العراق… ساحة الرسائل المتبادلة بين واشنطن وطهران

العراق… ساحة الرسائل المتبادلة بين واشنطن وطهران

وجّه الشارع العراقي الغاضب لطمةً جديدة إلى إيران، بإحراق قنصليتها في مدينة النجف، مركز التشيّع الروحي في العالم، ومقر المرجع الشيعي الأعلى على مر الأزمان.

وهذه القنصلية الإيرانية الثالثة التي يحرقها المحتجون العراقيون، بعد قنصلية البصرة عام 2018، وقنصلية كربلاء منذ أسابيع قليلة، ما يجسد الحقيقة المرة التي تتجاهلها إيران، وهي التحول الجذري في مزاج الشارع الشيعي العراقي، إزاءها على الرغم من أنها تقدم نفسها للعالم بصفتها حارسًا للمذهب الشيعي.
وعن سبب حرق القنصلية، يرى المابعون للشأن العراقي أن إيران تقف خلف الخراب الذي يخيم على بلادهم منذ 16 سنة، برعايتها أحزاب الإسلام السياسي الشيعية والسنية على حد سواء، مضيفين أن المحتجون يحاولون منذ بدء التظاهرات إبلاغ طهران هذه الرسالة ولكن من دون جدوى.

تُظهر إيران أنها تتعامل باستخفاف مع التظاهرات التي تشهدها المدن العراقية بحيث أنها لم تعمد إلى غلق سفارتها وقنصلياتها ولم ترحّل دبلوماسييها وعوائلهم كما تفعل الدول الحريصة على سلامة مواطنيها الذين يعملون في المناطق الخطرة. وعزا المراقبون للشأن العراقي  السلوك الإيراني، الذي وصففوه بغير المسؤول، إلى رغبة إيرانية في عدم النظر إلى الاحتجاجات بحجمها الطبيعي. كما لا ترغب إيران في أن تهب المحتجين شعورا بالانتصار عليها وهو ما شكل سببا مضافا للقرار الذي اتخذه المحتجون في حرق قنصليتها في النجف بعد أن كانوا في أوقات سابقة قد أحرقوا قنصليتيها في البصرة وكربلاء.

يشكّل حرق القنصلية أيضاً تدميرا رمزيّا لليافطة الكبرى التي تمارس فيها إيران هيمنتها على المنطقة باعتبارها راعية المذهب الشيعي، وبالتالي فحين تجيء الضربة من الشيعة العراقيين أنفسهم، وفي مدينة النجف المقدسة التي هي موطن مزارات ومقامات شيعية مهمة فإنها تقوم بتفكيك المخزون الأيديولوجي لإيران والأحزاب المناصرة لها.
إثر ذلك وصف العميد إيرج مسجدي، سفير إيران في العراق، المتظاهرين العراقيين بالمندسين وعملاء الخارج، فيما انتقد مراسل التلفزيون الإيراني السلطات لأنها «كانت تشاهد ما يحدث ولا تفعل شيئا».

فعلى ضوء  حركة الاحتجاجات المستمرة في العراق واستهداف القنصلية الايرانية التي تعد رسالة مهمة في رفض النفوذ الايراني من قبل الشعب العراقي، فذلك يعني أن العراق وصل إلى مرحلة شفة الهاوية والمتمثلة بالحرب الأهلية -لا قدر الله-، وعلى جانب آخر من الصراع الامريكي الإيراني في العراق،  فإن على الرغم من الصواريخ التي تستهدف المصالح الامريكية في العراق   واستهداف أرامكو واستقالة عادل عبدالمهدي وفي المقابل حركة الاحتجاجات الإيرانية التي ترى طهران أن واشنطن والرياض وأبو ظبي وتل أبيب تقف ورائها، فإن حرب الرسائل بين واشنطن وطهران كانت مستمرة، وقد تستمر هذه الرسائل مع رئيس الوزراء الجديد خاصة إذا حظي بالموافقة الأمريكية والإيرانية في تعيينه رئيسًا لوزراء العراق. فالرسائل الصاروخية الإيرانية على المصالح الأمريكية في العراق قد يكون الجواب الأمريكي في قادم الأيام ، فقد تقدم واشنطن على فرض عقوبات على شخصيات عراقية حليفة لطهران .

فالولايات المتحدة الأمريكية، من أجل الدفاع عن مصالحها في العراق والخليج العربي ضد التهديدات الإيرانية على استعداد في مواجهة كل من يحاول العبث بمصالحها، ولا تقف تلك المواجهة عند حدود العقوبات الاقتصادية والعسكرية بل قد تتسع مداها لتصل إلى حد المواجهة المباشرة.

الجغرافيا قدر لا يمكن زحزحته. وإيران دولة كبيرة وعريقة في الإقليم. ووجود جيرانها عريق هو الآخر. الخيار الواقعي الوحيد هو التعايش. لكن هذا التعايش سيبقى صعباً ومفخخاً ومهدداً ما لم يرتكز إلى لغة جديدة تحترم الحدود الدولية، وتبتعد عن سياسة التسلل وإمساك الأوراق داخل خرائط الآخرين. من حق أي دولة أن تسعى إلى دور ونفوذ، لكن السؤال يبقى عن الوسائل. الدور الجديد يصنع بالنموذج الجاذب والنجاح الاقتصادي وتحسين شروط حياة الناس. لألمانيا دور في أوروبا، لكنَّها لا تحاول الحصول على حق النقض في باريس أو إنشاء جيوش موازية في مدريد.

واضح أنَّ الدور الإيراني الحالي في بغداد أكبر من قدرة العراق على الاحتمال. يمكن قول الشيء نفسه عن لبنان طبعاً مع الالتفات إلى فوارق الموقع الجغرافي والتركيبة السكانية. من حقك أنْ تختارَ ما تشاء داخل حدودك، لكن ليس من حقِّك أن تفرضَ نفسك لاعباً داخل خرائط الآخرين.

وحدة الدراسات العراقية 

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية