باكستان تمنح السعودية مظلة نووية في مواجهة إيران

باكستان تمنح السعودية مظلة نووية في مواجهة إيران

يتناول الكاتب في هذا المقال، إعلان باكستان عن إرسالها لواءً عسكريًا يضم ثلاث كتائب إضافة إلى القوة الموجودة بالفعل في السعودية في مهمة “إرشاد وتدريب”، مشيرًا إلى أنه من المحتمل أن يكون هذا الإجراء ذو صلة بالتهديد الإيراني للرياض، أو أنه يأتي في إطار التغلب على التهديدات الداخلية المحتملة التي تشكِل تهديدًا لاستقرار السعودية، تضمن المقال النقاط التالية:

  • في الشهر الماضي، أعلن الجيش الباكستاني اعتزامه إرسال قوة بحجم لواء عسكري للسعودية، لتنضم للقوات الباكستانية الموجودة بشكل دائم في المملكة، وذلك للقيام بمهمة رسمية تتمثل في “الإرشاد والتدريب”، في مشهد مشابه لما سبق وأن قامت به السعودية من استعانة بقوات الجيش الباكستاني في أوقات الأزمات التي مرت بها خلال السبعينات من القرن الماضي.
  • اهتمام الجانب الباكستاني، بإظهار التزامه إزاء أمن واستقرار السعودية، يهدف على ما يبدو إلى إنهاء فترة اتسمت بالفتور في علاقات البلدين، عندما عارض البرلمان الباكستاني بأغلبية أعضائه، انضمام قوات جيشه، لحرب اليمن، والتزم الحياد إزاء النزاع بين السعودية وقطر.

تحالف تاريخي

  • تتميز باكستان، بامتلاكها أكبر جيش إسلامي، وهي الدولة المسلمة الوحيدة التي لديها سلاح نووي، التي أظهرت استعدادًا لتقديم مساعدات أمنية عسكرية للسعودية، فقد سبق وأن ساعدت في تحرير الحرم المكي عام 1979، وأبقت على قواتها العسكرية في المملكة طوال فترة حرب إيران والعراق، بناءً على طلب الملك فهد، حيث نصبت جزءًا من قواتها في تبوك، قرب الحدود مع إسرائيل، بينما عسكرت أغلبية القوات في المنطقة الشرقية، حيث تتواجد معظم حقول النفط السعودية، إضافة إلى الأقلية الشيعية المؤيدة لإيران.
  • اعتاد الجيشان السعودي والباكستاني على القيام بتدريبات ومناورات مشتركة، إضافة إلى وتعاونهما في محاربة المجاهدين الأفغان طوال سنوات الاحتلال السوفيتي.
  • يسود اعتقاد بأن عددًا كبيرًا من الجنود المرتزقة الباكستانيين يخدمون في مهام قتالية مختلفة داخل قوات الأمن السعودية، على غرار دول أخرى في الخليج.
  • في عام 2015، انضمت باكستان رسميًا إلى “التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب”، الذي بادر بإنشائه ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، متخذًا من الرياض مقرًا له، إلا أنها أعلنت فيما بعد عدم مشاركتها بصورة فعالة في الحرب، واكتفائها بتقديم إرشاد عسكري استخباراتي ودعم لوجيستي لدول التحالف، وتم تكليف رئيس الأركان الباكستاني الأسبق، راحيل شريف بقيادة قوة التحالف دون إعلان عن قوة حجمها وأهدافها، غير أنه يمكن استنباط الهدف من حقيقة عدم مشاركة إيران، العراق وسوريا فيه.
  • بعيدًا عن المنظور الأمني، فإن السعودية، التي تتمركز بها المقدسات الإسلامية، تتمتع بتأثير ديني لا يستهان به داخل باكستان، وذلك بفضل نجاحها على مدار أعوام في تعزيز تأثيرها عبر تبرعاتها السخية للمساجد والمدارس في باكستان، التي تُعد الثانية على مستوى العالم من حيث تعداد سكان المسلمين فيها.
  • يُضاف لذلك المصالح الاقتصادية بين البلدين، فالرياض تزود إسلام أباد بالنفط، إضافة إلى أنها تشكِل مصدرًا هامًا للدخل نظرًا لأن عدد العمالة الباكستانية في السعودية يبلغ حوالي مليون ونصف.
  • إلى جانب كل ما سبق، يأتي التطوير النووي الذي تقوم به باكستان، الذي أدى إلى توطيد العلاقات بين البلدين، فبحسب التقديرات، تقوم السعودية بإمداد باكستان بمساعدات مالية لتطوير “قنبلة إسلامية”، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت، الذي فرض فيه المجتمع الدولي عقوبات على باكستان عقب قيامها بتجارب نووية، قدمت لها السعودية كل الدعم للتغلب على تلك العقوبات، فكان من بين ذلك، تزويدها بشكل منتظم بالنفط ومشتقاته، ودعمها الكبير للبرنامج النووي الباكستاني، بشكل دفع باكستان إلى الاستجابة لطلبها بالاستعانة بقدرات باكستان النووية.

المثلث إيران – باكستان – السعودية

  • ترى السعودية في باكستان خاصية هامة، تتمثل في تقاسمها الحدود على طول امتداد إيران، الأمر الذي يمكن استخدامه في وقف التأثير الإيراني، غير أنه في الوقت نفسه، ترغب باكستان في الإبقاء على علاقاتها القوية بإيران، خشية تنامي التوتر الطائفي، حيث تتواجد بها أكبر نسبة من الشيعة خارج إيران، مما يجعلها تتأثر نسبيًا بإيران، وهنا تجدر الإشارة إلى نجاح إيران مؤخرًا في تجنيد عدد ليس بقليل من الشيعة الباكستانيين لتحقيق أهدافها في سوريا، إضافة إلى المصالح الاقتصادية ذات الثقل التي تربط بين البلدين، والمتعلقة بأزمة الطاقة المتصاعدة لدى باكستان، حيث ترغب باكستان في تثبيت أنبوب يسمح بتدفق الغاز الإيراني لأرضها، وذلك في إطار مشروع وافقت الصين على تمويله.
  • يُضاف لما سبق، انشغال الجيش الباكستاني، بالقيام بمهام على طول الحدود الباكستانية – الهندية، والباكستانية – الأفغانية، ولذا فهو لا يرغب في فتح المزيد من الجبهات، خاصة وأنه مشترك مع إيران في قمع الحركات الانفصالية والبلوشية، النشطة داخل البلدين، إضافة إلى تعاون باكستان مع أفغانستان لما بينهما من استثمارات ضخمة متنامية.
  • لدى باكستان رغبة في الإبقاء على علاقاتها مع إيران، وامتناعها عن التورط في مواجهة إيرانية – سعودية، هو السبب في عدم انضمامها بشكل مباشر للحرب في اليمن، ومن المحتمل أن يكون تشككها حيال السياسة الحالية للملكة هو الذي دفعها إلى التراجع عن الانضمام للإجراءات التي بادر محمد بن سلمان باتخاذها.
  • التأكيد على أن السعودية وباكستان ستبقيان حليفتين قريبتين وسيكملان الطريق سويًا لضمان أمن بعضهما، فكلاهما يولي اهتمامًا كبيرًا لاحتواء أي أزمة قد تنشب بينهما، علاوة على تجنبهما أي اتفاق من شأنها المساس بالتحالف الاستراتيجي القائم بينهما.
  • باكستان تبذل أقصى ما في وسعها كي لا تُجبر على الاختيار بين إيران والسعودية، وأبرز مثال على ذلك، خروج وزير الدفاع الباكستاني بتصريح فور وصول القوات الباكستانية إلى السعودية، معلنًا فيه أن تلك القوات ليست موجهة ضد إيران، مؤكدًا أن الهدف من تواجد تلك القوات هو تدريب القوات السعودية.

المنظور الاستراتيجي

  • الإشارة إلى أنه عندما أعلنت إيران في السباق، اعتزامها نشر سلاحها النووي، عمدت باكستان إلى نشر سلاحها النووي الباكستاني في السعودية، في إطار التزامها بالحفاظ على أمن السعودية، كما نقلت لها التكنولوجيا اللازمة لبدء البرنامج النووي السني في المملكة.
  • بالنسبة لباكستان، فإنه نظرًا لما تملكه من ماض إشكالي إزاء نشرها للتكنولوجيا النووية، فإنه من المحتمل أن يتم غض الطرف عنها، في حال ساعد علماء باكستانيون في إقامة بنية نووية في المملكة.
  • هناك احتمال بمنح باكستان “مظلة نووية” إذا ما التزمت بالرد على أي قوة أجنبية يمكن أن تشكِل تهديدًا على المملكة والأماكن المقدسة الإسلامية بها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن منح السعودية تلك “المظلة النووية” سيكون أسهل بكثير من منحه لباكستان، خاصة في ظل التبرير بأنه توسيع للضمان الأمني القائم بالفعل، غير أن فعالية هذه الخطوة تظل محدودة.
  • الإشارة إلى أنه من المحتمل أن يكون لدى الرياض تقدير، بأنه في حال انطلقت إيران نحو امتلاك سلاح نووي، ستهب باكستان لمساعدة السعودية بطريقة أو بأخرى، غير أنه من المحتمل في حال وجود تفاهمات بين البلدين، أن يقوم كل جانب بتفسير تلك المساعدة بشكل مختلف، ولذا، فإنه في حال ما أرادت باكستان، تنفيذ تلك الصفقة، فإنه سيكون عليها أن تأخذ بعين الاعتبار شبكة مصالحها الإقليمية الشاملة، بما فيها علاقاتها مع إيران، والثمن الاقتصادي والسياسي الباهظ الذي سينبغي عليها أن تدفعه لقاء مساعدتها للسعودية.
  • في حال ما اتضح أن باكستان نقلت سلاحًا أو تكنولوجيا نووية للسعودية، فإنها ستتعرض لإدانة حادة من قِبل الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إضافة إلى تعرضها لعقوبات شديدة، يزيد على هذا وجوب تعاملها مع الضرر الاقتصادي والسياسي الشديد، وتحويلها إيران إلى عدو لدود.
  • يسود توقع بدرجة كبيرة، بأن “النظام السعودي”، الذي يواجه تحديات خطيرة على الأقل من الداخل، سينهار بسبب كثرة الضغوط الداخلية وليس جراء تدخل خارجي إيراني مباشر، فالخطر من إيران النووية، يكمن في استخدامها قوة الابتزاز النووية، بهدف زيادة تأثيرها على المنطقة بصفة عامة، وبين الشيعة داخل السعودية وباكستان بصفة خاصة.

ويختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى إصرار كل من الرياض وإسلام أباد على رفض تقديم المزيد من التفاصيل حول العدد الدقيق للجنود والهدف المحدد من القوات الباكستانية المتواجدة بالمملكة، غير أنه وفقًا لتوقيت إرسال تلك القوات، وبحسب تصريحات الجيش الباكستاني، فإن تلك القوات متواجدة داخل حدود المملكة وليس خارجها، وهو الأمر الذي يمكن تفسيره بأن الهدف منها هو التعامل مع أي تهديدات داخلية محتملة تمثل تهديدًا لاستقرار المملكة، والتي من الممكن أن تنشأ على خلفية إعلان محمد بن سلمان ملكًا للمملكة.

د. يوآل جوزينسكي، معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي

نشر المقال في صحيفة “يديعوت أحرونوت”

ترجمة

لبنى نبيه عبدالحليم مجاهد

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية