تعثر التسوية: بعد ضم ليبرمان.. حكومة إسرائيلية أكثر تطرفاً

تعثر التسوية: بعد ضم ليبرمان.. حكومة إسرائيلية أكثر تطرفاً

04062016- slider

انضم حزب “إسرائيل بيتنا” بزعامة أفيجدور ليبرمان إلى الحكومة الائتلافية التي يقودها بنيامين نتنياهو، ليتولى بذلك ليبرمان منصب وزير الدفاع الذي كان قد شغر إثر لجوء الوزير السابق موشي يالون إلى الاستقالة بعد إشارته إلى أن وزارة الدفاع قد فقدت ثقتها في رئيس الوزراء نتنياهو. وباتت الحكومة الإسرائيلية مؤلفة من ستة أحزاب، وارتفع عدد مقاعدها في الكنيست من 61 إلى 67 مقعداً.

وجاءت هذه التغيرات في تشكيلة الحكومة الإسرائيلية لتثير كثيراً من التساؤلات حول أسباب انضمام حزب ليبرمان للحكومة، وانعكاسات ذلك على الأوضاع السياسية في إسرائيل، وهوية الائتلاف الحاكم ومستقبله، وموقف الحكومة من تسوية القضية الفلسطينية، خاصةً في ظل استقطاب وزير دفاع متطرف من أنصار التهجير والمغالاة في العنف واستخدام القوة.

أسباب انضمام ليبرمان إلى الحكومة

ثمة أسباب دفعت كلاً من رئيس الوزراء نتنياهو، وزعيم حزب إسرائيل بيتنا “ليبرمان”، إلى الإقدام على هذه الخطوة، ويتمثل أبرزها في الآتي:

1- تحقيق الاستقرار في الحكومة الائتلافية:

بعد فشل المفاوضات التي أجراها نتنياهو مع زعيم المعارضة اسحاق هيرتزوغ، سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى ضم ليبرمان لحكومته من أجل دعم بقائها وتمرير ما ترغب في سنه من قوانين وتشريعات، ومواجهة النقص في ائتلافه الوزاري “الضيق” الذي كان يضم 61 مقعداً فقط من إجمالي 120 مقعداً في الكنيست. وهذا الوضع، بلا شك، كان يُضيق الخناق على عمل الحكومة، ويجعل نتنياهو فريسة لأعضاء الائتلاف لتحقيق مصالحهم، وهو الأمر الذي هدد مصير الائتلاف ككل أو على الأقل عرقل مشروعات القوانين المُقدمة من الحكومة إلى الكنيست.

والجدير بالذكر أن نظام الانتخابات في إسرائيل والذي تعتمد فيه على التمثيل النسبي على مستوى الدولة، هو السبب في ظهور حكومات ائتلافية تتلاعب خلالها الأحزاب الصغيرة بالأحزاب الكبيرة، وكانت النتيجة هي عدم استقرار هذه الحكومات وقصر عمرها، وعدم استكمال فترة ولايتها المقررة لها.

ومما لا شك فيه أن قرار ضم حزب “إسرائيل بيتنا” للائتلاف الحكومي لا يزيد فقط من حصة الائتلاف في الكنيست، بل ويدعم من حصة المعسكر اليميني الحاكم. فالحكومة كانت تشتمل على خمسة أحزاب، ثلاثة منها يمينية دينية متشددة “شاس، يهود التوراة، والبيت اليهودي” علاوة على “حزب كلنا” ممثل معسكر يمين الوسط، بالإضافة إلى التشدد الواضح الذي يمثله حزب الليكود ويظهر بشدة في خطابات رئيسه نتنياهو.

ومع انضمام حزب “إسرائيل بيتنا”، ارتفعت حصة الحكومة إلى 66 مقعداً في البرلمان، وأيضاً زادت قدرة نتنياهو على تمرير القوانين وتقليل فرص إسقاطها. بيد أن هذه الخطوة قللت من قدرة رئيس الوزراء التفاوضية وتحسين صورته أمام الرأي العام العالمي، حيث إن سيطرة معسكر اليمين المتطرف وابتعاد أحزاب اليسار عن الحكومة، من المتوقع أن تزيد من حدة الانتقادات الموجهة لنتنياهو.

2- طوق نجاة لحزب ليبرمان:

كان طلب نتنياهو لحزب “إسرائيل بيتنا” بالانضمام إلى الائتلاف الحكومي، بمنزلة طوق نجاة للحزب وزعيمه ليبرمان، وذلك بعد أن فقد الحزب مقاعد حصل عليها في الانتخابات الماضية عام 2015، وهو ما جعل البعض يصفه بأنه حزب ليست له قواعد انتخابية ولا أسس مؤسسية، ومصيره قد يكون مماثلاً لحزب كاديما، الذي اختفى قُبيل انتخابات عام 2015 لشعوره بعجزه عن تجاوز نسبة الحسم لدخول الكنيست، أو حزب “إسرائيل بعاليا” الذي شكل اليهود من أصل روسي قاعدته، وخرج أيضاً من الساحة السياسية في عام 2003.

ولتفادي هذا المصير، انضم ليبرمان إلى الحكومة ليحتل المكانة الثانية في إسرائيل كوزير دفاع، وهو ما يمثل فرصة لحزبه لكسب رصيد جديد داخل الحلبة السياسية، في ظل تحكمه في آلة الحرب وما قد تسفر عنه من تصعيد للعمليات العسكرية بالمنطقة، خاصةً في ظل شخصية ليبرمان المتطرفة.

وسبق أن شغل ليبرمان منصب وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء في عام 2009، بعد أن قاد حزبه للفوز بثالث أكبر كتلة برلمانية في الكنيست، وانضم إلى الائتلاف الحكومي الذي قاده حزب الليكود حينذاك. واستمر ليبرمان في منصب وزير الخارجية حتى عام 2015، وتبنى العديد من المبادرات اليمينية المتطرفة، ومنها إعلانه خلال الانتخابات الماضية أن “عرب إسرائيل الذين لا يتضح ولاؤهم لدولة إسرائيل يجب أن يتم ضرب عنقهم”. كما تبنى ليبرمان فكرة اغتيال قادة حركة حماس الفلسطينية التي تحكم قطاع غزة.

مستقبل التسوية السلمية

بعد أن حصل وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد على ثقة الكنيست في 30 مايو الماضي، سعى إلى طمأنة المتخوفين من نهجه المعادي للفلسطينيين، مؤكداً تأييده حل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي على أساس مبدأ الدولتين، كما تعهد ليبرمان باتباع سياسة مسؤولة ومتوازنة.

غير أن هذه التصريحات لا تستقيم ومواقف ليبرمان المتشددة، حيث سبق أن استقال من عدة حكومات على خلفية عدم تشديدها القبضة ضد الفلسطينيين، أو احتجاجاً على حدوث تقدم في المفاوضات. وأيضاً تتعارض تعهداته الأخيرة مع تشكيلة الحكومة الحالية التي تعد الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.

وبالتالي فإن ضم ليبرمان إلى الحكومة الإسرائيلية لن يغير سياسة نتنياهو تجاه القضية الفلسطينية، بل سيزيدها تشدداً، فوزير الدفاع الجديد هو يميني متطرف دخل حكومة يمينية من الصقور، وموقفه داعم لسياسات باقي الأحزاب المتشددة في الحكومة. فما يطرحه ليبرمان من رؤية للتسوية تستند على عدة نقاط، من بينها تهجير عرب 48، والحصول على القدس.

وهذه الرؤية تقضي على مطالب الجانب الفلسطيني، وتتوافق مع مواقف الأحزاب الأخرى في الائتلاف الحكومي، القائم بالأساس على إنكار الحق الفلسطيني في إقامة دولته. فعلى سبيل المثال، اشترط حزب “البيت اليهودي” قبل الانضمام للحكومة الإسرائيلية عدم إعطاء الفلسطينيين دولة، كذلك الحال بالنسبة لحزب “شاس” الذي يؤمن بفكرة “أرض إسرائيل الموحدة”، ويرفض قيام دولة فلسطين على حدود أراضي 1967 أو حتى في أراضي الضفة الغربية، وبالتالي يرفض العودة للاجئين، كما يعتبر القدس ليست موضوعاً للمساومة أو التقسيم.

وهكذا يتضح أن التوجه اليميني المتشدد له الغلبة في حكومة نتنياهو، ومن ثم فإن النهج الذي ستمارسه هذه الحكومة سيجعل خيار التسوية السلمية للصراع متعثراً، فقد تقبل الحكومة العودة إلى طاولة المفاوضات دون تقديم أية تنازلات، وإنما فقط بهدف تحسين صورة إسرائيل دولياً وتخفيف الضغوط عليها من المجتمع الدولي في ظل الصبغة اليمنية للحكومة. وسيظل نتنياهو يماطل ويعرقل أي مبادرات للحل مثل المبادرة الفرنسية الراهنة، بحجة “غياب شريك للتفاوض”، مع الاستمرار في السياسات التصعيدية التوسعية التي سيدعمها وجود ليبرمان.

وفي هذا الصدد، من المتوقع أن يلجأ ليبرمان إلى المزيد من العدوان على قطاع غزة، وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وتكثيف الإجراءات العقابيّة ضد سكان الضفّة الغربيّة، مثل إقامة الحواجز وسحب تصاريح العمل داخل إسرائيل للعمال الفلسطينيين.

ختاماً، يمكن القول إن قرار انضمام ليبرمان سيؤدي إلى إطالة عمر الحكومة الائتلافية برئاسة نتنياهو، فضلاً عن تدعيم موقف حزب “إسرائيل بيتنا”، وإعطاء فرصة ذهبية لليبرمان لاستعادة مكانته في الحياة السياسية، بيد أنه ينذر بتهديدات حقيقية بزيادة التطرف وعدم الاستقرار في المنطقة، حيث يُتوقع أن يُصعد اليمين المتطرف سياساته بشأن القضية الفلسطينية، وبما يؤدي إلى تعثر مسيرة التسوية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

د. هبة جمال الدين

مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة