كلينتون وترامب: مناظرة رئاسية شرسة

كلينتون وترامب: مناظرة رئاسية شرسة

download

ليس من الشيم الأميركية أن يعلن مرشح رئاسي أنه يمكن أن يسجن منافسه. لكن دونالد ترامب، الذي يتألم من نشر شريط فيديو عمره 11 عاماً، ويضم تسجيلا لتعليقاته الفاسقة والمثيرة للاشمئزاز عن النساء، ذهب إلى هناك على أي حال.
وفي أنه حين اعترف بأنه “محرج جداً” من حديثه عن اللمس والهجوم، قرر ترامب أن الخلاص يكمن في نبش الفضائح القديمة التي تتضمن زوج منافسته. وقال عن بيل كلينتون: “لم يكن هناك أحد في التاريخ السياسي لهذه الأمة، والذي كان مسيئاً جداً للنساء بهذا المقدار”. وبدا أن ترامب اعتقد بأن عقد هذه المقارنة سيجعله يبدو أفضل بطريقة ما.
احتل ترامب صدارة المسرح، وقاطع حديث هيلاي كلينتون، وهاجمها مراراً بسبب ممارستها “الكذب”، كما هاجم المشرفَين على المناظرة، مارتا راداتز وأندرسون كوبر، قائلا عند إحدى النقاط أن المناظرة هي ثلاثة ضد واحد. كان هذا هو الأداء الفظ والجاهل في معظمه لرجل كان يدرك أن حملته الانتخابية أصبحت على حافة الانهيار.
وردت كلينتون بقوة بذكر تاريخ ترامب في إطلاق التعليقات المتحيزة ضد النساء، ورفضه الكشف عن عوائده الضريبية، وزيف الكثير من ادعاءاته واتهاماته، واقتراحه حظر هجرة المسلمين، وقربه من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
لكن كلينتون ظلت هادئة وواثقة، وعكَس سلوكها واقع النقاش: سوف تحدِث إجابات ترامب المراوغة والجاهلة في كثير من الأحيان، بالإضافة إلى عدوانيته الغاضبة، أثراً سيئاً عند الناخبين الذين ينطوون على شكوك حول ما إذا كان يمتلك المزاج المناسب ليكون رئيساً. وقد ترك ترامب هذه الشكوك قائمة عند الناخبين، بل إنه ربما يكون قد عمَّق المخاوف الكامنة لدى زميله في الحزب، عندما اختلف علناً مع وجهات نظر مايك بينس حول سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا وسورية.
كانت كلينتون تعرف أنها ليست بحاجة إلى عمل الكثير للاستفادة من المتاعب التي خلقها شريط الفيديو لترامب. وقالت أن هذا الشريط لا ينبغي أن يُشاهد في معزل عن، وإنما كجزء من نمط من التمييز على أساس الجنس والتعليقات المسيئة للنساء. وقالت: “إنه يجسد ما هو (ترامب) بالضبط”، وبينت كيف أنه لا يصلح للرئاسة.
كانت المفارقة في الأمسية هي أن كل ما فعله ترامب لكسب الناخبين المترددين، عمل على تعقيد مسار الجمهوريين الذين يريدون إخراجه من السباق، أو فصله على الأقل عن قائمة بقية مرشحي الحزب.
لكن عدوانيته منحته قدراً من السيطرة على المناظرة الثانية أكثر من الأولى، حيث عدائيته بالتحديد هي ما تحبه فيه قاعدته الانتخابية. وفي نهاية المواجهة، كان ترامب قد فعل القليل لجعل المسابقة تنافسية حقاً، والقليل أيضاً لطمأنة الجمهوريين الذين يفكرون في القفز من السفينة، لكنه فعل أكثر مما يكفي لحشد أقوى مؤيديه. وسوف يظل هؤلاء جيش مقاومة في وجه التحركات ضده في داخل الحزب الجمهوري. وربما كانت هذه الحصيلة انتصاراً لكلينتون أيضاً.
جاءت اللحظة الأكثر إثارة للصدمة في المناظرة في وقت مبكر. ففي حديثها عن عدم استقرار ترامب وغدره وعدم جدارته بالثقة، قالت كلينتون: “من الجيد جداً أن شخصاً بمزاج دونالد ترامب ليس مسؤولاً عن القانون في بلدنا”.
ورد ترامب على الفور: “لأنك كنتِ ستكونين في السجن”.
وما كان شيء ليفعل المزيد لتعزيز المخاوف من ترامب أكثر من ظهوره كشخص استبدادي إلى حد خطير.
من شبه المؤكد أن فيديو الجمعة قد أنهى أي فرصة كانت لدى ترامب ليصبح رئيساً. وقد فهمت كلينتون ذلك وتصرفت على أساسه، معتقدة أن ترامب سينجز عملها بدلاً عنها. وقد فعل إلى حد كبير. ومع أن رغبة ترامب في الرد بشراسة ساعدت بقاءه في السباق، فقد تركته مصاباً بجروح بليغة، وجعلت بعض الجروح أكثر عمقاً. وبذلك أصبح ترامب أكثر خطورة على حزبه بعد المناظرة مما كان قبل بدئها.
بالنسبة للأميركيين الباحثين عن رافعة، عرضت تلك الليلة القليل. وكانت كلينتون الأقرب، حيث بدأت واختتمت بالدعوة إلى تكاتف الأميركيين معاً، وقدمت زخرفاً إضافياً عندما طلِب من المرشحين امتداح شيء في منافسيهم، فامتدحت كلينتون ترامب على أولاده، واستخدمت ذلك كطريقة لإعادة عرض ثيمتها عن تكوين أمة أكثر وحدة وتسامحاً. وامتدح ترامب كلينتون على الميزة التي تقدرها في نفسها أكثر ما يكون: قدرتها على المواجهة، والكفاح والبقاء في الميدان.
لكن الأمر كان يتعلق كله بالإلهام الوحيد الذي يمكن استخلاصه من هذه المنافسة. إن هذه الحملة الشرسة ستجعل من الأصعب لسنوات على محبي النظام الأميركي الادعاء بأن بلدنا هو أعظم ديمقراطية في العالم. لقد صعد ترامب إلى الشهرة كنجم لتلفزيون الواقع، وجلب سعيه إلى الرئاسة صورة كل شيء عدواني ومثبط للهمة إلى مركز السياسة الأميركية. وسوف نحتاج إلى وقت طويل حتى نتعافى.
*يكتب عن السياسة عمودين أسبوعياً للواشنطن بوست. وهو زميل رفيع في دراسات الحكم في معهد بروكينغز، وأستاذ الحكم في جامعة جورجتاون، ومعلق سياسي في الراديو الوطني وعدة برامج تحليلية أخرى، ومؤلف كتاب “لماذا أخطأ اليمين”.

ترجمة:علاء الدين أبو زينة

صحيفة الغد