في ذكرى الاحتلال: لماذا اقدمت إدراة جورج دبليو بوش على احتلال العراق؟

في ذكرى الاحتلال: لماذا اقدمت إدراة جورج دبليو بوش على احتلال العراق؟

BUSH-WAR-IRAQ-2003

في فجر العشرين من آذار/مارس عام 2003م بدأت إدارة الرئيس الأمريكي السابق “جورج دبليو بوش” عدوانها العسكري على العراق، وقد تمكنت في التاسع من نيسان/إبريل من احتلاله بشكل كامل. وبمناسبة الذكرى الثالثة عشر لاحتلال العراق، نهدف في هذه الذكرى أولاً التطرق إلى الدوافع التي ساقتها الإدارة الأمريكية لاحتلال العراق وتبيان هشاشتها، وثانياً تحليل الدوافع الحقيقية وراء ذلك الاحتلال.

في العشرين من كانون الثاني/ يناير عام 2001م، وصل “جورج دبليو بوش” إلى رئاسة البيت الأبيض لتتشكل إدارته من المحافظون الجدد والقوميون المتطرفون الذين سعوا إلى تنفيذ “دليل التخطيط الدفاعي” الذي رسمت سياساته في شباط/فبراير عام 1992م، والذي يقضي لمنع ظهور منافس دولي جديد. وهذا الأمر يتطلب احتلال العراق. ومن أجل ذلك دفعت الإدارة الأمريكية بعدة مسوغات لاحتلالها، المسوغ الأول: علاقة نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بتنظيم القاعدة وارتباطه بأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر2001م، هذا المسوغ من الصعوبة بمكان الركون إليه لجهة أن النظام العراقي السابق نظام علماني، لا يلتقي نهائيا من الناحية الفكرية والواقعية مع تنظيم القاعدة، فالعلاقة بينهما علاقة عداء. ولجهة أخرى، ذكر “رون ساسكند” في كتابه “ثمن الولاء: جورج دبليو بوش البيت الأبيض، وتجربة بول أونيل” الصادر في العام 2004م، نقلاً عن وزير الخزانة الأسبق “بول أونيل” قوله إنه شاهد ملفاً سرياًّ بعنوان خطة لعراق ما بعد صدام بعد أسبوعين من استلام منصبه في بداية عام 2001م كما وجد العدوان على العراق كان موضوعاً دائما في جميع اجتماعات مجلس الأمن القومي -بالتحديد -التي حضرها.

والمسوغ الثاني هو امتلاك النظام العراقي السابق الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، فهذا المسوغ لا يعتبر مبرر كافي لاحتلال العراق، لأن معظم دول الشرق الأوسط تمتلك هذا النوع من الأسلحة كالجمهورية الإيرانية وسوريا وليبيا، والتسليم بهذا المسوغ كان يفرض على إدارة “جورج دبليو بوش” شن حرب على جميع دول الشرق الأوسط التي تمتلكه وليس العدوان على العراق فقط أما المسوغ الثالث لاحتلال العراق، فقد كانت ترى إدارة “جورج دبليو بوش” أن النظام العراقي السابق يشكل تهديداً عسكرياًّ حقيقيا على جيرانه. وهذا مسوغ في حقيقة الأمر ضعيف جداً، فالعراق نتيجة احتلاله لدولة الكويت في الثاني من آب/أغسطس عام 1990م، فرض عليه عقوبات دولية وحصار اقتصادي واستمرت حتى احتلاله. فمسألة أن العراق يشكل تهديداً كيف ذلك؟ والعقوبات والحصار أضعف النظام العراقي بشكل كبير ناهيك عن اضعافه عسكرياًّ وعدم امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل كي يهدد جيرانه بها.

بينما المسوغ الرابع لم تدفع به إدارة الرئيس الأمريكي السابق “جورج دبليو بوش” وإنما معارضيه، الذين كانوا يصرون على أن النفط هو الدافع الحقيقي لاحتلال العراق. فهذا الدافع أيضا غير مقبول منطقياًّ لشن حرب عدوانية تفضي إلى احتلال العراق. فإذا كان المقصود منه أن إدارة الأمريكية السابقة كانت تسعى لتأمين إمداداتها النفطية أو تخفيض سعر النفط. فالنفط كان مؤمناً ومن العراق تحديداً، فبموجب مذكرة النفط مقابل الغذاء كان العراق يبيع نصف صادراته النفطية إلى الولايات المتحدة الأمريكية حتى قبل شهر واحد من العدوان.

المنطق السليم للأشياء يقول إن هناك مسوغات غير المشار إليها آنفاً هي التي دفعت باتجاه احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، وقد تكمن الأسباب في الآتي:
أولاً -مشروع من أجل قرن أمريكي جديد:
كان المحافظون الجدد الفرحون بالتحولات السياسية والعسكرية التي شهدها العالم التي وقعت ما بين عامي 1989م -1991م، فالعام الأول يرمز إلى سقوط جدار برلين وعودة الوحدة الألمانية، بينما العام الثاني يرمز إلى نهاية حلف”وارسو” وتفكك الاتحاد السوفييتي. فمن وجهة نظر المحافظون الجدد أن إسقاط المنظومة الشيوعية في أوروبا كان نتيجة المزج ما بين “القوة العسكرية والوضوح الأخلاقي”، ويمكن تكرار هذا الفعل في أماكن أخرى من العالم وخاصة مع الأنظمة السياسية التي تتحدى -من وجهة نظرهم أيضاً -الولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا السبب كانوا مهتمين بنفس الدرجة بتعزيز الهيمنة الأمريكية على العالم مع أنهم كانوا يشعرون بأنها تضررت إلى درجة كبيرة بفعل تردد السياسة الأمريكية خلال ولايتي بيل كلينتون.

كانوا يشعرون بأنه من الضروري إعادة لإطلاق عصر الاستقرار الأمريكي، وبأنه من حق الولايات المتحدة الأمريكية وواجبها أن تفرض النظام و”تهذب” الأشرار في مختلف أنحاء العالم، لأنها الدولة الوحيدة في الجماعة الدولية التي تمتلك القوة والسلطة”الأخلاقية للقيام بهذا الدور، والعراق في عهد النظام السابق كان يبدو المرشح المثالي لتحقيق هذه الرؤية الكارثية. فمن وجهة نظر المحافظون الجدد أمثال “بول وولفويتز” و “ريتشارد أرميتاج” و”دوجلاس فيث” يعد إسقاط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين مشروعا أخلاقيا يستحق الإنجاز. والذي سهّل هذا على المحافظون الجدد هذا السقوط أن نظام صدام حسين كان ضعيفاً جدا من الناحية العسكرية وغير مقبول على المستوى العربي والإقليمي والدولي، فمن وجهة نظر المحافظون الجدد أيضاً إذا ما تحقق نصر عسكري أميركي سريع تبعته عملية إعادة بناء اقتصادية وسياسية بنفس الوتيرة من السرعة، فإن ذلك سينتج نظام سياسي عراقي جديد ستسكت ديمقراطيته ورخاؤه كل الانتقادات الموجهة للأحادية الأمريكية وتجاهلها القانون الدولي العام والعمل خارج إطار الأمم المتحدة. وسيستنتج العالم أن العرض الأمريكي بتولي مهمة شرطي العالم كان حقيقيا وموثوقا ومفيداً بما يكفي لنبذ تلك الشكوك الصغيرة المزعجة بشأن شرعية احتلال الأمريكي للعراق.

ثانياً- المحافظون الجدد والليكود الإسرائيلي:

ثمة سبب آخر لكون العراق هدفاً مثاليا للمحافظين الجدد، وهو أنه كان يُعتبر الخطر الأكبر بالنسبة لإسرائيل، التي قصفها الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بالصواريخ خلال حرب الخليج الثانية في العام 1991م؛ فالعديد من المحافظين الجدد صهاينة ولهم روابط قوية مع حزب الليكود في إسرائيل.

ويقدم كتاب America Alone لمؤلفيه Stefan Hapler و Jonathan Clarke ــ الخبيران في السياسة الخارجية ــ التفسير وكيف أن مجموعة الجدد اختطفوا السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية تحت مزاعم مكافحة الإرهاب ظاهرياً، في حين كان الهدف هو إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط حتى تظل دائرة في فلك السياسة الأمريكية ومستجيبة لإيحاءاتها وتوجهاتها، ومتقبلة لفكرة التدخل الأمريكي في شؤون دولها الداخلية ومتقبلة لفكرة حروب أمريكا الوقائية.

ونشير في هذا الصدد إلى “دليل التخطيط الدفاعي”” الذي أعده ديك تشيني وزملاؤه عام 1992 ــ أي قبل ثماني سنوات من وصوله إلى منصبه السابق كنائب للرئيس الأمريكي ــ واختار هو و زملاؤه من المحافظين الجدد العراق كهدف لتطبيق تلك الفلسفة خدمة لأمن إسرائيل، ولتحويل العراق قاعدة عسكرية دائمة للولايات المتحدة في المنطقة.

ولكن الأهم من هذا كله،هو تحقيق الحلم التوراتي بالنصر على ملك بابل وتدمير عرشه، ومن ثم قتله واستباحة دماء شعبه، ثم تحقيق المشروع الصهيوني القديم الذي ينص على تفتيت بابل، والدول المجاورة لها لتكون على شكل دويلات وكيانات متناحرة، كي تتحقق أمنية إسرائيل الكبرى. وبهذا تتمكن إسرائيل من تحقيق معظم أحلامها التوراتية والدينية والسياسية والإستراتيجية، من دون أن تهدر قطرة دم يهودية واحدة.

أكد هذه الحقيقة الجنرال (انتوني زيني) الرئيس السابق للقيادة الوسطى الأمريكية، التي نفذت احتلال العراق حين قال : “إن المثقفين اليهود المعروفين بالمحافظين الجدد هم من أشعل حرب العراق خدمة لإسرائيل” وحدد ثلاثة أسماء بارزة هم (بول وولفوفيتز) نائب وزير الدفاع الأمريكي لشؤون التخطيط أثناء احتلال العراق، وقد سبق أن شارك في صياغة الوثيقة المعروفة باسم “عقيدة بوش” التي تلخص الحروب الاستباقية التي تبناها الرئيس الأمريكي. أما الشخصية اليهودية الثانية فهو (دوجلاس فيث) مسئول السياسة الدفاعية أثناء احتلال العراق، والشخصية اليهودية الثالثة من المحافظين الجدد الذين ذكرهم الجنرال زيني، هو (ريتشارد بيرل) وقد شغل منصب رئيس مجلس السياسة الدفاعية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية من يوليو 2001 وحتى 2003.

وقد كتب (أري شافيت) في صحيفة “هارتس” الإسرائيلية في 15نيسان/ إبريل 2004 : إن “حرب العراق كانت من بنات أفكار خمسة وعشرين شخصاً من المحافظين الجدد أغلبهم من اليهود” وجاء في مقال للكاتب الإسرائيلي أوري أفنيري تحت عنوان “بعد انقضاء الليل” يحدد فيه المجموعة التي بادرت إلى الحرب وغزو العراق بأنها “خليط من المتدينين المسيحيين المتطرفين والمحافظين الجدد من اليهود”. إذ تنادى هؤلاء للحرب على العراق قبل وقت طويل من هجمات سبتمبر 2001، حتى أصبحت مسألة العراق من الأفكار الثابتة لديهم. فقد كتب وليام كريستول ولورانس كابلان وهما مثقفان من صلب التيار الذي يرسم مخططات إدارة بوش كتاباً قبل بدء العمليات ضد العراق بعنوان “طريقنا تبدأ ببغداد” قالا فيه : “تعتبر حرب العراق اختبار تحدٍ لما بعد الحرب الباردة”.

وكتب «كينيث أدلمان» وهو ناشط من المحافظين الجدد وموظف في البنتاجون عمل مع مجلس السياسة الدفاعية حتى عام 2005، افتتاحية شهيرة في صحيفة “واشنطن بوست” في فبراير 2002، قال فيها : “أؤمن بأن تدمير قوة صدّام حسين العسكرية وتحرير العراق سيكون في غاية السهولة”. ولقد رأوا في تبديل نظام بغداد ظرفاً ملائماً للبرهان على صحة منطقهم، فأطلقوا بلاغهم القائل: من الآن وصاعداً أمريكا هي القوة العليا على الكوكب، ولها السلطة، ومن واجبها إعادة رسم خريطة العالم بعد الحرب الباردة.

وفي إطار العراق، كانت قناعتهم أن سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين سيبدل صورة وأوضاع المنطقة العربية، ويمكّن النفوذ الأمريكي فيها بصورة مطلقة. ومن ثم اتخذوا من أكذوبة “أسلحة الدمار الشامل” ذريعة ملهمة رغم أنهم يعلمون أن صدام حسين لا يملك تلك الأسلحة، ولما كان عليهم أن يقنعوا الشارع الأمريكي بأحقية هذه الأكذوبة، أخرجوا حملة إعلامية صاخبة جيشوا لها محطات ومؤسسات ومراكز.

ثالثاً- بروز الصين كقوة اقتصادية مستقبلية:

يمكن القول أن العقد الأخير من القرن العشرين كان عقداً أمريكياًّ على كافة المستويات، ومع مطلع الألفية الثالثة بدأ تبلور ملامح نظام متعدد الأقطاب نتيجة صعود الاقتصاديات النامية وأبرزها الاقتصاد الصيني. صحيح أن المنافسين في هذا النظام لم يكونوا بالقوة الكافية لتحدى الهيمنة الأمريكية، ولكن في نهاية تسعينيات القرن المنقضي، أي شخص يملك حاسبة صغيرة في جيبه كان بوسعه أن يعرف، وبثقة كبيرة، متى سيبلغون تلك النقطة.

إن استمرار النمو الاقتصادي السنوي للصين البالغ 10 بالمائة حتى عام 2025م،ستصبح ثاني أكبر اقتصاد عالمي، بالإضافة لكونها قوة عسكرية كبرى. كما ستكون أيضا أكبر مستورد للموارد الطبيعية، وأضخم دولة منتجة للتلوث البيئي”. وإذا استمر النمو على ذلك النحو حتى عام 2040م فإن ذلك سيمنح الصين ناتجاً إجماليا يوازي الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية. وذلك لأن اقتصاداً متطوراً مثل الاقتصاد الأمريكي من الصعوبة بمكان أن يحقق نمواً سنوياًّ يزيد عن 4 بالمائة. وهذا يعني إن انفراد الولايات المتحدة الأمريكية لموقع القوة العظمى الوحيدة سينتهي بعد نحو جيل واحد طويل، مالم تتمكن في ايجاد السبل للحفاظ على موقعها المتقدم. ولمواجهة هذا التحدي، درس المحافظون الجدد بعناية مواطن الضعف في الاقتصاد الصيني وتوصلوا أن اعتمادها على النفط الخارجي؛ والذي يأتي معظمه من دول الخليج العربي من أبرز معالم الضعف فيه. لذلك قرروا احتلال العراق.

إن وجود قواعد عسكرية أمريكية دائمة في الخليج العربي يمكنها من عند الضرورة قطع واردات الصين من النفط وخنق اقتصادها، فعلى الرغم من الترحيب الخليجي بالقوات الأمريكية لإجبار الرئيس العراقي الأسبق على الانسحاب من الكويت، إلا أن دول الخليج العربي لم تكن ببقاء تلك القوات على أراضيهم خشية يؤدي وجود القوات الأمريكية إلى تقويض دعائم حكمهم. ومن أجل ضمان استقرار الخليجي العربي الحليف للولايات المتحدة الأمريكية، ومن هنا أيضا جاءت فكرة احتلال العراق واسقاط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين ويضعون مكانه حكومة مطيعة ومؤيدة للولايات المتحدة الأمريكية وينقلون القواعد العسكرية الأمريكية إلى العراق. عندها يمكن للمحافظون الجدد أن يباشروا في مشروعهم القاضي بزرع القيم”الديمقراطية” الأميركية في العالم العربي( التي ستجعل مشاعر العراقيين، بحسب تخيلاتهم، أكثر وداًّ نحو إسرائيل) أجلب القيم الأمريكية إلى العراقيين، ولو بقوة السلاح، وهم سيتبنوها بشغف وسيتحولون إلى ديمقراطيين محبين لإسرائيل ومؤمنين باقتصاد السوق الحر. وفي الوقت نفسه يمكن القوميين المتطرفين أن يمتلكوا قواعد عسكرية دائمة في الخليج تمنع النفط من بلوغ الصين عند أي أزمة.

وبذلك اتفق المحافظون الجدد والقوميون المتطرفون، الذين اجتمعوا معاّ ليكونوا منظمة مشروع من أجل قرن أمريكي جديد، على أن العراق هو البلد المناسب للاحتلال فالبنسبة للمحافظون يأتي الاحتلال الأمريكي للعراق في سياق ولائهم لإسرائيل، في حين اندفع القوميون لاحتلال العراق خشية من تنامي قوة الصين. وها هو العراق والشعب في الذكرى الثالثة عشر على احتلاله يدفع ثمن الرؤية الراديكالية ليمين الحزب الجمهوري الأمريكي. إذ انتشرت على الخارطة العراقية منذ الاحتلال وإلى يومنا هذا جراح لا تلتئم وقد لا تلتئم. ولم يتحقق أي شيء من رؤية المحافظون الجدد لعراق ما بعد صدام حسين، فلا ديمقراطية ولا رخاء اقتصادي ولا انسجام مجتمعي، وإنما بلد منقسم انقساد أفقي وعامودي حاد.

معمر فيصل خولي

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية