إعلان انتصار ثورتي العراق ولبنان ونهاية النظام الإيراني

إعلان انتصار ثورتي العراق ولبنان ونهاية النظام الإيراني

يمكن “الإعلان”بلا أدنى شك عن انتصار ثورتي العراق ولبنان، بل يمكن أيضا إعلان دخول الشرق الأوسط في عهد جديد ونهاية النفق المظلم، الذي دخلته المنطقة بوصول الخميني إلى السلطة في إيران قبل أكثر من أربعين عاما.

لم يعد بالإمكان تخيّل انحسار ثورتي لبنان والعراق وتخلّي الشعبين عن حلم إنهاء منظومة الفساد والمحاصصة الطائفية وهيمنة أتباع طهران، بعد انتقال شرارة احتجاجات البلدين إلى الشارع الإيراني وانفجار الغضب المكبوت في معظم المدن الإيرانية.

لو كانت الاحتجاجات في بلد واحد من تلك البلدان الثلاثة، فإن فشلها يمكن أن يكون مرجّحا، مهما كان حجم الانتفاضة، بسبب قسوة وتجذر هيمنة الأنظمة الفاسدة فيها. لكن انفجارها في البلدان الثلاثة سوف يمنع انحسارها في أي بلد منها.

قبل أن يمتد لهيب الاحتجاجات إلى الشوارع الإيرانية، كان من الواضح أن ثورتي العراقيين واللبنانيين، استمدتا الكثير من العزم والإصرار من بعضهما البعض، وهو ما كان واضحا في الشعارات التي رفعت في ساحات البلدين.

لم يكن بالإمكان تراجع زخم الاحتجاجات في العراق أو لبنان في ظل استمرار ثورة البلد الآخر. أما بعد امتداد الغضب إلى الشارع الإيراني، حيث معقل أسباب الخراب التي ثاروا من أجلها، فإن انحسار الانتفاضة في العراق ولبنان أصبح مستبعدا إلى حد بعيد.

احتجاجات الإيرانيين التي كانت شرارتها زيادة أسعار الوقود، سببها الأعمق هو احتجاجات العراقيين واللبنانيين على النفوذ الإيراني، الذي دمّر مؤسسات الدولة في البلدين، وهو واضح في الشعارات والهتافات التي رفعها المحتجون في المدن الإيرانية.

وكان مفاجئا حجم الرسائل والشعارات المتبادلة خاصة بين المحتجين العراقيين والإيرانيين، حيث لا يمكن إغفال رمزية رفع عدد من الأعلام العراقية في بعض الاحتجاجات الإيرانية.

وسارع المنتفضون العراقيين إلى حمل لافتات ونشر رسائل موجهة إلى الشارع الإيراني باللغات الفارسية والعربية والانكليزية، تؤكد لهم أن العراقيين المحتجين هم ضد سياسات النظام الإيراني.

وشددت تلك الرسائل على وقوف المحتجين العراقيين إلى جانب الإيرانيين في تمردهم للتخلص من النظام، الذي يشعل الحرائق في المنطقة ويتسبب في معاناتهم ومعاناة شعوب المنطقة.

إصرار إيران على زيادة أسعار الوقود، حتى بعد اندلاع الاحتجاجات ووضوح مخاطر أن يؤدي ذلك إلى سقوط النظام، يكشف حجم مأزق النظام وقسوة العقوبات الأميركية الشاملة، التي لا يمكن مقارنتها بأي عقوبات سابقة على أي بلد في العالم.

من المنطقي أن النظام الإيراني لا يمكن أن يدخل هذه المغامرة الخطيرة لو كان قادرا على تفاديها ولم لم يكن مضطرا لتجرع هذا السم.

قسوة العقوبات الأميركية تكمن في أن إمكانية الالتفاف عليها اليوم، أصبحت أصعب بمئات المرات مما كانت عليه في الماضي، بسبب التكنولوجيا الحديثة واستخدام الذكاء الاصطناعي في رصد أي جهة لها صلة بالتعامل مع طهران، ولو بطريقة غير مباشرة.

ويتضح ذلك في امتناع جميع الشركات العالمية، حتى التابعة لدول تعارض بشدة العقوبات الأميركية مثل الصين وروسيا، عن التعامل مع النظام الإيراني، لأنها تدرك أنها ستتعرض لعقوبات أميركية.

كما أن الأمر لا يتعلق بوفرة المشتقات النفطية، رغم أن إيران تستورد نسبة منها بسبب تهالك مصافيها، بل يتعلق الأمر بجفاف موارد طهران المالية في ظل التوقف شبه التام لصادرات النفط والحزمة الشاملة من العقوبات الأميركية الخانقة.

ويعني ذلك أن السلطات الإيرانية محاصرة بين أمرين أحلاهما مر، وأن عليها أن تتجرع أحدهما. إما غضب الشارع أو العجز عن تسيير الدولة ودفع الرواتب، وبضمنها رواتب حراس النظام من الحرس الثوري وقوات الباسيج والجيش.

ليست العقوبات الأميركية ضربة تلقتها إيران وانتهى الأمر! لأن آلامها تتضاعف كل يوم بل في كل ساعة. وهي لا تملك أي مسكنات أو أمل بإمكانية تخفيفها في المستقبل القريب ولا حتى البعيد.

الحقيقة الماثلة الآن هي أن استمرار وجود نظام كالنظام الإيراني لم يعد ممكنا، بعد أن تغير العالم كثيرا في السنوات الأخيرة، ولم تعد هناك سوى شوكة واحدة يصعب على المجتمع الدولي التعامل معها وهي نظام إيران، الذي لا يعترف بالحدود ومبني على أن وليه الفقيه هو وكيل الله في الأرض، كل الأرض وليس فقط العالم العربي والإسلامي.

لم يعد بالإمكان طي صفحة ما أعلنته الثورة العراقية واللبنانية، خاصة بعد وصول الشرارة إلى الشارع الإيراني. ولا يمكن بأي حال من الأحوال إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الأول من أكتوبر الماضي.

حتى لو انحسرت إحدى تلك الثورات لأيام أو أسابيع، فإن السيناريو كتب وأعلن ولم يعد بالإمكان سحبه من أذهان المنتفضين. ويعني ذلك أن المسيرة، التي بدأت لإنهاء المرحلة المظلمة، التي بدأت باختطاف الثورة الإيرانية قبل 40 عاما، انتهت بالفعل ونحن في مخاض حدوثها على أرض الواقع.

هكذا اكتملت وترابطت عناصر وأركان نهاية مرحلة النفوذ الإيراني، بل ومرحلة صعود الإسلام السياسي برمته، الذي لم يكن لينتشر لولا وصول الخميني إلى السلطة في عام 1979.

إحدى الطرائف الساخرة التي يتداولها المحتجون تقول إن إيران لم تنجح في تصدير الثورة على مدى 40 عاما وأنهم تمكنوا من تصدير الثورة إليها خلال 40 يوما.

يمكن ببساطة وبيقين تام الإعلان عن نجاح ثورتي العراق ولبنان ونهاية النظام الإيراني بصيغته المخربة الحالية بانتظار بلورة مسارات ترجمة ذلك في الأسابيع أو الأشهر المقبلة.

العرب