية. أما في لبنان فالاحتجاج ليس عنيفاً بشكل عام، ولكنه مع ذلك أدخل حكومة الحريري وبالأساس أمين عام حزب الله، حسن نصر الله في حالة ضغط شديدة. في هاتين الدولتين، ما بدأ كاحتجاج همه الاقتصاد الفاشل والفساد المستشري في كل شيء، يتلقى لوناً مناهضاً لإيران متزايداً.
لا بد أن هذا الميل في العراق سيساهم في تعزيز ما نشر في “نيويورك تايمز” وموقع أخبار “انتر سبت”. وبشكل غير مفاجئ يعطي التقرير الصحافي وزناً خاصاً لعمل الجنرال قاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني.
كما أن سليماني هو الرجل المسؤول، في الوقت نفسه، عن المعركة ضد إسرائيل. قبل نحو شهرين، عدلت شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي تقديرها وقضت بأن إيران قررت محاولة تثبيت “معادلة” جديدة في موازين القوى مع إسرائيل.. وبالتالي، ستحاول الانتقام منها على كل عمل ذي مغزى موجه ضد المصالح الإيرانية أو ضد حلفائها في المنطقة.
واستناداً إلى تقارير إعلامية عربية، يبدو أن انخفاضاً معيناً طرأ في حجم الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف ترتبط بإيران في الأشهر الأخيرة، وذلك في إطار المعركة ما بين الحروب. وفي الشهر الماضي اتهم مسؤولون كبار في برلمان طهران إسرائيل بالمسؤولية عن الهجوم على ناقلة نفط إيرانية في البحر الأحمر. وفي الأسبوع الماضي جرت محاولة اغتيال لأكرم العجوري، الذي يعتبر الرجل رقم 2 في الجهاد الإسلامي في دمشق. فقد أطلق على بيته صاروخ من الجو فقتل نجله. وبزعم الجهاد، الممول من إيران، فقد أفلت العجوري ونجا بسلام من الهجوم الذي يعزوه التنظيم إلى إسرائيل.
يكثر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الأسابيع الأخيرة من ذكر التهديدات الأمنية من إيران، بل ويدعي بأن خطورة التهديدات عالية وأكثر إلحاحاً مما كانت في الماضي. وفي الأيام الأخيرة، أجري الجيش الإسرائيلي بعض التغييرات في انتشاره الدفاعي، في ضوء التهديدات المختلفة.
وأعلن الجيش، أمس، عن مناورة مفاجئة لهيئة الأركان في قيادة المنطقة الشمالية، وأفاد بأنها تستهدف فحص الجاهزية والقدرات العسكرية للقيادة. وجاء من الجيش الإسرائيلي أن المناورة هي الثانية في سلسلة مناورات قررها رئيس الأركان افيف كوخافي لهذه السنة. وغابت عن البيان الجملة المعتادة في مثل هذه الحالات بأن المناورة خطط لها مسبقاً، في إطار جدول التدريبات والمناورات السنوية.
القدس العربي