حل أزمات العراق ليس بيد السياسيين ولا رجال الدين، الإعلام هو الأقدر

حل أزمات العراق ليس بيد السياسيين ولا رجال الدين، الإعلام هو الأقدر

_67946_zz3

بعد أحد عشر عاما من العمل كصحفي في هذا البلد، أستطيع أن أرى أن هناك اليوم حربا أيديولوجية في الشرق الأوسط، وهذه الحرب هي ليست بين الغرب والشرق الأوسط، أو بين المسيحية والإسلام، إنها حرب بين المتطرفين الإسلاميين والمسلمين المسالمين الذين يرغبون في الحصول على حياة جيدة بعيدا عن العنف.

أعتقد أن لدى المتطرفين اليد العليا في هذه الحرب الأيديولوجية. وحتى لو لم يكتو كل الشرق الأوسط بنيران هذه الحرب في وقت قريب، فإن الشعب العراقي قد فقد كل أمل تقريبا في تحقيق مستقبل أفضل. لذلك، هناك حاجة ملحّة لإجراء تغييرات من شأنها أن تسمح للمسلمين المسالمين أن ينتصروا في هذه الحرب.

والتغيير الأكثر أهمية وإلحاحا هو إصلاح الإسلام. ومع ذلك أشك في أن يحدث هذا الأمر وأنا على قيد الحياة لأسباب عديدة:

* أولا، يعتقد رجال الدين المسلمين أن دينهم مثالي وأن أيّ محاولة لإصلاحه هي كفر؛ فعلى مدى قرون خلت كانوا يروجون لهذه الفكرة.

*ثانيا، لدى الإسلام مشكلة سلطة. ومن الصعب جدا جلب رجال الدين البارزين للجلوس إلى طاولة واحدة، ناهيك عن جعلهم جميعا يتفقون على اتخاذ قرار واحد.

* ثالثا، يفضّل رجال الدين البقاء في الفضاء المريح لهم ولذلك فهم يعلنون أن المتطرّفين الذين يمارسون العنف ليسوا سوى بضع تفاحات فاسدة سقطت من شجرة الإسلام الضخمة، ولكن تلك الشجرة ما زالت تنتج المزيد والمزيد من العناصر الفاسدة. فإذا ما أنتجت شجرة الكثير من الفاكهة الفاسدة لمدة طويلة من الزمن، فهذا دليل على وجود شيء خاطئ بتلك الشجرة.

* رابعا، رجال الدين الإسلامي الرائدون ليس لديهم الرغبة في إجراء تغيير أو بذل المزيد من الجهد. مثال على ذلك عندما ترسم صحيفة ما رسما كاريكاتوريا للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، أرى غالبية رجال الدين يدعون إلى المظاهرات ويدينون الصحيفة التي تنشر هذه الرسومات. ولكنني لم أر أيّ رجل دين سنّي ينظّم مظاهرة لإدانة الجماعة المتطرفة التي تعرف باسم تنظيم الدولة الإسلامية لقتلها للإيزيديين ولسبيها لنسائهم أو لقتلها الناس الأبرياء من الشيعة، ولم أر حتى الآن أيّ رجل دين شيعي ينظم أيّ مظاهرات للاحتجاج على قتل المدنيين الأبرياء السنّة من قبل الميليشيات الشيعية.

للأسف تنشر وسائل الإعلام الكثير من المعلومات التي تشجع على العنف، فقط من أجل أن تحصل على المزيد من الإعجاب على صفحات الفيسبوك أو من أجل الحصول على المزيد من التعليقات

ولكنني لا أعتقد أننا بحاجة إلى الانتظار عقودا ليبدأ رجال الدين الإسلامي بالعمل، بدلا من ذلك لديّ إيمان أن بإمكان وسائل الإعلام العراقية أن تلعب دورا في تثقيف الجماهير، فمن الصعب جدا تغيير وسائل الإعلام في الشرق الأوسط لأن معظمها ممول إما من الدول أو من الأحزاب السياسية، ولكن بإمكان الإعلام اليوم في الشرق الأوسط وفي العراق، أن يكون في بعض الحالات، أقوى من رجال الفقه الإسلامي.

يستخدم الفقهاء المسلمون وسائل الإعلام ولكن في الواقع يمكن لوسائل الإعلام حشرهم في الزاوية، وإجبارهم على مناقشة المشاكل الموجودة في الإسلام، وإجبارهم على الاعتراف بأن هناك مشكلة ويجب على وسائل الإعلام العراقية عدم تجنب موضوع الإصلاح الإسلامي. إذا لم يفعلوا ذلك سيكونون جميعهم وسيكون جمهورهم أيضا من ضحايا المتطرفين.

للأسف، تنشر وسائل الإعلام الكثير من المعلومات التي تشجع على العنف، فقط من أجل أن تحصل على المزيد من الإعجاب على صفحات الفيسبوك أو من أجل الحصول على المزيد من التعليقات. ويروّج العديد من الصحفيين المحليين بسذاجة لوحشية تنظيم الدولة الإسلامية وهم لا يدركون أنهم بقيامهم بذلك يسممون مجتمعهم.

ويجب على وسائل الاعلام المحلية أن تتحقق من نوعية المعلومات التي تقدمها لجمهورها وأن تتأكد من أن هذه المعلومات لا تغذي الانتهاكات وتشجع على ارتكابها. فعلى سبيل المثال نشرت واحدة من وسائل الإعلام الكردية العراقية مقالا على الإنترنت قالت فيه إن أسبانيا اهتزت بأربع انفجارات بعد الهجوم الذي وقع في باريس. أصبت بالصدمة وعندما فتحت المقال وقرأته أدركت أنه يتحدث عن مباراة لكرة القدم بين فريقي برشلونة وريال مدريد، حيث فاز فريق برشلونة بأربعة أهداف مقابل لا شيء لفريق ريال مدريد. هذا هو مثال لعدم الاكتراث الذي أتحدث عنه.

ويجب على الإعلام أيضا أن يركز أكثر على ضحايا الجماعات المتطرفة بدلا من التركيز على الجماعات المتطرفة نفسها. فالضحايا ليسوا مجرد أرقام، إنهم بشر ولهم محبّوهم، لذلك يجب على الإعلام أن يروي قصصهم. وعلى وسائل الإعلام المحلية أيضا أن تركز أكثر بكثير على الفقهاء المسلمين الذين يدعون إلى السلام والتعايش وأن تتجاهل أولئك الذين يدعون إلى العنف والكراهية. أريد أن أشدد مرة أخرى على ما يلي: إن وسائل الإعلام في العراق أقوى من الفقهاء المسلمين. فإذا ما وضعت وسائل الإعلام هذه فكرة الإصلاح الإسلامي في جداول أعمالها سيكون الجميع منتصرا.

الجماهير المحلية تريد أن تتحدث حول هذا الموضوع، سواء اتفقت أم اختلفت معه ومثل هذا الحديث سيفيد المجتمع الذي يعاني بالفعل كثيرا من التطرف الديني ومن النزعة الطائفية. علينا أن ننسى السياسيين العراقيين والزعماء الدينيين في العراق عند التفكير في حلّ المشكلات الناجمة عن التطرف، وعلينا أن نضع ثقتنا في وسائل الإعلام العراقية فهي أملنا الأخير.

صحيفة العرب اللندنية