تحاول إيران ادامة علاقتها مع دول الشرق التي اتخذتها سياسة ثابتة في العلاقات الدولية وطبيعة الأحداث القائمة والمتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، ولهذا فإنها تعمل جاهدة على توسيع نطاق التعاون بين روسيا والصين وفي كافة المجالات لحماية مصالحها وإثبات وجودها كقوة إقليمية لها القدرة على التفاعل والتأثير على أي متغيرات سياسية قادمة في المنطقة وتأمين مستلزمات الحماية الدولية للمعابر والمضايق المائية والبحار والمحيطات وفق سياسة التعاون الإقليمي والدولي بين الدول المتشاطئة أو التي تستخدمها لتجارتها الدولية واستثماراتها الإقتصادية وتصعيد حالة التعاون المشترك في تحقيق الغايات والأهداف الإيرانية في التواجد والتمدد ضمن المناطق الإستراتيجية والابقاء على وجودها وديمومة تواصلها مع العالم، ولهذا فإن إيران قد اتخذت قرارها الإستراتيحي بأن تكون علاقتها مزدهرة ومتطورة مع الجانبين الروسي والصيني خدمة لمصالح الجميع.
أمام هذه المعطيات المهمة جاءت المناورات البحرية الأخيرة ببن إيران وروسيا والصين بتاريخ 12 آذار 2024 في منطقة شمال المحيط الهندي والجزء العملي من التدريب فيها بمياه خليج عُمان وبحر العرب بهدف تعزيز وتوسيع التعاون العسكري البحري والتي اطلق عليها ب ( مناورات حزام الأمن البحري ) بمشاركة قطع بحرية إيرانية وروسية وصينية وممثلين عن دول أخرى ( عُمان وأذربيجان وكازاخستان وباكستان وجنوب أفريقيا) ولإظهار قدرات هذه الدول على صيانة السلم العالمي والأمن البحري وتعزيز أمن التجارة البحرية الدولية ومواجهة القرصنة والإرهاب البحري وتبادل المعلومات والتجارب العملياتية في مجال الإنقاذ البحري وتعميق التعاون بين القوات البحرية للدول المشاركة.
أهمية المناورات أنها تأتي في الوقت الذي تقوم جماعة الحوثيين بعملياتها العسكرية عبر مهاجمة السفن الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب منذ بداية المواجهة العسكرية بين حركة حماس والقوات الإسرائيلية، وتشكل المناورات محور مضاد للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية في بيان لها أن ( مجموعة من سفنها البحرية وصلت إيران للمشاركة في تدريبات مع بكين وطهران بخليح عُمان وبحر العرب مع سفن حربية وطائرات، والغرض الأساسي هو سلامة النشاط الاقتصادي البحري،وسيرافق هذه المعدات الطراد الصاروخي فارياج)،في حين أرسلت الصين سفنتين مزودتين بصواريخ موجهة وسفينة إمداد للمشاركة في التدريبات.
إن هذه المناورات شكلت أساس ميداني في طبيعة العلاقات الدولية وتحد للولايات المتحدة الأمريكية بسبب حساسية تموضع الأسطول الخامس الأمريكي في مياه الخليج العربي، كما وأن اختيار أماكن المناورة يعتبر حالة مثالية كونها أحاطت بمنطقة تمثل مضايق عالمية إستراتيجية وضمان لمرور السفن البحرية التجارية المتعلقة بانسيابية تدفق الطاقة العالمية من النفط والغاز.
وهناك رسالة مهمة ارسلتها الدول الثلاث المشاركة في المناورة بعدم قبولها باي تغيرات جيو سياسية وإستراتيجية في المحيط الهندي كونها عازمة على ضمان حماية المضايق في المنطقة دون الدول الغربية.
أثارت المناورات البحرية حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية والتي رأت فيها أنها تأتي وسط توترات إقليمية متصاعدة تتعلق بحركة المرور الدولية في البحر الأحمر وما تقوم به جماعة الحوثيين المرتبطين بإيران ارتباطًا وثيقًا بضرب السفن الدولية في المياه الإقليمية كجزء من سياستهم في المشاركة بدعم الأحداث القائمة في قطاع غزة.
ان أهم الأهداف الإيرانية من مشاركتها في المناورات البحرية انها تعمل على تأكيد علاقتها الوثيقة مع الصين وروسيا ولاشعار الآخرين وخاصة الإدارة الأمريكية انهم جميعًا يعملون كدولة واحدة خاصة بعد قيام إيران بتزويد الجيش الروسي بطائرات مسيرة وصواريخ موجهة استخدمت ميدانيًا في الحرب المستمرة مع أوكرانيا وشكلت بعدًا استراتيجيًا كان له دورًا مؤثرًا في طبيعة تداعيات الحرب ميدانيًا، كما أن هذه المشاركة تأتي بعد المحادثات غير المباشرة مع الإدارة الأمريكية عبر وساطة عربية عُمانية جرت في شهر كانون ثاني 2024 والتي ناقشت إمكانية تدخل إيران لمنع الحوثيين من الاستمرار بأعمالهم التعرضية في البحر الأحمر وخليج عدن مقابل أن تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على رفع العقوبات الإقتصادية وإطلاق الأموال المجمدة الإيرانية وإيجاد فسحة جديدة للعمل لإنهاء الملف النووي الإيراني.
أراد النظام الإيراني توجيه رسالة للعمق العربي وتحديدًا دول مجلس التعاون الخليجي بسيادته على الخليج العربي وخليج عُمان والبحر الأحمر، وهذا ما يؤكد ان إيران لا زالت تمارس اللعبة السياسية مع الإدارة الأمريكية لتحقيق مصالحها وتهدئة الأوضاع في المنطقة بعيداً عن أي محاولات قد تؤدي إلى توسيع دائرة المواجهة التي ترغب الادارة الأمريكية في الابتعاد عنها في الوقت الحالي، وهناك هدف أساسي إستراتيجي يتمثل في رغبة النظام الإيراني بالسيطرة الأمنية الإقليمية على المضايق البحرية المهمة ومحاولة أبعاد الولايات المتحدة الأمريكية عنها واستبدالها بمنظومة أمنية من حلفاء إيران من الروس والصين ووكلائها من الفصائل المسلحة في المنطقة بعد أن استغلت تصاعد الأحداث في غزة ومسار تدخل الحوثيين وتغيره من تصاعد الأزمات داخل الميدان اليمني الذي يشهد صراعات سياسية واختلافات مذهبية وسعي للهيمنة على الشرعية إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل والإتكاء على الجرح الفلسطيني النازف والتضحيات الجسام في قطاع غزة،ولتأكيد الدور الإيراني في تعزيز الحماية الدولية لهذه الأماكن المهمة في التجارة العالمية ولجعل المواجهات القائمة في البحر الأحمر وخليج عدن معركتها ومن أبرز أهدافها والتي سبق وأن حددها مساعد قائد الحرس الثوري الإيراني للشؤون التنسيقية ( الجنرال محمد رضا نقدي) بتاريخ 23 كانون الأول 2023 بقوله ( سيتعين على الأعداء قريباً انتظار غلق البحر المتوسط ومضيق جبل طارق وممرات أخرى).
وأكد هذا التوجيه اللواء يحيى صفوي المستشار الأعلى للمرشد علي خامنئي بأشارته (أن زيادة عمق إيران الإستراتيجي إلى خمسة الآف كيلومتر وأن عمق دفاعنا الآن هو البحر الأبيض المتوسط، وهذا البحر مع البحر الأحمر نقطتان إستراتيجيتان يجب أن تركز عليهما القوات البحرية والجوية للحرس الثوري).
هذه هي طبيعة السياسة التي تنتهجها إيران بعد استغلالها للأوضاع الفلسطينية وسعيها لاستخدام قضية الشعب الفلسطيني من أجل تبرير توسعها الإقليمي وفرض تقاسم مشترك لحصة لها في أي هدنة قادمة واعتبار فلسطين حجز أساس لا بديل لإيران عنها، لتمضي في هدفها كقوة إقليمية ودولية على حساب دماء الأبرياء في الأراضي الفلسطينية.
وخدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة