المخاطر المناخية تصعّب واقع الاقتصاد المغربي

المخاطر المناخية تصعّب واقع الاقتصاد المغربي

أظهر تقرير حديث حول تقييم المخاطر المناخية على المغرب أن القطاع المصرفي معرّض لتهديدات ائتمانية قد تؤثر على جوانب مختلفة أخرى، بما فيها العقارات وأصول الشركات وثروات الأسر، الأمر الذي يحد من قدرة المقترضين على سداد ديونهم.

الرباط- حذر تقرير حديث للبنك المركزي المغربي والبنك الدولي من تعرض محافظ البنوك لمخاطر الجفاف والفيضانات، وتأثرها باعتماد ضريبة الكربون مع التطرق إلى مدى هشاشة مؤسسات النظام المالي في حالة حدوث صدمات مناخية افتراضية.

وسلط التقرير الذي نشر هذا الأسبوع الضوء على المشاكل المرتبطة بعدم توفر بيانات كافية تتيح الاستجابة السريعة للتحديات، وبمدى تعقيد الإحاطة بالتفاعلات بين العوامل الاقتصادية والمالية والمناخية.

وعمليا، يتصدى المغرب حاليا لتحديات كبيرة تتعلق بتغير المناخ. وبوصفه أحد أكثر بلدان العالم معاناة من الإجهاد المائي، فهو تواجه ضغوطا متزايدة بسبب الجفاف تؤثر بشدة على قطاع الزراعة على وجه الخصوص. وبالإضافة إلى ذلك، يلوح في الأفق خطر حدوث فيضانات شديدة ومتكررة في المناطق والمراكز الحضرية الرئيسية.

وتشكل هذه الصدمات، بحسب التقرير المدعوم من الصندوق العالمي لتمويل المخاطر، مخاطر ليس فقط على السكان والبنية التحتية والاقتصاد بوجه عام، ولكن أيضا على استقرار البنوك المغربية وسلامتها.

ويعتبر القطاع المصرفي أحد المحركات الرئيسية لنمو الاقتصاد المغربي للبلاد بأصول تبلغ إجمالا 138 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

وكشف التقرير أن أكثر من 60 في المئة من إجمالي القروض متمركزة في مدينة الدار البيضاء، والتي تستأثر مع الرباط ومراكش بنحو 77 في المئة من إجمالي القروض. في المقابل، تتركز نسبة 3.5 في المئة فقط من القروض بنحو 50 منطقة الأصغر حجما.

وتواصلت معاناة السكان في الكثير من المدن والمناطق الريفية من تداعيات الجفاف الذي أضحى مؤثرا على الموارد المائية، التي ساهمت في التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة مع تأثر الزراعة بالتغيرات المناخية التي تواجه البلاد.

وللعام السادس على التوالي، يتعرض البلد لتهديد حقيقي جراء موجة الجفاف، وسط مخاطر تحدق بالقطاع الزراعي الذي يمثل عصب الناتج المحلي الإجمالي للمغرب.

وتتراوح الآثار الاقتصادية لتغيرات المناخ، حسب الدراسة الأولى من نوعها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في مجموعة متنوعة من سيناريوهات الجفاف تتضمن خسائر بقيمة 4.2 مليار دولار في حدوث موجة جفاف تاريخية مرة واحدة كل 500 سنة.

وتصل الخسائر إلى نحو 7 مليارات دولار في حال حدوث موجة جفاف مرة واحدة خلال 500 سنة في سيناريو تغير المناخ الشديد في عام 2050.

20.7 مليار دولار حجم أصول أكبر ثلاثة بنوك مغربية منها التجاري وفابنك، وفق مجلة فوربس

وسيؤدي ذلك الوضع إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي بنسبة تتراوح بين 1.8 إلى 3.5 نقطة مئوية، مع خفض نسبة كفاية رأس المال للبنوك بنسبة 1.3 في المئة إلى 2.2 في المئة.

وفيما يتعلق بالآثار المضاعفة لتغير المناخ على كافة السيناريوهات، فستسبّب الفيضانات أضرارا تتراوح بين 8 مليارات دولار بالنسبة إلى الحالة الأولى و10.5 مليار دولار في التوقعات المتعلقة بعام 2025 ما يؤدي إلى تراجع النمو بنسبة تتراوح بين 1.6 و2.2 في المئة.

وبخلاف الطبيعة طويلة الأمد للجفاف، تبرز الفيضانات قصيرة الأجل، التي تؤدي إلى آثار ليست كبيرة على خسائر القروض ورؤوس أموال البنوك.

وأكد الخبير الاقتصادي إدريس الفينة لـ”العرب” أن المغرب تأثر بشكل كبير بالجفاف الذي كان تأثيره على القطاع الزراعي وعلى قطاعات أخرى مرتبطة بالموارد المائية، خصوصا قطاعات الصناعات الغذائية والسياحة”.

وقال إن “هذا الوضع سيجعل الحياة في المدن صعبة شيئا ما، وسيؤثر على سكان القرى والمنتجات الموجهة إلى السوق الداخلية وإلى التصدير”.

ولاحظ الفينة أنه مع التغيرات المناخية المتوالية فإن الأمر يتطلب إستراتيجيات قطاعية تسمح بتحقيق معدلات نمو مرتفعة لأن البلد يحتاج للقضاء على الفقر وتحسين القدرة الشرائية للسكان.

وأوضح أن ذلك يجب ربطه بتعليم يساير التحولات العالمية ويسمح بزيادة جودة رأسمال البشري المغربي، خصوصا مع إمكانيات للنمو التي يحظى بها البلد في عدد من المجالات تحتاج النهوض بالقدرة الشرائية للطبقة المتوسطة.

ويمكن أن يواجه القطاع المصرفي المغربي، حسب التقرير، تهديدات متصلة بعملية التحول بسبب التغيرات في السياسات وزيادة انبعاثات الغازات الدفيئة.

وذكر معدو التقرير أن هذا الوضع “قد يزيد من المخاطر المرتبطة بالتحول في القطاعات كثيفة الانبعاثات الكربونية، مثل توليد الكهرباء والنقل والتعدين والفلاحة والصناعات التحويلية والمرافق”.

4.2 مليار دولار قيمة الخسائر في صورة حدوث موجة جفاف تاريخية مرة واحدة كل 500 سنة

وأشاروا إلى أنه رغم إمكانية تدبير وإدارة الآثار المناخية المجمعة على القطاع، إلا أن الأثر المالي يختلف من بنك إلى آخر، ما يتطلب مزيدا من الاهتمام من جانب المؤسسات المالية والبنك المركزي.

ومع ذلك، لا يزال القطاع يظهر متانته في مواجهة كافة الصدمات الاقتصادية، التي يعرفها العالم في السنوات الأخيرة، وأظهر أيضا قدرته على النمو رغم تلك التحديات.

وصنفت مجلة “فوربس” الأميركية المتخصصة في شؤون المال والأعمال مؤخرا القطاع المصرفي في المغرب كأقوى وأكثر قيمة بين نظرائه في منطقة شمال أفريقيا.

وحسب “فوربس” فإن القيمة الإجمالية لأكبر ثلاثة بنوك مغربية وهي التجاري وفابنك والبنك الشعبي وبنك أفريقيا تصل إلى نحو 20.7 مليار دولار، وهو ما يشير إلى استقرار الوضع المالي للنظام المصرفي عموما، مع وجود إمكانيات للنمو في المستقبل.

وفي جانب آخر عن التأثيرات المناخية، أظهرت معطيات رسمية أن استهلاك الإسمنت خلال الربع الأول من هذا العام سجل تراجعا بنسبة 0.4 في المئة، ما اعتبره إدريس الفينة مؤشرا مقلقا سواء بالنسبة إلى قطاع البناء والأشغال العمومية والاقتصاد برمته.

وأوضح أن العلاقة بين المؤشرين على المدى البعيد تؤكد أن الأداء خلال الفترة بين يناير ومارس الماضيين لم يكن جيدا بفعل عوامل منها ضعف الطلب بسبب تدهور القدرة الشرائية وتراجع استثمارات القطاع الخاص جراء عراقيل منها الضغط الضريبي.

ويشدد الخبراء على ضرورة أن تدمج البنوك المغربية مخاطر المناخ في ترتيبات تدبير وإدارة المخاطر والحوكمة، وفي الوقت نفسه يستجيب المركزي المغربي بوضع إرشادات رقابية أكثر تفصيلا، ويعمل على دمج المخاطر المناخية في الممارسات الرقابية.

العرب