بعد 40 يوماً على انطلاقة الانتفاضة الشعبية في لبنان اختار أنصار من ثنائي حزب الله وحركة أمل تجريب جولة ثانية من التنكيل بالمتظاهرين والمعتصمين في الساحات وعلى الجسور، في بيروت وصيدا، وذلك بعد جولة أولى يوم 29 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي شهدت الاعتداء على النشطاء وحرق الخيم والمنابر والمنصات. لكن هذه الجولة الجديدة ارتدت طابعاً أكثر عنفاً وأوسع نطاقاً، وهتفت بشعارات استفزازية ومعادية لعل أخطرها كان شعار «الشعب يريد 7 أيار».
وهذه إشارة إلى ما يُعرف باسم «غزوة حزب الله» سنة 2008، حين نزل أنصار الحزب بسلاحهم إلى قلب بيروت ومناطق في جبل لبنان لإجبار الحكومة على سحب قرارين، تضمن الأول اعتبار شبكة الاتصالات الهاتفية التي أقامها الحزب غير شرعية، ونصّ الثاني على إقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي. ورغم تراجع الحكومة عن القرارين، فقد وقعت مواجهات مسلحة بين الحزب وأنصار «تيار المستقبل» أسفرت عن سقوط 71 قتيلاً.
وليس منطقياً الافتراض بأن أنصار الحزب والحركة تحركوا على نحو عفوي ومن دون توجيه مباشر وصريح من القيادات العليا، ولذلك فإن هذا التطور يرتدي صفة بالغة الخطورة لجهة تسعير العداء أكثر فأكثر بين غالبية ثائرة من أبناء الشعب اللبناني تطالب بالتغيير والإصلاح وردّ المظالم ومحاربة الفساد، وأقلية تزعم تأييد هذه المطالب في العلن، ولكنها عملت وتعمل على إفراغها من مضامينها وتعطيل زخمها الشعبي بهدف الاكتفاء بإجراءات تجميلية تكفل الإبقاء على النظام القائم. والمطالبة بـ«غزوة» جديدة لا تعيد إلا ذاكرة صفحة كانت الأخطر في حياة لبنان بعد الحرب الأهلية، ولا تذكّر إلا بمقولة أن سلاح الحزب والحركة غايته الأولى تطويع الشارع الشعبي وفرض الهيمنة السياسية بالقوة والإكراه.
وقد يصح القول إن جولة الدراجات النارية والشعارات الاستفزازية ورشق المعتصمين بالحجارة وإحراق الخيام كانت بمثابة تطبيق «ناعم» لخيارات أخرى قصوى يمكن أن يلجأ إليها ثنائي الحزب والحركة، قد تنطوي على إنزال ميليشيات مدججة بالسلاح والاشتباك المباشر مع المعتصمين واستفزاز الجيش أو حتى اعتماد تصفيات فردية وانتقائية وترهيب الجموع عن طريق العبوات الناسفة. لكن الأصح في المقابل هو ظهور حزب الله وأمل بمظهر ثنائي شيعي معاد للانتفاضة أو غير موافق إلا على ما يلائمه من مطالبها، وهذا كفيل بخلق هوة طائفية ومذهبية جديدة وخيمة العواقب على كامل المشهد اللبناني الداخلي.
ومن جانب آخر يصعب أن يكون تحرّك الثنائي عارضاً أو مؤقتاً أو لا سياق له بمعزل عن تطورات البلد، سواء لجهة استمرار الانسداد حول «جنس» الحكومة المقبلة وهل تكون سياسية أم تكنوقراطية أم تكنو ــ سياسية، والعجز عن إيجاد شخصية سنّية توافق على تشكيل الحكومة من دون أن تغضب سعد الحريري أو تستفز شارع الانتفاضة الشعبي، وتفاقم شروط الحياة اليومية ومتطلبات العيش المختلفة والخدمات الضرورية، ومسير الاقتصاد اللبناني وخاصة القطاع المصرفي نحو انهيار وشيك ومخاطر جسيمة، وكل هذا في غمرة فشل الجهود الدولية الأمريكية والفرنسية والأممية في تحقيق تقدم ملموس.
وقد يكون هذا المشهد القاتم تحديداً هو السياق الأنسب لكي يسعى ثنائي الحزب والحركة إلى الشروع في وأد المكاسب الكثيرة الثمينة التي أنجزتها الانتفاضة الشعبية، ابتداء من غزوة محدودة يمكن أن تفضي إلى حرب شاملة.
القدس العربي