أحمد جرار ورفاق المقاومة.. درب الكرّ والفرّ

أحمد جرار ورفاق المقاومة.. درب الكرّ والفرّ

بعد ثلاثة أسابيع من المطاردة وأقل من شهر من قتله مستوطنا إسرائيليا قرب مدينة نابلس، استشهد المقاوم الفلسطيني أحمد نصر جرار بعد أن استهدفه جنود الاحتلال بمبنى تحصن فيه في بلدة اليامون غرب مدينة جنين شمالي الضفة الغربية.
وقع الخبر كالصاعقة على عائلة الشهيد رغم أن توقعاتها كانت منحصرة بين “الشهادة أو الاعتقال” ليكون بذلك ثالث أحمدين استشهدا قبله فداء له أثناء مطاردته، فالأول ابن عمه أحمد إسماعيل جرار والثاني ابن قريته (برقين) أحمد أبو عبيد.
وبعد أن حددت إسرائيل مدبر عملية نابلس بدأت تطارد فرائسها بين مدن وقرى شمالي الضفة، لا سيما نابلس وجنين، فكثفت نشاطها الأمني والعسكري فيهما، وأغلقت الطرق، ونصبت الحواجز، واقتحمت المنازل، واختطفت فلسطينيين من أقارب الشهيد وغيرهم.
وإلى الأذهان تعيدنا عملية اغتيال جرار لحكاية مشابهة ليست ببعيدة للشهيد باسل الأعرج الذي اغتيل هو الآخر في مارس/آذار 2017 داخل منزل تحصَّن فيه بمدينة البيرة قرب رام الله، وحكاية أخرى “لمشروع شهيد” هو الشاب عبد الكريم عاصي الذي قتل الاثنين طعنا مستوطنا قرب مدينة سلفيت شمالي الضفة، ولا تزال مخابرات الاحتلال تطارده.

ربما اختلف جرار عن الأعرج بأن أوقع قتلى إسرائيليين، تماما كما فعل عاصي، لكنهم جميعا تساووا بالعمل الفردي الذي جعلهم في دوامة الاستهداف الإسرائيلي، إذ لم تدخر تل أبيب ساعة إلا وبحثت فيها عن أحمد، وأشركت وحدات خاصة هي “اليمام” و”حرس الحدود” و “جفعاتي”. ورغم ذلك فشلت في ثلاث عمليات استهداف متواصلة للشهيد.

غياب الحاضنة
وهذا الفشل دفعها في المرة الرابعة -كما يقول خبير الشأن الإسرائيلي محمد أبو علان- لعدم إمهاله وقتا لتسليم نفسه ولم تناده عبر مكبرات الصوت. فما إن شعرت بتحركه داخل منزل مهجور حتى باغتته بنيران كثيفة ومباشرة، خشية المواجهة التي أرادها الشهيد جرار الذي “ملأ جعبته بذخيرة كبيرة من الرصاص والمتفجرات”.

ووفق أبو علان، قادت انتقادات الإسرائيليين لجنودهم وأجهزتهم الأمنية لفشلهم المتكرر في اعتقال أحمد جرار إلى تكثيف البحث عنه، لكن أمورا عدة سمحت لجرار بالتحرك جيدا والتواري، وأهمها اعتقاد الجيش بداية بأن الخلية التي قتلت المستوطن من نابلس، إضافة لمعرفة أحمد الجيدة بمدينة جنين.

لكن غياب “حاضنة للمقاومة” بالضفة وتحول التنسيق “لشراكة أمنية” مع الاحتلال لم يتيحا لأحمد والمقاومين أمثاله إطالة المطاردة والتخفي أكثر، وفق ما يراه الخبير بالشأن الأمني والعسكري الفلسطيني اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي.

لكن هذا لن يوقف العمل الفردي المقاوم الذي ربما يتضاعف ويتحول إلى “عمل نوعي” يربك الاحتلال، وفق الشرقاوي الذي يرى أيضا أن النضال الفردي تجاوز المنظمة والسلطة وحتى الفصائل.

وحدة المقاومة
إلى حد كبير تشابه حال أحمد مع والده الشهيد نصر جرار، فكلاهما طارده الاحتلال، لكن ملاحقة الوالد كانت أكبر وامتدت لسنة ونصف السنة قبل أن يغتاله الاحتلال عام 2002 ويرتقي شهيدا مبتور اليد والقدمين بفعل قصف سابق نجا منه بأعجوبة.

في ذلك الوقت “كانت وحدة الشعب ووحدة مقاومته” حاضنة المقاومين ونضالهم، كما يقول عبد الجبار جرار قريب الشهيد وأحد المقاومين في الانتفاضتين الأولى والثانية. أما أحمد “الكتوم” كما تصفه والدته أم صهيب فقد ساعده حرصه بعدم الاتصال بعائلته على الاختفاء، وتقول الوالدة المكلومة إنها لم تكن تملك غير “سلاح” الدعاء لله بحفظ ولدها.

انتفض مئات الشبان لا سيما طلبة الجامعات بمدن عدة بالضفة وخرجوا بمسيرات عفوية تكريما للشهيد وحملوا بين أضلاعهم صورا له وهتفوا “طلقة بطلقة ونار بنار.. قائدنا أحمد جرار” ودعوا للانتقام له، وقد عجت مواقع التواصل الاجتماعي وعبر وسوم (هاشتاغات) عدة بالافتخار بفعله ونجاحه في قهر “الجيش الذي لا يُقهر”.

وقبيل استشهاده خط والد الشهيد عبارة “إهداء مني إلى” على أربع نسخ من القرآن الكريم لتكون لزوجته وأبنائه صهيب وأحمد وجينا، فذهبت كلها تحت ردم منزلهم الذي قصفه الاحتلال قبل 18 عاما حين استهدف الشيخ نصر، إلا أحمد الذي ظل يحمل مصحفه أينما حل وارتحل حتى عثر عليه اليوم بجانب جثمانه وكان أحد الأدلة على استشهاده.

عاطف دغلس

الجزيرة