أعلنت جميع القوى السياسية العراقية، باستثناء كتلة سائرون التي يرعاها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، اصطفافها العلني خلف حكومة رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، التي تطالب حركة الاحتجاج التي اندلعت مطلع أكتوبر الماضي باستقالتها قبل عرض أي من مطالبها.
وجاء هذا الإعلان عبر اجتماع معلن في منزل زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، حضره جميع ممثلي القوى السياسية الشيعية والسنية والكردية، باستثناء كتلة الصدر، بعد سلسلة اجتماعات ثنائية وثلاثية سرية، منذ الشهر الماضي، للبحث عن مخرج في مواجهة مطالب المحتجين التي تستهدف النظام السياسي في عموده الفقري، ولا تنطلي عليها التنازلات السياسية الشكلية.
لكن الغريب أن هذا الاجتماع، وفقا لمراقبين، انتهى إلى مخرجات مكررة، استهلك عبدالمهدي الأسابيع الثلاثة الماضية وهو يتحدث عنها، من قبيل تعديل قانون الانتخابات والتعديل الوزاري وتشغيل العاطلين والكلام العام عن ملاحقة الفاسدين، وغيرها.
ووفقا للورقة النهائية التي خلص إليها الاجتماع، فإن أمام حكومة عبدالمهدي مهلة 45 يوما لتنفيذ الإصلاحات التي وعدت المتظاهرين بها، والتي قوبلت بسخرية في أوساط حركة الاحتجاج عندما أعلنت عنها الحكومة، لاسيما أن الشعار المهيمن في الشارع العراقي هو “نريد وطنا”.
وفي حال لم تف الحكومة بوعودها، فإن عليها الاستقالة، أو أن البرلمان سيسحب الثقة منها.
ويبدو أن وجود هذا البند في مقدمة ورقة الاتفاق السياسي، قضى على آماله بالصمود، إذ سرعان ما رفضه المتظاهرون، عبر حساباتهم على فيسبوك وتويتر وفي بيانات تم تداولها بكثافة.
ومع أن ورقة الاتفاق مليئة بالوعود والآفاق الجديدة التي تعد بتشريع قوانين تتصل بحياة الناس اليومية، إلا أن الشارع لم يعد يثق بالطبقة السياسية الحالية، ولا يريد منها أن تجري هذه الإصلاحات بنفسها، لأنه سبق أن اختبرها على مدار 16 عاما مضت، ولم تنفذ شيئا من وعود الكرامة والرخاء والعيش الكريم، في بلد تتجاوز موازنته المالية كل عام حاجز المئة مليار دولار.
ولم تكن كتلة الصدر معجبة بهذا الاتفاق، فعندما قاطعت الاجتماع في منزل الحكيم، أوحت بأنها ضد الإبقاء على عبدالمهدي، لكن المراقبين السياسيين يدركون أن “سائرون” هي أكبر كتلة نيابية، فلماذا لا تقيل عبدالمهدي أو وزراءه عبر البرلمان.
ووصف غسان العطية، رئيس قائمة التحالف المدني الديمقراطي، البيان بأنه محاولة لكسب المزيد من الوقت لعبدالمهدي فهو قد تراجع عن طلب استقالته والتخلي عن طلب استجوابه برلمانيا. متسائلا عن سبب عدم مشاركة الصدر والمجلس الأعلى الذي على خلاف مع عمار الحكيم، إن كان استجابة لضغوط إيرانية.
وقال العطية في تصريح لـ”العرب” إن هدف الاجتماع الأخير هو سعي لوحدة الأحزاب الشيعية الحاكمة، ولكن غياب الصدر والمجلس الأعلى غيّر الصورة. معتقدا أن الوعود لا تكفي فالمطلوب هو التغيير عبر تشكيل حكومة انتقالية بشخصيات مهنية مقبولة شعبيا وبمهام وفترة محددة والإعداد لانتخابات حرة ونزيهة بقوانين وهيئة مستقلة والتزام الحكومة الانتقالية بعدم الترشح وهذا ما لا تقبله الأحزاب الحاكمة بمختلف طوائفها.
ويقول النائب عن الكتلة سلام الشمري “عدم حضورنا كتحالف سائرون لاجتماع (الحكيم) للكتل السياسية لقناعتنا الكاملة بعدم جدواه ونعدّه عودة للمربع الأول دون حلول”، مضيفا أن “الحل الأمثل للأوضاع الراهنة يتطلب إصلاحا شاملا للعملية السياسية”.
ويرى الشمري أن الاتفاق الذي توصلت إليه الكتل السياسية، هو “محاولة لتوحيد الفرقاء والجهود لمواجهة المطالب المشروعة للشعب العراقي الذي لن يقبل ونحن معه إلا بالإصلاح الشامل للعملية السياسية”.
لكن الشمري لا يحدد نوعية الإصلاح المطلوب، لذلك يرى مراقبون أن كتلة الصدر تنفذ مناورة إعلامية فحسب، بمقاطعتها اجتماع منزل الحكيم، لأنها في الحقيقة أحد أهم رعاة حكومة عبدالمهدي.
ويعزون المناورة الصدرية إلى توجيه إيراني، كي يبدو للمتابعين أن هناك انقساما سياسيا أو أن هناك أكثر من رأي في كواليس الطبقة السياسية بشأن طريقة التعاطي مع مطالب المحتجين.
من طرفه، يمعن رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، الذي يضع المتظاهرون استقالته على رأس مطالبهم، في تجاهل الحراك الشعبي، من خلال حديثه عن تعديل وزاري مزعوم.
والثلاثاء، قال المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء سعد الحديثي، إن “عبدالمهدي سيقدم تعديلات وزارية إصلاحية”، مضيفا أن “عبدالمهدي سيقدم قائمة بعدد من الوزراء للوزارات الخدمية والاقتصادية والمعنية بملف الإصلاحات والاستجابة لمطالب المتظاهرين على المستوى المعيشي والخدمي”.
وأضاف “تم اختيار بعض المرشحين، وهناك استكمال لاختيار البعض الآخر وفقا لاعتبارات مهنية خالصة وقناعات رئيس الوزراء بقدرات وإمكانيات المرشحين الجدد للاستيزار، بعيدا عن تدخلات وتأثيرات الكتل السياسية وترشيحاتها”.
ومضى يقول إن “رئيس الوزراء سيتوجه قريبا إلى مجلس النواب لطرح رغبته بالتعديل الوزاري”، مطالبا مجلس النواب بـ”مساندته في هذا التوجه لوضع آلية جديدة بما يتعلق بعملية الاستيزار بعيدا عن المحاصصة السياسية أو الولاءات الحزبية والكتلوية التي كانت تغلب على آلية الاختيار في الحكومات السابقة”.
ويقول مراقبون إن أي تنازل ستضطر الكتل السياسية لتقديمه من أجل تهدئة المحتجين، سيكون مؤقتا ومشروطا، إذ لا يمكن تصور أن تكون الحكومة العراقية مستقلة عن القرار الإيراني.
لكن المتظاهرين، الذين ابتكروا أسماء وأوصافا عديدة للسخرية من عبدالمهدي، لا يبدو أنهم معنيون بتعديله الوزاري، الذي يترجم في نظرهم، بشكل غير مباشر، جميع الأحزاب الطائفية والقومية التي تهيمن على السلطة في العراق.
العرب