عندما تثار قضية الفساد في العراق نعني هنا بالدرجة الاولى الفساد المالي والإداري والذي يعود الى أكثر من عقد ونيف من الزمان الى الوراء، وهو بداية الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003، حيث انطلقت رحلة العراق مع الفساد والنهب والسرقة التي لم تبقي على شيء من خيراته وثرواته وكان من نتائج الفساد ايضا انتشار الإرهاب في العراق ما شكل خطراً على المنطقة والعالم.
في العراق فقط وليس سواه، هناك فريقين فقط، الأول وهو السواد الاعظم من الشعب العراقي يلعن الفساد ويأن تحت وطئته، وفريق ثان يحتضن الفساد ويدافع عنه ويحارب من اجله من اجل مصالح شخصية.
ولم يقف ملف الفساد في العراق حد السخط الشعبي بل تعداه الى ان يصبح مثار سخرية للعالم اجمع بعد ان قضت محكمة عراقية بالسجن مدة عام واحد لصبي يبلغ من العمر 12 عاما بتهمة سرقة عدة علب من المناديل الورقية من محل للبيع، في حين عجز القضاء العراقي عن محاكمة من سرقوا مليارات الدولارات ودمروا بلد يمتلك ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم.
وفي مقال سابق ذكرنا بان أكبر ملفات الفساد وسرقات المال العام، والتستر عل الفاسدين حصلت في عهد حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وقد قدرت الدراسات ان ما تم ضياعه في عهده قد يصل الى ترليون دولار، من خلال صفقات سرية، وتهريب أموال للخارج وهو ما أكدته تقارير دولية موثوقة.
تقرير حديث صادرعن المركز العالمي للدراسات التنموية ومقره العاصمة البريطانية لندن كشف عن اختفاء 120 مليار دولار من فوائض موازنات العراق المالية خلال فترة تولي نوري المالكي لرئاسة الوزراء.
التقرير أوضح أنه خلال الفترة ما بين 2006 – 2014 حقق العراق فوائض مالية كبيرة كان يمكن أن تساهم في إعادة إعماره وتحويله إلى دولة حديثة، حيث بلغ مجموع الموازنات في تلك الفترة 700 مليار دولار ذهبت جلها إلى جيوب الفاسدين.
لقد شهدت فترة تولي المالكي لرئاسة الحكومة طفرة في أسعار النفط فقد سجلت مستويات قياسية تجاوزت 115 دولار للبرميل، وحققت الخزينة العراقية مكاسب ضخمة من عائدات النفط التي اختفت لحساب حكومة المالكي والمتنفذين فيها، يوازي ايرادات النفط التي تشكل 95% من ايرادات الحكومة انتشار الفقر والبطالة والإرهاب في كافة انحاء العراق حيث عانت فيما بعد الموازنات السنوية من عجوزات ضخمة ارهقت جيب المواطن ،دون ان يكون هناك حق للمواطن حتى الاستفسار، ونستطيع القول ان حكومة المالكي تعمدت افتعال الازمات ونشر الإرهاب للإخفاء الفساد وسرقة المليارات عن اعين المراقبين والشعب العراقي الذي كان في اسوء أوضاعه المعيشية.
ويتابع التقرير إن رئيس الوزراء حيدر العبادي تسلم من سلفه المالكي خزينة شبه فارغة لا يوجد فيها أكثر من 700 مليون دولار فقط، ما جعل العراق في وضع مالي صعب للغاية خاصة مع انخفاض أسعار النفط وتراجع الإيرادات وارتفاع تكلفة الحرب على داعش.
تراجع احتياطي البنك المركزي
وأشار التقرير إلى تراجع احتياطي البنك المركزي العراقي أيضاً في وقت كان يجب أن يزداد فيه. ففي الوقت الذي ارتفعت فيه موازنات العراق من 100.5 مليار دولار في 2012 إلى 145.5 مليار دولار في 2014 فإن احتياطيات البنك المركزي انخفضت من 88 مليار دولار إلى 67 مليار دولار.
واستمر هذا الانخفاض إلى أن وصل هذا العام 2016 إلى 43 مليار دولار، أي بانخفاض يصل إلى 45 مليار دولار ومعدل تراجع يعادل 9 مليارات دولار سنوياً تذهب في معظمها إلى شراء سلع غير منتجة.
وأوضح التقرير أنه خلال شهري يناير وفبراير من 2016 بلغت إيرادات العراق المالية 3.269 مليار دولار في حين أن البنك المركزي قام ببيع 5.821 مليار دولار لاستيراد سلع، حيث تم تغطية الفرق البالغ 2.552 مليار دولار من الاحتياطي.
وثيقة عن مجلس النواب تبين حجم الارادات(يناير، فبراير ) عام 2016
كما حول البنك المركزي خلال الفترة من 2012 -2015 مبلغ 6.5 مليار دولار بموجب صكوك شراء تبين أنها صادرة عن شركة وهمية وذلك إلى حساب شركات تبين لاحقاً أنها وهمية أيضاً.
وذكر بيان البنك المركزي العام الماضي بعد ان نشرت اللجنة المالية في البرلمان العراقي وثائق رسمية تؤكد عمليات تهريب منظمة لمليارات الدولارات ، عبر مزاد بيع العملة الصعبة خلال الاعوام من 2006-2014 حينما كان نوري المالكي رئيسا للوزراء .
وحذّر تقرير المركز العالمي للدراسات من استمرار عملية الهدر في احتياطي البنك المركزي، خاصة مع بقاء أسعار النفط عند مستويات متدنية وتزايد الأعباء على الدولة لأن هذا يعني تضخم العجز في الموازنة لمستويات قد تفوق ما هو معلن والذي يصل في العام القادم إلى 32%.
وتشير تقارير بإن منذ أنشاء المصرف المركزي مزاداً لبيع الدولار للمصارف وشركات الصيرفة عام 2004 ، بلغت مبيعات المصرف المركزي أكثر من 312 مليار دولار منذ تأسيسه، بقيمة 1180 ديناراً للدولار الواحد، حولت 80% من هذه الأموال إلى خارج العراق بينما 20% دخلت إلى السوق .
وعلى الرغم من محاولات رئيس الوزراء حيدر العبادي من كبح جماح الفساد في العراق إلا أن المستفيدين من هذه الظاهرة يحاولون عرقلة ذلك، والتأثير على عمل الهيئات المستقلة من خلال نفوذ بعض الأحزاب أو الميليشيات.
ودعا التقرير رئيس الوزراء حيدر العبادي للإسراع في الكشف عن كبار الفاسدين قبل البدء بالانتخابات المقبلة.
وأشار المركز العالمي للدراسات إلى أن ملف العراق يحظى باهتمام دولي كبير خاصة وأن الفساد تسبب بانتشار الإرهاب في العراق ما شكل خطراً على المنطقة والعالم.
وبين التقرير أن نجاح العبادي في مكافحة الفساد لا يقل أهمية عن تحرير الموصل وسيحظى بتأييد شعبي ودولي يمكنه من تنفيذ برامجه في إعادة الإعمار والخدمات وبناء مؤسسات الدولة.
ونشير هنا الى التحقيق الاستقصائي الذي أجراه “فيرفاكس ميديا” و”هافينغتن بوست” ونشر في نيسان / ابريل 2016 “عن آلاف الوثائق” من موقع شركة “يوناويل” المملوكة من عائلة إيرانية ومقرها إمارة موناكو وقد كان ابطال هذه العمليات مسؤولين ووزراء كبار في عهد حكومة نوري المالكي.
ومن المقرر ان يبدا التحقيق في ملفات الفساد المالي بناء على مذكرة تفاهم وقعتها الحكومة العراقية مع الأمم المتحدة. سيعمل المحققين الدوليين، على مساعدة الحكومة العراقية في الكشف عن مصير 361 مليار دولار مفقودة من موازنات العراق بين عامي 2004م – 2014م.
الوضع في العراق مرعب بحق والحكومة العراقية تحاول مواجهة الشلل المالي الراهن من خلال اللجوء للاقتراض الخارجي والداخلي لكن التساؤل المطروح هل ستكون الحكومة العراقية قادرة محاسبة الفاسدين؟ وهل ستكون قادرة على مواجهة أي غضب شعبي نتيجة عجزها عن محاربة الفساد ؟
الحديث عن الفساد في العراق لا يشبه أي بلد في العالم، ولا يمكن للعقل ان يستوعبه، فقد دأبت حفنة من اللصوص الذين يرتدون الزي الرسمي على افراغ خزينة الدولة من كل موجوداتها، لتعود بالعراق الى قرون مضت بالفقر والجهل والبطالة، في حين يصر اتباع اعداء العراق على سرقة امواله وخيراته وتهريبها الى الخارج لخدمة اجندات اقليمية لا تريد بالعراق واهله الا كل شر، ومع ذلك ستبقى فترة حكومة المالكي منذ (2006-2014) هي الأسو في تاريخ العراق القديم والمعاصر، ولتكتب قصة حكومة نهبت بلد بأكمله وشردت اهله ورمته في احضان اعدائه، وبات العراق اليوم في مقدمة الدول التي تسعى وراء القروض الدولية والمنح علها تنقذ ما يمكن انقاذه.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للابحاث والدراسات الاستراتيجية